تونس: تحذيرات من تعديلات على قانون المركزي لاحتواء الدين الداخلي المتفاقم

31 أكتوبر 2024
موظفة في البنك المركزي التونسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

 

يخطط برلمان تونس لإيجاد حلول لاحتواء تضخم كتلة الدين الداخلي عبر إدخال تعديلات على قانون البنك المركزي تسمح بالاعتماد المكثف على احتياطيات البنك لتمويل الموازنة العامة بشكل مباشر، والحد من اللجوء إلى المصارف الداخلية للاقتراض وفق القواعد التي وضعها القانون الأساسي للمصرف المركزي منذ عام 2016.

وراهن مجلس نواب الشعب على دعم لمقترح قانون تقدم به عدد من النواب، يجيز للبنك المركزي شراء أذون الخزينة الحكومية لدى البنك والدخول على الخط مباشرة لتمويل الموازنة مع توظيف فوائد على الأذون المجمعة من البنوك بنسبة تتراوح ما بين 1% و3%.
ويواجه المقترح البرلماني معارضة واسعة من أوساط اقتصادية تبدي قلقا من تداعيات المرور إلى الاقتراض المباشر من خزينة البنك المركزي على مستويات التضخم وقيمة الدينار المحلي.
ووفق وثيقة مقترح القانون التي تقدمت بها كتلة نيابية، سيقوم البنك المركزي بشراء أذون السندات الحكومية التي تملكها البنوك وتمويل احتياجات السيولة على الأمد المتوسط أو البعيد.

مشروع القانون

وبموجب مشروع القانون، يتعيّن على البنك المركزي شراء سندات حكومية من البنوك وإقراض الخزانة بشكل مباشر بقيمة تصل إلى ثلاثة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بآجال سداد تتجاوز خمس سنوات.
وخلال السنوات الأخيرة، كثّفت السلطات التونسية لجوءها إلى القطاع المصرفي من أجل الحصول على قروض داخلية لتمويل الموازنة وتغطية العجز، الأمر الذي تسبب في انفجار كتلة الدين الداخلي التي باتت تستأثر بأكثر من 51% من الناتج المحلي الإجمالي إلى غاية النصف الأول من العام الحالي مقابل 42.7% في يونيو/ حزيران 2023.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويعدّ مقترح تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي الحل الأمثل لاحتواء كتلة الدين الداخلي حسب عضو البرلمان آمال المؤدب، التي أكدت اشتغال المجلس على النسخة المطروحة للنقاش منذ يوليو/ تموز 2023 بعد بروز بوادر تعاظم خدمة الدين على القروض الداخلية التي ترهق البلاد.
وقالت المؤدب في تصريح لـ"العربي الجديد" إن تغيير صيغة الاقتراض الداخلي عبر التمويل المباشر من البنك المركزي سيكون محددا بضوابط تمكن من حوكمة كتلة الدين من دون الانزلاق في مطبات التضخم أو هبوط قيمة العملة المحلية.
وقدرت عضو البرلمان حجم الخسائر الناجمة عن كلفة فوائد الدين الداخلي بسبب إجبارية المرور عبر المصارف التجارية لتمويل حاجيات الموازنة بنحو 67 مليار دينار (22.3 مليار دولار).
وتنص المادة 25 من القانون الجاري العمل به على أنه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة التونسية تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة".
وقالت المؤدب: "كان بالإمكان توفير هذه المبالغ المترتبة عن الفائدة البنكية للقروض الداخلية وتوجيهها نحو التنمية والاستثمار". وأكدت في سياق متصل حرص البرلمان على المصادقة على مشروع القانون المقترح في أقرب الأجال لتحقيق النتائج المرجوة منه.

الدين الداخلي في تونس

سجل الدين الداخلي لتونس، خلال النصف الأول من عام 2024، ارتفاعا بمعدل سنوي يناهز 24.9% مقابل 20.5% خلال الفترة نفسها من العام 2023، حسب بيانات مذكرة لوزارة المالية التونسية.
تزامن هذا التطور مع تسجيل انخفاض ملحوظ في حصة الدين الخارجي للبلاد من إجمالي الدين العمومي، ففي نهاية يونيو 2024، ولأول مرة منذ عام 2010، بلغت أقل من نصف إجمالي الديون وذلك بنسبة 48.9% بعد ذروة بلغت 70.7% في نهاية يونيو 2019.
وتواصل سلطات تونس الاقتراض الداخلي في إطار خطة لتوفير موارد لفائدة الخزينة والحد من اللجوء إلى التداين الخارجي المكلف، بعد تعثر مساعٍ للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
ويدافع الخبير في الشؤون المالية والبنكية زياد أيوب عن الطرح البرلماني الذي تضمنه مشروع قانون تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي، مؤكدا أن دخول البنك المركزي على الخط لشراء أذون الخزينة الحكومية من البنوك سيساعد على خفض كتلة الدين الداخلي على المدى المتوسط.
وقال أيوب في تصريح لـ"العربي الجديد" إن تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي لن يؤدي إلى خلق كتلة نقدية عشوائية عبر تمويل الموازنة، مؤكدا أن شراء المركزي أذون الخزينة الحكومية تطبقه أكبر البنوك المركزية في العالم وليست استثناء تونسيا.
وقدر قيمة أذون الخزينة التي تحتكم عليها البنوك التونسية المودعة لدى البنك المركزي ضماناً في إطار عمليات إعادة التمويل بنحو 14 مليار دينار.
وأشار المتحدث في سياق متصل إلى أن مشروع القانون الجديد يقترح شراء البنك المركزي هذه الأذون مقابل التخلي عن مبالغ التمويل، مع الحفاظ على حقوق البنوك في ما يتعلّق بنسب الفائدة بتاريخ عمليات الشراء المنجزة.

وأكد أيوب أن البنك المركزي سيوظف على الدولة نسبة فائدة بـ1% على كل أذون الخزينة التي يقتنيها من البنوك التجارية، وهو ما سينتج عنه تراجع في خدمة الدين الموظفة على عمليات الاقتراض الداخلي.
في الأثناء، قال الخبير المالي إن البنك المركزي سيبقى المسؤول بموجب مشروع القانون عن التصرف في السياسات المالية.
وتابع: "توظف البنوك حاليا بموجب قانون 2016 ريعا على الإقراض الداخلي للدولة في إطار خطة سنوية لتمويل الموازنة تضعها وزارة المالية ".
واعتبر أيوب أن مشروع القانون الجديد سيعالج عيبا جوهريا في سياسة الاقتراض الداخلي تسببت في تضخم كتلة الدين الداخلي.
ولا يتوقع أن ينتج عن التمويل المباشر للخزينة من قبل البنك المركزي امتصاص للسيولة المالية، معتبرا أن تمويلات المصارف الداخلية ستوجه لتمويل الاستثمار، وهو الدور الأساسي للبنوك، وفق قوله.
ويرجح الباحث لدى مركز الدراسات "مالكوم كارنيغي" حمزة المؤدب أن يتحول طلب التمويل المباشر من إجراء استثنائي إلى إجراء دائم تلجأ إليه الحكومة بصفة دورية سنويا بعد إقرار مشروع تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي.
وقال المؤدب إن القانون الحالي للبنك المركزي كان يضع حواجز أمام التمويل المباشر للميزانية، ما يساعد على كبح التضخم وإبقاء السلطة المطلقة للمركزي في إدارة السياسة المالية.
واعتبر أن مؤشرات عديدة تؤكد أن السلطات تتجه نحو الحد من هذه الاستقلالية أو إنهائها لصالح خطتها في تمويل الموازنة، ما قد يؤدي إلى انهيار سعر صرف الدينار في وقت وجيز.
وحذر المؤدب من تداعيات غير مدروسة للمساس باستقلالية البنك المركزي وما سينجر عنها من انفلات التضخم.
وتتوقع سلطات تونس اقتراض ما يزيد عن 21 مليار دينار (سبعة مليارات دولار) من السوق الداخلية لتمويل موازنة 2025، وفق ما ورد في مشروع قانون المالية الذي شرع البرلمان في مناقشته.

المساهمون