تتلقى السياحة في تونس ضربة جديدة تضاعف متاعبها الناجمة عن قيود الغلق المترتبة على جائحة فيروس كورونا خلال العامين الماضيين، إذ تتسبب الحرب الروسية في أوكرانيا في تصاعد المخاوف من فقدان تونس ثاني أكبر مصدر للزائرين، ما يدعوها إلى البحث عن بدائل في أسواق أخرى، لإنقاذ القطاع الحيوي الذي يواجه أوقاتاً عصيبة.
ولطالما كان الروس والأوكرانيون الأكثر توافداً على تونس، حتى في زمن الاضطرابات السياسية والأمنية، بينما كانت الأسواق الأوروبية تضع تونس حينها على قائمة الوجهات غير المنصوح بها.
ويخشى مهنيو السياحة والعاملون في القطاع من خسارة تونس لسوق تقدّر بنحو مليون سائح هذا العام، بسبب الحرب وفرض أوروبا عقوبات على روسيا تقيّد حركة مواطنيها في اتجاه وجهاتهم السياحية، بما في ذلك تونس.
وتُعد السوق الروسية ثاني أكبر مصدر للسياحة في تونس، حيث سجل البلد الواقع في شمال أفريقيا زيارة 630 ألف سائح روسي في عام ما قبل جائحة كورونا 2019، ونحو 330 ألف سائح أوكراني، ما يعادل نحو 10.1% من مجموع السياح في ذلك العام البالغ عددهم نحو 9.5 ملايين زائر، ما أنعش القطاع وأرفد البلد بحوالي 5 مليارات دينار (1.8 مليار دولار).
يقول لطفي الكبير، وهو صاحب وكالة أسفار تعمل على السوق الروسية، إن العقوبات الغربية على روسيا ستكون لها انعكاسات سلبية على حركة الأشخاص والأموال، مشيرا إلى أن وكلاء السياحة الروس والأوكرانيين يسيّرون جزءا هاما من رحلاتهم عبر رحلات جوية غير منتظمة لشركات النقل الجوي الأوروبية أو الروسية، وبالتالي فإن العقوبات ستؤثر على ذلك، ما يتطلب دعما للناقلة التونسية حتى تؤمّن رحلات مباشرة إلى روسيا.
وأضاف الكبير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لابد من تحركات حكومية سريعة من شأنها تذليل صعوبات جذب السياح الروس والتعاملات المالية معهم، خاصة أن العقوبات الغربية ستتسبب في شح الموارد المالية، فضلا عن تراجع قيمة الروبل الروسي وارتفاع أسعار تذاكر السفر، وهي عوامل سترفع بشكل كبير من تكلفة سفر السائح الروسي.
وتابع أن التحرك الدبلوماسي الرسمي يمكن أن يكون له دور في الحد من تداعيات الحرب على صناعة السياحة، عبر تكثيف الحضور التونسي في السوق الروسية ومواصلة التفاوض بشأن الاتفاقات مع كبار مسيري الرحلات، معتبراً أن الموقف السياسي يمكن أن يكون حاسما في هذه الفترة.
ورغم تقييد السفر ووقوع تونس تحت موجة وباء عالية صيف 2021، استقبلت البلاد نحو 90 ألف سائح روسي وسياحا من بولونيا وتشيكيا خلال الموسم السياحي الماضي، ما ساعد على زيادة نسبة الوافدين بنحو 23% مقارنة بعام 2020، وفق بيانات رسمية لوزارة السياحة.
كما سجلت إيرادات القطاع ارتفاعا بنسبة 13% السنة الماضية مقارنة بالسنة التي سبقتها، وارتفع عدد الليالي المقضاة في النزل (الفنادق) والمنتجعات السياحية بنسبة 36%.
ووفق تصريحات لوزير السياحة معز بلحسين، أخيراً، فإن الوزارة شكلت خلية أزمة لمتابعة الأوضاع والعمل على استعادة السوق السياحية الروسية، مؤكدا استمرار التواصل مع الشركاء في السوقين الروسية والأوكرانية. لكنّه أقر بأن الحرب ستكون لها تداعيات مباشرة وغير مباشرة على واقع السياحة في تونس.
ولم تكن تأثيرات الحرب مقتصرة على الوافدين من السوقين الروسية والأوكرانية فقط، وإنما امتدت إلى القادمين من بلدان أوروبا الشرقية، وفق عضو الجامعة التونسية للنزل جلال الهنشيري، مشيرا إلى أن الجامعة (الجمعية) سجلت ظهور تداعيات للأزمة في أسواق هذه الدول أيضا، مشيرا إلى أن وجود تراجع في تدفق السياح البولنديين خلال الأسابيع الأخيرة بسبب الحرب واضطراب حركة النقل الجوي.
وقال الهنشيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة ستطاول حتما أسواق أوروبا الشرقية، غير أنه رجح استمرار تدفق السياح من باقي الأسواق الأوروبية الغربية، بعد رفع كل قيود السفر على مواطنيها وإعلان تونس منطقة خضراء بعد التعافي من كورونا.
كانت وزارة السياحة قد بدأت قبل الأزمة الروسية الأوكرانية خطة عمل لما بعد جائحة كورونا، تتضمن تنشيط الأسواق الخارجية، فضلا عن تشجيع السياحة الداخلية لتصبح إحدى الركائز السياحية، وتنويع المنتج السياحي للاستجابة لمتطلبات الأسواق، في ظل تغيرات كبيرة لصناعة السفر بعد الجائحة.
وأطلق الديوان الوطني التونسي للسياحة مؤخرا حملة دعائية واتصالات جديدة بهدف الترويج للسياحة الداخلية تحت شعار "تونس ليك"، فيما تسعى التمثيليات الخارجية للديوان إلى عقد اتفاقات مع كبار وكلاء السياحة ومتعهدي الرحلات العالميين، من أجل ضمان حصة تونس من الأسواق الأوروبية والروسية للموسم الجديد.
وخلال سنة 2021، ارتفعت عائدات القطاع السياحي بنسبة 8% مقارنة مع النتائج المسجلة خلال 2020. بينما كانت السلطات تتوقع نمواً في العائدات بنحو 10%.
ويوم الاثنين الماضي، حذر البنك المركزي التونسي من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على النشاط الاقتصادي والتوازنات المالية في البلاد خلال العام الحالي، داعيا إلى "تشديد اليقظة واعتماد مقاربة استباقية للتخفيف من هذه التداعيات".