تونس: اختبار صعب للمقاطعة في موسم التخفيضات

08 فبراير 2024
وقفة سابقة ضد التطبيع في تونس (الأناضول)
+ الخط -

يضع نشطاء المقاطعة في تونس خطة تحركات جديدة تزامنا مع موسم التخفيضات واقتراب حلول شهر رمضان، لصد كل محاولات التأثير على المستهلكين عبر خفض الأسعار ومحاولة استعادة الماركات الداعمة للكيان المحتل لزبائنها.

وبداية فبراير/ شباط الحالي انطلق في تونس موسم التنزيلات الشتوي الذي يعد واحدا من مواسم التسوق الكبرى في البلاد، حيث يستفيد المواطنون من التخفيضات التي يقرها العديد من العلامات الناشطة أساسا في قطاعات النسيج والملابس والأحذية، ومن بينها علامات تجارية أظهرت دعمها للمحتل الإسرائيلي على غرار مجموعة "زارا".

وبهدف حماية مسار المقاطعة جدد نشطاء المقاطعة تحركاتهم الميدانية في المساحات التجارية الكبرى لتحفيز المواطنين على التمسك بمواقفهم الرافضة للماركات المدرجة ضمن قائمتهم السوداء. ويعتبر الناشط في حملات المقاطعة وائل نوار، أن التحركات الميدانية أمام المحلات وتوعية المستهلكين تساعد في الحفاظ على صلابة مسار المقاطعة الذي انطلق منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع بدء العدوان على غزة.

وقال نوار في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه يجب بذل مجهودات مضاعفة خلال هذه الفترة لإكساب حملات المقاطعة المزيد من الحصانة ضد التسهيلات التي تقدمها علامات تجارية داعمة للمحتل عبر خفض الأسعار في موسم التنزيلات أو تكثيف مبيعات مواد استهلاكية يقبل عليها التونسيون مع اقتراب شهر رمضان.

وأفاد الناشط بأن المساحات التجارية الكبرى تستفيد بشكل كبير من زيادة الاستهلاك في رمضان وهو ما يوجب قطع الطريق أمام محاولاتها لاستعادة عملائها الذين هجروها بسبب المقاطعة. وأضاف في سياق متصل: "تجب مكافحة هشاشة المقاطعة وتحويلها إلى سلوك دائم"، معتبرا أن مواسم التنزيلات هي اختبار مهم لقدرة المستهلكين على الصمود أمام تنزيل الأسعار ومختلف أشكال التسهيلات التي تقدمها العلامات التجارية.

وأكد نوّار أن النشطاء يواصلون تحركاتهم ميدانيا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ويكافحون التعوّد أو نسيان المجازر التي يرتكبها الاحتلال الغاشم بأموال داعميه من الماركات التجارية العالمية التي تسحب الأموال من جيوب المستهلكين في الدول العربية لشراء سلاح يقتل به الغزيّون.

وأضاف: "نستهدف حاليا ضمن روزنامة التحركات الميدانية محلات "كارفور" ومحلات الملابس التي تعمل تحت علامات التسمية الأصلية "الفرانشايز" وخاصة "زارا" وتوابعها.
وشهدت حملة مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني زخما واضحا في تونس منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في غزة حيث ينشط شباب تونسيون بالتنسيق مع "حركة مقاطعة الكيان الإسرائيلي" عبر أنشطة ميدانية أو وسائل التواصل الاجتماعي من أجل حث التونسيين على مقاطعة اقتصادية دائمة للكيان الصهيوني.

وتسعى مؤسسات عاملة في تونس تحت الامتياز التجاري (الفرانشايز) لشركات دولية تدعم الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، إلى تخفيف وطأة الدعوات لمقاطعة منتجاتها عبر المشاركة الواسعة في حملات التبرع لفائدة غزّة التي يشرف عليها الهلال الأحمر التونسي.
وخلال الأشهر الماضية، بادرت علامات على غرار "كارفور" و"دليس دانون" بإظهار كل أشكال دعمها للقضية الفلسطينية عبر بيانات أصدرتها على مواقعها الرسمية، أو عن طريق التبرعات المالية، حيث تستمر في تونس منذ 4 أشهر الدعوات إلى مقاطعة سلع ومحلات العلامات التي تصطف إلى جانب الكيان المحتل.

ويستغل العديد من المؤسسات التونسية علامات الامتياز التجاري لشركات دولية تنحاز لإسرائيل في حربها على غزة، ما يجعلها في مرمى المقاطعة رغم تأكيد إداراتها أنها أُنشئت برأس مال تونسي وتتمتع بالاستقلالية التامة في مواقفها وسياساتها التجارية والاتصالية.
ويشير رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي إلى أن صمود المقاطعة ضد إغراءات التنزيلات في موسم التخفيضات اختبار حقيقي لقياس التحولات في سلوك المواطنين، مؤكدا أن تثبيت هذا المسار يحتاج إلى مدة طويلة. وقال الرياحي في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه مقابل اشتغال منظمات المجتمع المدني والنشطاء على تحويل المقاطعة إلى سلوك دائم، تسعى الماركات المستهدفة إلى توفير كل التسهيلات لاستعادة حرفائها.
ويرى المتحدث أن المقاطعة في الأسواق التي يشكو مواطنوها من ضعف القدرة على الإنفاق غالبا ما تكون أكثر هشاشة.
وكذلك أفاد رئيس منظمة إرشاد المستهلك بأن قلّة البدائل للسلع التي تقدمها الشركات الداعمة للكيان المحتل تجبر أحيانا المستهلكين على التراجع عن المقاطعة لاسيما إذا تعلّق الأمر بمنتجات تتماشى والقدرة الشرائية للطبقات الضعيفة والمتوسطة.
ويرى الرياحي أن تثبيت المقاطعة على المدى الطويل يجب أن يتم عبر الدفع نحو التخلي عن علامات "الفرانشايز" واستبدالها نهائيا بمنتجات مصنعة محليا تتواكب مع المطالب الشعبية والرسمية لتونس التي تدعم القضية الفلسطينية منذ عقود.
وتابع رئيس منظمة إرشاد المستهلك: "لطالما استفادت هذه العلامات من الامتيازات التي يمنحها إياها القانون، إلا أنها لا تقدم أي إضافة للاقتصاد التونسي سوى استنزاف جيوب المواطنين ورصيد العملة". واعتبارا من عام 2016 منحت وزارة التجارة 20 رخصة امتياز أجنبية لمزاولة العمل في القطاعات المقيّدة شملت التوزيع والسياحة والتدريب المهني وبعض قطاعات الخدمة.
وتعتبر بعض الأطراف المهنية أن الترخيص للمستثمرين لاستغلال علامات عالمية له مزايا من ذلك مساهمتها في التشغيل، باعتبار أن المستثمر الذي سيستغل العلامة الأجنبية يقوم بفتح العديد من نقاط البيع وهو ما سيساهم في إحداث مواطن شغل جديدة.

كما تساعد على إحداث حراك تجاري جديد في البلاد وتنويع العرض والمنتجات باعتبار أن القانون التونسي يفرض على العلامات الأجنبية استعمال المنتجات المحلية، وهو ما يخلق ديناميكية في العديد من القطاعات الفلاحية وتحسين دخل المزارعين والمنتجين.

يستغل العديد من المؤسسات التونسية علامات الامتياز التجاري لشركات دولية تنحاز لإسرائيل في حربها على غزة، ما يجعلها في مرمى المقاطعة


ويشير رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، إلى أن مقاطعة السلع الأجنبية والعلامات الداعمة للكيان المحتل أصبحت مطلبا شعبيا تونسيا وسط زخم الدعم الجماهيري لغزة، مؤكدا أن الأسلحة الاقتصادية في الحروب من أشد أنواع الأسلحة تأثيرا على الدول. وتابع: "يتزايد هلع الشركات من سلاح المقاطعة لتأثيراته المباشرة على أرباحهم".

وشدد الرياحي على ضرورة الاستمرار في الالتزام بالمقاطعة والانتقال تدريجيا نحو ممارسات استهلاكية ترجح كفة المنتج المحلي.

وقال إن الإقبال على المساحات التجارية الكبرى سجّل تراجعا منذ انطلاق عمليات طوفان الأقصى، حيث أصبح المستهلكون أكثر إقبالا على محلات تجارة التجزئة والبقالات داخل الأحياء. ويرى المتحدث أن في ذلك منافع عديدة بالإضافة إلى المقاطعة وأهمها التوفير الأسري بتجنّب نسبة الربح التي تفرضها المساحات التجارية على السلع والتي تصل إلى 35 بالمائة أحيانا.

وفي العام 2017، قال معهد الاستهلاك الحكومي في دراسة له إن العروض بالمساحات التجارية الكبرى لها تأثير على نسق الاستهلاك، وتزيد من نفقات التونسيين بحوالي 20 بالمائة.
في المقابل، تغيب الأرقام الرسمية عن الحسابات المالية وأرباح الفضاءات التجارية والشركات الداعمة للمحتل، باعتبار أنها غير مدرجة في البورصة.

وتصل الحركية التجارية في تونس إلى ذروتها في فترة التنزيلات وشهر رمضان اللذين يعدان من أبرز المواسم الاستهلاكية.

ويسجّل موسم التخفيضات مشاركة واسعة للمحلات التي تعرض سلعا محلية، حيث يزيد عدد التجار المنخرطين في التظاهرة عن 1900 تاجر وهو ما يساعد على تنويع العرض وإيجاد بدائل لسلع الماركات المشمولة بالمقاطعة.

المساهمون