تونس: أزمة أسمدة تهدد موسم حبوب واعداً

14 فبراير 2021
مزارع تونسي يحمل قمحاً في موسم حصاد سابق (فرانس برس)
+ الخط -

بين مقر اتحاد الزراعة في محافظة باجة (شمال غرب تونس) ونقاط بيع الأسمدة المدعومة حكومياً، يقطع المزارع عدنان الماكني عشرات الكيلومترات يومياً بحثاً عن إجابة عن موعد وصول الكميات التي تشهد نقصاً حادّاً منذ بضعة أسابيع، فيما تقاوم زراعات القمح والشعير لاستكمال النمو في ظل غياب الكميات المطلوبة.

وتشهد تونس نقصاً في مادتي "دي أي بي" والأمونيتر (نترات الأمنيوم)، وهما نوعان رئيسيان من الأسمدة اللازمة لنمو المحاصيل المختلفة، لا سيما الحبوب. ويقول الماكني لـ"العربي الجديد" إنه يرفض أن يقع فريسة لشبكات السماسرة الذين يضاربون في أسعار الأسمدة وأضحوا يحكمون قبضتهم على السوق.

وتحتاج الحبوب، بحسب المزارع التونسي، إلى التسميد في مناسبتين من أجل المحافظة على المحاصيل وتحسين جودة الحبوب في كل من ديسمبر/ كانون الأول وفبراير/ شباط، معتبراً أن هذه المواد حيوية للزراعات ولا يمكن الاستغناء عنها، ومشيراً إلى أن الأسبوعين المقبلين سيحددان مصير الموسم الزراعي.

ووفق الماكني يحتاج هكتار الحبوب (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع) إلى ما بين 3.5 و4 قناطير من الأمونيتر، لافتاً إلى أن سعر القنطار المدعوم يبلغ نحو 50 ديناراً (18.2 دولاراً)، بينما يباع في السوق السوداء بـ 60 ديناراً، بزيادة تبلغ نسبتها 20%، كما يباع قنطار مادة "دي أي بي" بنحو 75 ديناراً بدلاً من السعر الرسمي البالغ 62 ديناراً.

لم يهنأ المزارعون هذا العام بوفرة الأمطار وانقشاع شبح الجفاف الذي اجتاح البلاد العام الماضي، إذ أطلت أزمة الأسمدة لتحد من آمالهم بتحقيق موسم وفير للحبوب هذا العام.

وينظم المزارعون في مناطق زراعة الحبوب وقفات احتجاجية يومياً أمام مقار السلطات الجهوية (المحلية) في الفترة الأخيرة، مطالبين بضخ الكميات اللازمة من الأسمدة في الأسواق وملاحقة المضاربين والمحتكرين الذين أشعلوا الأسعار.

وتحتاج الزراعات التي تمتد إلى قرابة مليون و250 ألف هكتار، وفق وزارة الفلاحة، إلى قرابة 200 ألف طن من مادة الأمونيتر سنوياً، فيما تشير مصادر رسمية إلى أن أزمة تراجع إنتاج الفوسفات في السنوات الأخيرة أثرت بشكل سلبي على توفير الأسمدة في البلاد.

ويدفع القطاع الزراعي ثمناً باهظاً لتهاوي منظومة صناعة الأسمدة ومشتقات الفوسفات التي يوفرها المجمع الكيميائي التونسي من مستخرجات الفوسفات، حيث يؤمن المجمع منذ عقود ماضية الكميات اللازمة للسوق المحلية والتصدير، غير أن تراجع الإنتاج اضطر المجمع إلى الاستيراد من الجزائر وتركيا.

وبسبب الاحتجاجات والإضرابات المتواصلة منذ عام 2011 وتعطل الإنتاج خرجت تونس تدريجياً من نادي كبار مصدري الفوسفات ومشتقاته لتتحول من بلد مصدر إلى بلد مستورد منذ عام 2020، إذ شهدت البلاد رسو أول باخرة من الفوسفات المستورد في إبريل/ نسيان من ذلك العام.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي قالت وزارة الفلاحة إنه تم الاتفاق مع المجمع الكيميائي بدعم من وزارة المالية على استيراد 60 ألف طن من الأمونيتر على ثلاث دفعات بداية من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى جانب مادة الـ"دي اي بي" التي تشهد نقصاً بنحو 90 ألف طن.

وقالت الوزارة إنه سيجرى توزيع الأسمدة على مختلف مناطق إنتاج الزراعات الكبرى، كما ستواصل اللجنة الفنية المكلفة بمتابعة التوزيع العمل على تفادي كل أشكال الاحتكار وارتفاع الأسعار، مع تعهد الموزعين باحترام الأسعار ومد الوزارة بقائمة المنتفعين.

في المقابل يقول محمد رجايبية، عضو منظمة المزارعين المكلف بالزراعات الكبرى، إن الهياكل المهنية أخطرت في وقت مبكر من الموسم الزراعي السلطات بوجود أزمة أسمدة حادة قد تعصف بالموسم الزراعي، غير أنها لم تتحرك لتفادي الأزمة عبر الاستيراد مبكراً.

ويضيف رجايبية لـ"العربي الجديد" أن الفلاحين أضحوا ضحايا شبكات المضاربة وفوضى السوق، مشيراً إلى أنهم مجبرون على الخضوع لقوانين تجار السوق السوداء الذين فرضوا سطوتهم على الوضع الحالي، بينما لا بد من أن تتبع الحكومة إجراءات صارمة لتوزيع الدفعات الموردة وضمان حصص صغار الفلاحين.

وتظهر البيانات الرسمية تراجع إنتاج الفوسفات في تونس خلال العام الماضي بنسبة 44%، مسجلاً 3.1 ملايين طن، وذلك بسبب الاضطرابات والاعتصامات المتكررة التي تشهدها مناطق الإنتاج، فضلاً عن عدم التمكن من شحن سوى 2.3 مليون طن إلى معامل صنع الأسمدة، مقابل 3.2 ملايين طن في 2019.

المساهمون