توقعات متضاربة حول الإيجارات في بريطانيا بعد ارتفاعها الكبير

22 اغسطس 2023
الإيجارات في جميع أنحاء المملكة المتحدة تنمو بوتيرة أسرع من الأرباح (Getty)
+ الخط -

ارتفعت معدلات الإيجارات في بريطانيا إلى مستويات غير مسبوقة، مصحوبة بأكبر صعود سنوي منذ بدء السجلات لأول مرة قبل 8 سنوات، وسط توقعات متضاربة حيال اتجاهاتها المستقبلية من قبل خبراء هذا القطاع الحيوي. 

وكشف مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) عن بيانات تسلط الضوء على زيادة ملحوظة بنسبة 5.3% خلال الـ12 شهراً الماضية حتى يوليو/ تموز.

ولا يمثل هذا الارتفاع علامة فارقة فحسب، بل يؤكد أيضاً على التحولات الكبيرة في مشهد الإسكان في البلاد، منذ أن بدأ مكتب الإحصاء الوطني في رصد اتجاهات الإيجارات في عام 2016.

وسط هذه التطورات، تبدو قاتمة احتمالية أن تشهد معدلات الإيجارات انخفاضاً في المستقبل القريب. ويأتي ذلك في الوقت الذي تكافح الأسر لتحمّل عبء فواتير الطاقة المتصاعدة ونفقات الغذاء المرتفعة في خضم أزمة تكاليف المعيشة.

وسط هذا السيناريو، يجد المستأجرون أنفسهم في صراع مع ضغوط مالية، بغض النظر عما إذا كانوا يختارون الانتقال أو البقاء في مساكنهم الحالية.

ارتفاع ثابت في تكاليف الإيجارات البريطانية

وتؤكد بيانات حديثة من منصتَي العقارات "زوبلا" و"رايت موف" على هذا المأزق، وتكشف عن ارتفاع ثابت في تكاليف الإيجار.

فقد وجدت "زوبلا" أنّ الإيجارات في جميع أنحاء بريطانيا تنمو بوتيرة أسرع من الأرباح، وتشكل الآن أكثر من 28% من متوسط الأرباح قبل الضرائب. وهذا أعلى من متوسط 10 سنوات البالغ 27%.

بدورها، تُظهر أرقام من موقع "رايت موف" أنّ متوسط الإيجار في لندن ارتفع 16.1% العام الماضي، وهي أعلى قفزة سنوية على الإطلاق، حيث وصل متوسط التكاليف الشهرية إلى 2،343 جنيهاً إسترلينياً، ولا يزال في تصاعد.

وخارج لندن، ارتفعت الأسعار 11% العام الماضي، إلى 1162 جنيهاً إسترلينياً شهرياً في المتوسط. أما في الربع الثاني من 2023، فقد وصل متوسط الإيجارات المطلوبة في لندن إلى2567 جنيهاً إسترلينياً شهرياً، متجاوزاً 2500 جنيه إسترليني لأول مرة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

وما زاد هذه الأزمة أنه في السنوات الأخيرة، شهد نطاق القطاع الخاص المؤجر تغيرات كبيرة.

فقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يعيشون في مساكن مستأجرة خاصة في السنوات العشرين الماضية. وحالياً، تستخدم حوالي 4.6 ملايين أسرة القطاع الخاص المؤجر وهو ما يمثل 19% من جميع الأسر في إنكلترا.

وتعيش الآن مجموعة أكثر تنوعاً من الأسر، بما في ذلك العائلات التي لديها أطفال بفضل هذا القطاع الذي يوفر بالنسبة للكثيرين، إقامة طويلة الأجل، بحسب الموقع الإلكتروني للبرلمان البريطاني.

المستأجرون من القطاع الخاص ينفقون حوالي ثلث دخل أسرتهم على الإيجار

ومع نمو الإيجارات بأسرع معدل سنوي منذ أكثر من عقد، يواجه المستأجرون أسعاراً قياسية، ويتكبدون تكاليف إسكان تفوق قدرة مداخيلهم.

كذلك، وجد "مسح الإسكان الإنكليزي" أنّ المستأجرين من القطاع الخاص ينفقون حوالي ثلث دخل أسرتهم على الإيجار، وهذا أعلى بنسبة 10% من النسبة التي يدفعها المالكون.

من جهته، أفاد المعهد الملكي للمساحين المعتمدين (RICS) في مسح السوق السكني في يوليو/ تموز 2023، بأنّ طلب المستأجر زاد خلال الأشهر الثلاثة حتى يوليو/ تموز المنصرم، وهو أقوى ارتفاع فصلي منذ بداية عام 2022.

ومع ارتفاع الطلب وتضاؤل العرض، أشار إلى أنه من المتوقع أن ترتفع أسعار الإيجارات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

ووفقاً لمكتب الإحصاء الوطني، من المرجح أن يواجه المستأجرون صعوبات مالية أكثر بخمس مرات من الأشخاص الذين يمتلكون منازلهم الخاصة.

المتوقع أن ترتفع أسعار الإيجارات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة

واعتباراً من مايو/ أيار 2023، أخبر حوالي 4 من كل 10 مستأجرين، الإحصائيين بأنه من الصعب تحمل مدفوعات الإيجار، بينما قال ما يقرب من نصف المستأجرين ودافعي الرهن العقاري، إنهم شهدوا زيادة في مدفوعاتهم في الأشهر الستة الماضية.

ولم يتوان مستأجرون عن التحدث عن معاناتهم في سداد نفقاتهم، في ظل الارتفاع المستمر للإيجارات وخصوصاً الشباب من خريجي الجامعات الحديثين.

في السياق، تقول تامسين (25 عاماً) لـ"العربي الجديد"، إنها رغبت بالانتقال للسكن وحدها عقب تخرجها من الجامعة وحصولها على وظيفة. لكنها صُدمت بأسعار الإيجار المرتفعة، وهذا السوق الذي تحول إلى ما يشبه المزاد.

وتوضح أنها عندما تذهب لمعاينة الشقة، يبلغها موظف شركة العقارات بأنّ الإيجار الشهري يبلغ 1400 جنيه إسترليني على سبيل المثال، وستحظى بها في حال قدمت العرض الأفضل.

وتتابع أن "هناك ما يزيد عن 20 شخصاً تقريباً يحاولون الظفر بالشقة، وكل منهم يرفع السعر قليلا وفق ما يناسبه. لذلك، أعدت حساباتي وأيقنت بأنني سأنفق ما يزيد عن نصف أجري الشهري على الإيجار وحده، كما علي دفع المواصلات والطعام وغيره، ما يعني أنني بعد فترة وجيزة سأغرق في الديون. فتراجعت عن الفكرة وقررت البقاء في منزل والدتي، التي تعاني بدورها من ارتفاع فائدة الرهن العقاري. وفكرت في مساعدتها في دفعه ريثما تتبدل الظروف".

تزايد عودة الشباب البريطانيين إلى منازل أهاليهم

وتلفت تامسين التي تشعر بالإحراج لبقائها في منزل والدتها رغم تجاوزها العشرين من العمر، إلى أن أعداد الشباب الذين راحوا يلتزمون سكن أهاليهم في ازدياد هذه الأيام، بينما كانوا قبل سنوات يغادرون حتى قبل استلام وظيفة بدوام كامل، وبمجرد بلوغهم الثامنة عشرة. 

بدوره، يقول داينوفسكي (22 عاماً)، خريج جامعي حديث وموظف بدوام كامل، لـ"العربي الجديد"، إنه يقيم في غرفة في منزل مشترك في لندن وقد تخلى عن فكرة السكن في شقة وحده بعد أن بحث في المنطقة وضواحيها عن سكن متواضع، بأمل الاستقلالية مع صديقته. لكنه وجد أن أسعار الإيجارات تفوق قدراته المادية، وأنه في حال أقدم على هذه الخطوة سينفق معظم مرتبه وسيفشل في جمع المال لشراء منزله الخاص بعد بضع سنوات.

ووفقاً لـ"رايت موف"، فإنّ الطلب على العقارات المؤجرة مستمر في الارتفاع، مع زيادة ملحوظة بنسبة 4% في استفسارات المستأجرين على المنصة في إبريل/ نيسان 2023، مقارنة بالعام السابق. ومن اللافت للانتباه أن هذا الرقم أيضاً أعلى بنسبة 48% من مستويات ما قبل جائحة كورونا عام 2019. وبالتالي، أدت حدة المنافسة على أماكن الإقامة المؤجرة إلى زيادة الإيجارات.

وتبرز عواقب استمرار مسار ارتفاع الإيجارات بشكل متزايد، حيث تظهر أحدث البيانات الصادرة عن وزارة العدل، واقعاً مؤلماً مع تزايد عدد المستأجرين الذين يواجهون الإخلاء على أيدي أصحاب العقارات. وعلى وجه التحديد، كانت هناك زيادة مقلقة بنسبة تزيد عن 40% في عمليات الإخلاء من دون خطأ منذ عام 2022.

وبغية التخفيف على المستأجرين، تدخلت الحكومة لتقليص ارتفاع أسعار الإيجارات، واختارت زيادة بنسبة 7% بدلاً من 11.1% المتوقعة في البداية.

كما أدلى وزير المالية جيريمي هانت، بعد رفض الخيارات البديلة بزيادة الإيجارات بنسبة 3% أو 5%، بإعلان هام في بيان الخريف. وشدد على أهمية هذا الإجراء، مسلطاً الضوء على قدرته على توفير مدخرات سنوية كبيرة للمستأجرين تصل إلى 200 جنيه إسترليني.

إلى ذلك، ترسم توقعات الخبراء صورة مقلقة لمشهد الإيجارات، حيث يتوقعون مساراً مستمراً لارتفاع الإيجارات مع القليل من المؤشرات على تحديات العرض التي تتم معالجتها بفعالية.

ويكشف المسح السكني الذي أجراه "المعهد الملكي للمساحين القانونيين" في يوليو/ تموز، عن ارتفاع ملحوظ في طلب المستأجرين مقابل سيناريو متباين من جانب العرض.

وقد أظهر الاستطلاع انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 6% في عدد المؤجرين الذين يعرضون عقارات للإيجار. هذا التنافر بين الطلب المتزايد وتضاؤل العرض يخلق اختلالاً مستمراً، مما يساهم على الأرجح في التصعيد المستمر لأسعار الإيجارات.

في السياق، يؤكد ريتشارد دونيل، المدير التنفيذي لشركة زوبلا، وفق ما تنقل عنه الشركة، على وجود اتجاه مثير للقلق في توافر المنازل المؤجرة في جميع أنحاء المملكة المتحدة. ويشير إلى أنّ المعروض من العقارات المؤجرة لا يزال أقل بشكل ملحوظ بين 20% إلى 40%، مقارنة بمستويات ما قبل الوباء في غالبية المناطق.

ويشدد على التفاوت المزمن بين العرض والطلب باعتباره القوة الدافعة وراء تصاعد الإيجارات. مع ذلك، يتوقع أن الضغط المتزايد على القدرة على تحمل التكاليف، قد يخفف في نهاية المطاف من النمو السريع لأسعار الإيجارات، مما قد يؤدي إلى انخفاض وتيرة نمو الإيجارات مع بداية عام 2024.

المساهمون