تهديدات سعيّد تصدم رجال أعمال تونس: "شيطنة المستثمرين"

30 يوليو 2021
تراجع حاد في الاستثمارات بسبب كورونا والتوترات (الأناضول)
+ الخط -

حوّل الرئيس التونسي قيس سعيّد دفته، ليل الأربعاء، نحو عالم المال والأعمال بدعوة مئات المتعاملين الاقتصاديين إلى عقد صلح جبائي مع الدولة يسمح باستعادة أموال استفادوا منها دون وجه حق خلال العقود الماضية، ليعيد بقراره ملف المصالحة مع رجال الأعمال إلى دائرة الضوء بعدما كادت صفحة المصالحة الاقتصادية تُطوى في البلاد.
وقال سعيّد، إنه سيصدر مرسوما لاستعادة 13 مليار دينار (4.6 مليارات دولار) من الأموال المنهوبة في إطار صلح جزائي سيبرم بين الدولة ورجال الأعمال الذين تمتعوا بامتيازات غير قانونية واستفادوا من نفوذهم خلال عقود.
في المقابل، شكك عدد من الخبراء ورجال الأعمال في رقم الأموال المنهوبة الذي تحدث عنه الرئيس التونسي، كما طالبوا بوقف ما أسموه بـ"شيطنة المستثمرين" باعتبار أن ذلك يساهم في تشويه مجتمع المال والأعمال بالكامل، وهو ما يؤثر سلبا على مناخ الاستثمار.

الرئيس التونسي يقدر حجم الأموال المنهوبة بنحو 4.6 مليارات دولار، وخبراء اقتصاد يشككون في الرقم

وكان قيس سعيّد قد أكد في لقاء جمعه برئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال)، سمير ماجول، أنه يملك قوائم بأسماء رجال الأعمال الذين استفادوا من امتيازات وسيكونون مطالبين بإبرام صلح جزائي مع الدولة، مطالبا إياهم بقبول الصلح لتجنّب المحاكم والسجون، لكنه قال أيضا إن لا نية لديه لملاحقة رجال الأعمال أو التشفي منهم واصفا الجزء الأكبر منهم بالوطنيين.

واستند سعيّد في تحديد مبلغ الأموال التي قال إن رجال أعمال نهبوها وانتفعوا بها، إلى تقرير أصدرته لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد عقب الثورة عام 2011.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لكن الخبير الاقتصادي والعضو السابق للجنة تقصي الحقائق، عز الدين سعيدان، قال إن لجنة تقصي الحقائق لم تحدد قائمة لرجال الأعمال المتهمين بالفساد، غير أنه تمت إحالة 463 ملفا إلى القضاء من بينها ملفات تتعلّق بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته.
وأضاف سعيدان في تصريح لـ"العربي الجديد" أن لجنة تقصي الحقائق درست عام 2011 نحو 10 آلاف ملف تعلقت بقضايا فساد وإثراء بطرق غير شرعية، وأحالت 463 منها إلى دوائر قضائية، مشيرا إلى أن القضاء بتّ في القضايا المتعلقة ببن علي وعائلته، غير أنه لم يكشف عن مصير باقي الملفات التي تعلقت بعدد من رجال الأعمال.

لجنة تقصي الحقائق درست عام 2011 نحو 10 آلاف ملف تعلقت بقضايا فساد وإثراء بطرق غير شرعية، وأحالت 463 منها إلى دوائر قضائية

ووفق الخبير الاقتصادي والعضو السابق للجنة تقصي الحقائق فإنه يتعيّن نشر التقرير في واقعه الجديد، مشيرا إلى أن العديد من رجال الأعمال ممن أدرجوا في القائمة حينها من بينهم من أبرم صلحا مع الدولة ومنهم من توفي.
وأشار سعيدان إلى أن قرار سعيّد بإعادة فتح الملفات سيعطي نفسا جديدا في التعامل، مؤكدا أن مبلغ 13.5 مليار دينار (الدولار = نحو 2.8 دينار) هو تقييم لحجم الأموال التي تحصّل عليها رجال الأعمال دون وجه حق بسبب الفساد أو الرشوة أو المحاباة.
واعتبر أن المصالحة الجزائية التي اقترحها رئيس الجمهورية هي الحل الأمثل للمحافظة على النسيج الاقتصادي والمؤسسات وأخذ القضاء لمجراه شرط تحيين (تحديث) الملفات.

وفي شهر مايو/ أيار 2017، تظاهر التونسيون، احتجاجاً على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، بعدما قدّمته الرئاسة إلى البرلمان لإقراره.
ورفع المتظاهرون حينها شعار "مانيش مسامح" (لن أسامح)، مطالبين بإسقاط مشروع القانون الذي يهدف إلى المصالحة مع مسؤولين ورجال أعمال متهمين بالفساد.
وتضمن مشروع قانون المصالحة في قضايا اقتصادية مع مسؤولين ورجال أعمال من عهد الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وسط موجة رفض قوي من أحزاب ومنظمات.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لكن سعيّد اقترح في مشروعه الجديد ترتيب رجال الأعمال ترتيبا تنازليا من الأكثر تورطا إلى الأقل تورطا، ثم يتم إبرام عقود معهم في إطار صلح جزائي، وذلك بإنجاز مشاريع في الجهات المحرومة.
من جهته، شدد عضو المعهد العربي لرؤساء المؤسسات والمتعامل الاقتصادي، نافع النيفر، على أن مناخ الأعمال يحتاج إلى الطمأنة أكثر من أي وقت مضى، مشددا على ضرورة أن تبعث السلطة الحاكمة برسائل إيجابية لمستثمري الداخل والخارج مع مواصلة مراقبة تطور مؤشرات "الهلع" التي قد تتسبب في هجرة جماعية لرأس المال.
وقال النيفر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن عوامل الإرباك يمكن أن تتسبب في إخراج الشركات المقيمة لاستثماراتها من البلاد دون المرور عبر البنك المركزي وفقا للقانون التونسي، معتبرا أن مخاطر عالية تحدق بمناخ الأعمال ومنها فقدان ثقة المزودين والممولين.
واعتبر عضو المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، أن أهم رسالة طمأنة يمكن أن يصدرها الرئيس التونسي في الوقت الحالي هي الإعلان عن تشكيل حكومة تكون قادرة على إخراج البلاد من أزمتها المالية وتجاوز المرحلة الصعبة بأخف الأضرار.
وأضاف أن مناخ الأعمال عانى طويلا من الارتباك السياسي في البلاد، مشددا على ضرورة تجاوز كل السقطات الماضية والاحتكام للقانون.

وقبيل مخاطبة سعيّد لرجال الأعمال وإعلان خطة الصلح الجبائي مع من تعلقت بهم شبهات فساد، طالب المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (منظمة غير حكومية) في بيان له، بضرورة اليقظة واتخاذ الإجراءات اللازمة عند الحاجة، لتجنب بروز ظواهر الريبة والشك في الاقتصاد التونسي.
ووفق المعهد، فإن هذه الظواهر يمكن أن تتمثل في الزيادة المفرطة لعمليات سحب مبالغ مالية مهمة من البنوك، وتراجع قيمة السندات والأسهم المدرجة في البورصة وحجم التعاملات على السوق النقدية، وانخفاض قيمة العملة.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، محمد منصف الشريف، أن سعيّد بعث برسائل مشفرة إلى رجال الأعمال محملا رئيس اتحاد الصناعة والتجارة تبليغها إلى منظوريه.
وأفاد الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن من بين هذه الرسائل تكليف المنظمة ورئيسها بإيجاد تسويات سريعة مع رجال الأعمال وتقدمهم طوعا للصلح الجبائي من أجل ضخ أموال في خزينة الدولة التي تعاني ضغوطا شديدة.
وأكد الخبير الاقتصادي في سياق متصل أن المبلغ الذي يطالب به سعيّد المقدر بـ13.5 مليار دينار مبالغ فيه، لكنه أضاف أن الصلح الجبائي مع رجال الأعمال يمكن أن يوفر للدولة نحو 20 بالمائة من التقديرات التي تحدث عنها الرئيس التونسي.
واعتبر أن الأموال التي يمكن تحصيلها من الصلح الجبائي ستعوّض نفقات الاستثمار التي ترصدها الدولة في قانون الموازنة والتي توجه للمشاريع العمومية، وهو ما يمكن من تخفيف ضغوط المالية العمومية ويحسّن موقف تونس لدى صندوق النقد الدولي والشركاء الماليين والمستثمرين الأجانب ممن يبدون مخاوف من ارتفاع منسوب الفساد الإداري والمالي في تونس.

سجل الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعا بنسبة 31.9% خلال الربع الأول من العام الحالي حيث بلغ 341.9 مليون دينار مقارنة بـ501.7 مليون دينار في الفترة نفسها من 2020

وتساهم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس سنويا في إحداث حوالي 25 بالمائة من فرص العمل الجديدة، وهو ما يدعم بشكل كبير المجهود المحلي للتنمية لكل مؤشرات الاستثمار.
ووفق بيانات أصدرتها وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية (حكومية)، سجل الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعا بنسبة 31.9 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي حيث بلغ 341.9 مليون دينار مقارنة بـ501.7 مليون دينار في الفترة نفسها من 2020.

كما تراجع حجم الاستثمار في قطاع الطاقة بـ15.5 في المائة، حيث بلغ 143.6 مليون دينار مقابل 169.8 مليون دينار في نفس الفترة، بحسب الوكالة.
وحوّلت كثرة الإضرابات السياسية والاجتماعية تونس إلى بلد طارد للمستثمرين بحسب المتعاملين الاقتصاديين الذين طالبوا بزيادة الضمانات الحكومية لتحسين مناخ الأعمال في البلاد ووقف نزيف "شيطنة" رجال الأعمال وتأليب الرأي العام ضدهم.

وعقب إعلان سعيّد عن قرار مشروع الصلح الجبائي، تداول نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي قوائم تضمنت أسماء لرجال أعمال ومجموعات اقتصادية كبرى حصلت على قروض كبيرة من البنوك التونسية. وطالب النشطاء سعيّد باستعادة ما وصفه الرئيس بـ"أموال الشعب" وإعادتها لخزينة الدولة.
لكن الخبير المالي، أيمن الوسلاتي، يعتبر أن عملية استعادة الأموال مركبة ومعقدة ويجب أن تستند إلى القضاء ولا تتم بشكل "شعبوي"، مشيرا إلى أن تنقية مناخ الأعمال من الفاسدين أمر مستحسن.
في المقابل، قال الوسلاتي لـ"العربي الجديد" إنه لا يمكن الزج بكل المستثمرين في خانة واحدة، معتبرا أن القطاع الخاص المنظم في تونس يقوم بدور كبير في خلق الثورة وتوفير مواطن الشغل وهو ما يتطلب المحافظة عليه ودعمه.
وأضاف في سياق متصل أنه يمكن إيجاد حلول لصعوبات المالية العمومية وتوفير إيرادات إضافية للدولة، من خلال قرارات يتضمنها قانون المالية التكميلي أو قانون المالية لسنة 2022 بتوسعة قاعدة الضرائب وتحسين النظام الجبائي عموما بشكل عادل بين القطاعين الخاص والحكومي.

المساهمون