بات تهاوي الدينار الجزائري المتسارع يؤرق المستثمرين عموماً، بعدما أنهك جيوب الجزائريين من ذوي الدخل المتوسط والضعيف، لتتسع دائرة المتضررين من انزلاق العملة الجزائرية التي فقدت الكثير من بريقها أمام العملات الأجنبية، ما اضطر رجال الأعمال والمستثمرين لرفع دعوات للحكومة من أجل دعم الدينار لإحداث توازن بين كلفة الإنتاج وسعر البيع.
وتضاعفت فاتورة واردات المنتجين الجزائريين في السنوات الأخيرة، مقابل تقلص الكميات المستوردة من المواد الأولية، ما بات يضع المصانع الجزائرية في مختلف الصناعات في معادلة صعبة، بين امتصاص ارتفاع تكلفة الإنتاج والبيع بأسعار تنافسية في متناول قدرة الجزائريين الشرائية المترنحة.
في ولاية بلعباس، 400 كلم غرب العاصمة الجزائرية، بات استيراد المواد الأولية يؤرق مالك مصنع هيزا لصناعة الأدوية، عبد الحكيم حمادي، لطول وتعقد المسار الإداري الذي يسبق عملية استيراد المواد الأولية، خصوصاً طلب رخصة استيراد، يضاف إلى ذلك تهاوي الدينار المتسارع الذي بات يثقل كاهل مصنع هيزا في وقت تسعى السلطات الجزائرية لدفع الصناعة الوطنية.
وإلى ذلك، قال حمادي إنّ "في سنة 2020 وبقرار من الإدارة تم خفض قيمة الدينار بما يقترب من 20% مقارنة بقيمة اليورو والدولار، ما جعل المجتمع الجزائري لا يتحمل نتائج هذا القرار، ومع نهاية 2021 بات القسط الأكبر من الشعب الجزائري يعيش الحاجة وحتى يشرف على الفقر، ولذرّ الرماد في العيون فكرت الإدارة في 2022 في منحة بطالة للشباب بما مقداره 65 يورو شهرياً".
وأضاف: "وفي هذه الظروف، فإن المتعامل الاقتصادي الجزائري ومنذ 2020 يقاوم مرتين، مرة عند شراء المواد في الأسواق العالمية التي ارتفع سعرها ارتفاعاً مفرطاً ثم يقاوم مرة ثانية عند شراء العملة الصعبة من بنك الجزائر المركزي، لينتج أو ليعرض سلعة بسعر تنافسي على مستهلك لا حول له".
ويتساءل المستثمر الجزائري في حديث مع "العربي الجديد": "إذا كان تخفيض قيمة الدينار يراد به تخفيض الواردات وقيمتها، بعيداً جداً عن مستوى تلبية ضروريات الشعب، وإذا كان التخفيض في قيمة الدينار الجزائري يهدف إلى تحقيق توازن تجاري فكيف الحكم إذا كان هذا على عاتق الشعب المجمدة أفكاره المكبلة أطرافه والمنهكة مشاعره؟".
وسجل الدينار الجزائري في التعاملات الرسمية مساء الثلاثاء، 148.88 ديناراً للدولار الواحد لأول مرة في تاريخ العملة الجزائرية، و165.87 ديناراً لليورو الواحد. وبهذه الوتيرة، يرتقب الخبراء أن يتخطى الدولار عتبة 160 ديناراً جزائرياً قبل نهاية السنة، رغم الخطاب الرسمي المطمئن بعودة العافية للعملة التي تعيش أسوأ أيامها.
وترجع خسارة الدينار الجزائري إلى تبنّي البنك المركزي سياسة تعويم العملة عند الضرورة، إذ سبق أن فقد الدينار جزءاً كبيراً من قيمته في السنوات الماضية، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
سجل الدينار الجزائري في التعاملات الرسمية مساء الثلاثاء، 148.88 ديناراً للدولار الواحد لأول مرة في تاريخ العملة الجزائرية، و165.87 ديناراً لليورو الواحد
وعلى غرار قطاع صناعة الأدوية، يعاني المتعاملون في قطاع إنتاج الأجهزة الكهربائية والإلكترونية من نفس المشكلة، التي دفعتهم دفعاً نحو رفع الأسعار لتغطية تضاعف أسعار قطع الغيار في الأسواق الدولية من جهة، واتساع الفجوة بين الدينار والعملات العالمية، ما جعل فاتورة وارداتهم تقفز إلى مستويات لم تعد بمقدورهم تغطيتها مستقبلاً، في ظل ركود الأسواق الجزائرية وتراجع قدرة الجزائريين الشرائية.
وفي السياق، يرى عضو الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل (أكبر تكتل لرجال الأعمال)، عبد القادر شوكري، أنّ "مصانع إنتاج الأجهزة الكهربائية المنزلية والإلكترونية تعيش ضغطاً غير مسبوق، إذ إنّ فاتورة وارداتها ارتفعت بأكثر من الثلث مقارنة بسنة 2019، ارتفاع انعكس على الأسعار التي ارتفعت بأكثر من 25 بالمائة في الأسواق خاصة سنة 2021، ومطلع 2022. يقابل كلّ هذا ركود لافت للأسواق بسبب التضخم وما خلفه من تهاوٍ للقدرة الشرائية، هي معادلة صعبة فرضها تهاوي الدينار على المنتجين".
يضيف شوكري لـ"العربي الجديد"، أنّ "التكتل دعا الحكومة لوضع نظام صرف مزدوج أو على الأقل وضع امتياز في الصرف للمنتجين الذين يضيفون قيمة في الاقتصاد سواء بإنتاجهم الموجه للداخل أو للتصدير".