أعاد الاحتجاج الذي نظمه مئات الناشطين المنددين بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أمام مقر بنك باركليز في كناري وارف، أشهر منطقة للمال والأعمال في العاصمة البريطانية لندن، لفت الأنظار إلى الاتهامات التي طالما وجهتها منظمات دولية مناهضة للعنصرية والظلم، للعديد من المؤسسات المالية في المملكة المتحدة بتمويل شركات التسليح الإسرائيلية ومشروعات استثمارية تتم إقامتها في المستوطنات المحتلة.
في السابع من فبراير/ شباط الجاري، أغلق الناشطون المقر الرئيسي للبنك البريطاني الشهير، وطالبوا المارة بإغلاق حساباتهم المصرفية فيه، مؤكدين ضرورة "التوقف عن التعامل مع الفصل العنصري". ولا يبدو أن "باركليز" وحده متهم بالتورط في تمويل عمليات القتل الوحشية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بحق قطاع غزة، وكذلك اعتداءاته المتكررة على مناطق الضفة الغربية المحتلة.
وتطاول اتهامات تمويل شركات التسليح الإسرائيلية والاستثمار فيها، العديد من المؤسسات المالية الكبرى في المملكة المتحدة ومنها، بنوك "لويدز" و"رويال بنك أوف سكوتلاند" و"إتش إس بي سي" و"ستاندرد تشارترد" و"البنك التعاوني"، وفق تقرير صادر عام 2017 عن منظمة "الحرب على العوز" (War on Want)، التي تحارب أسباب الفقر العالمي وعدم المساواة والظلم، بعنوان "استثمارات قاتلة: تواطؤ بنوك المملكة المتحدة في جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني".
وتعدّ مقاطعة البنوك البريطانية فعالة للغاية، وفق محللين، فهي تخترق نسيج الوجود الاقتصادي ذاته، وتأثيرها يمتد للعديد من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتمويلات المصرفية، منها الرهون العقارية والسلع المشتراة للحياة اليومية.
يقول نيل ساموندز، أحد كبار الناشطين في منظمة "الحرب على العوز" في حديث مع "العربي الجديد"، إن المنظّمة وشركاءها، كشفوا عن الدور الكبير لبنك باركليز في دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والعنف المسلح ضد الفلسطينيين، من خلال بحوث عدة، عرضت تفاصيل مليارات الجنيهات الإسترلينية من الاستثمارات والقروض والخدمات المالية التي يقدمها البنك وغيره من المؤسسات المالية، للشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة المستخدمة في القمع العنيف وغير القانوني دائماً كما هو موثق بشكل شامل ضد الشعب الفلسطيني.
يضيف ساموندز أن مؤيدي "الحرب على العوز" احتجوا بالتعاون مع حملة التضامن مع فلسطين وحملة ضد تجارة الأسلحة، وآلاف الأشخاص الآخرين، أمام عشرات الفروع ببنك باركليز في الشوارع الرئيسية في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بينما يستمرّ البنك في التزام الصمت المطبق.
ويشير إلى أن هذه الاحتجاجات أصبحت الآن أكثر انتظاماً وأكبر حجماً، وأنّ الكثير من العملاء يتخلون عن حساباتهم لدى هذا البنك، نظراً لتمويله المتواصل للفصل العنصري وجرائم الحرب، وما يحدث اليوم من أعمال الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
ويؤكد ساموندز أنهم سيصدرون قريبًا، بحثاً محدثاً حول "إدامة بنك باركليز للعنف العنصري والتمييز". ويقول: "لقد دعم البنك العنصريين البيض في جنوب أفريقيا على حساب أغلبية السكان السود حتى أجبروا على التغيير بسبب الضغط العام... سنواصل ونصعّد حملاتنا ضد باركليز حتى يتوقف عن تمويل مثل هذه الانتهاكات الخطيرة وواسعة النطاق والممنهجة للقانون الدولي".
وكشف تقرير صادر عن منظمة "الحرب على العوز" في يوليو/تموز 2022 بعنوان "بنك باركليز: تسليح الفصل العنصري" أن البنك يمتلك حصصاً كبيرة ويقدم القروض والخدمات المالية لتسع شركات على الأقل، بما في ذلك شركة "إلبيت سيستمز" المعروفة بإنتاج الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية المباعة لإسرائيل. وبذلك يتواطأ البنك مع الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الفلسطينيين.
وقد أغلق أعضاء شبكة الاحتجاج "العمل الفلسطيني" مؤخراً، مدخل شركة "إلبيت سيستمز"، أثناء احتجاجهم، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "مورنينغ ستار" البريطانية. ذلك لأنّ الشركة تزوّد الجيش الإسرائيلي بطائرات من دون طيار وذخائر ومركبات قتالية وصواريخ وأسلحة أخرى، ويُستخدم الكثير منها في العدوان على الفلسطينيين. وبالتالي، صرّح متحدث باسم "العمل الفلسطيني" أنه "بينما تعمل شركات الأسلحة الإسرائيلية على عتبة بابنا، فإن الأمر متروك للشعب لاتخاذ إجراء مباشر لإغلاق شركة إلبيت".
ولا تقتصر لائحة التنديد على بنك باركليز، بل تطاول العديد من البنوك والمؤسسات المالية البريطانية، التي توفر الاستثمارات والقروض والخدمات المالية الأخرى للشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية المستخدمة في قتل الفلسطينيين.
واستهدف المحتجون كذلك خلال الأيام الماضية مكاتب بنك "أوف نيويورك ميلون" في مانشستر، شمال غربي المملكة المتحدة، بسبب دور البنك في دعم شركة "إلبيت سيستمز". واستثمر البنك ما يزيد عن 10 ملايين جنيه إسترليني (12.5 مليون دولار) في هذه الشركة.
وتأتي هذه الإجراءات في الوقت الذي يكثف فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي غاراته الجوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التي أصبحت رفح بعد الحرب التي شنتها إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على غزة، موطناً قسرياً للنازحين من جميع أنحاء القطاع، الذين وصل عددهم إلى أكثر من مليون شخص، يعيشون في ظروف إنسانية قاسية.
وفقاً لمنظمة "بروفاندو"، وهي مؤسسة بحثية مستقلة، يمتلك بنك باركليز أسهماً تفوق قيمتها 1.3 مليار جنيه إسترليني (1.63 مليار دولار) في شركات تزود إسرائيل بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، يوفر البنك حوالى 4 مليارات جنيه إسترليني في القروض والاكتتاب لهذه الشركات العاملة داخل دولة الاحتلال.
وأظهر تقرير نشره تحالف "لا تشترِ في الاحتلال" في ديسمبر/كانون الأول 2023 أن باركليز، هو سادس أكبر دائن في أوروبا للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
وخلال عامي 2022 و2023، كتب آلاف الأشخاص إلى بنك باركليز وطالبوه بإنهاء تواطئه مع إسرائيل، بيد أنه تجاهل جميع هذه النداءات. ولم يرد البنك على طلب "العربي الجديد" التعليق على هذه الاتهامات.
ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وجّهت منظمة "الحرب على العوز" رسالة من الجمعيات الخيرية البريطانية، إلى وزير الخارجية ديفيد كاميرون، تطالب بوقف عمليات نقل الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، حيث تستمر المملكة المتحدة في المتاجرة بالأسلحة مع إسرائيل وتحميها من المساءلة، وتستثمر الشركات في هذه الأسلحة وغيرها من التقنيات القمعية.
وعلى الرغم من القواعد واللوائح الصارمة للمملكة المتحدة بشأن تجارة الأسلحة مع الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي، تتيح الثغرات القانونية وغياب التدقيق، التصدير المنتظم للتكنولوجيا والأسلحة العسكرية من المملكة المتحدة إلى العديد من الأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم، مما يجعل حكومة المملكة المتحدة متواطئة مع الانتهاكات وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.
وكشف تقرير صادر عن منظمة "الحرب على العوز" في 2008، عن تواطؤ البنوك الكبرى مع المملكة المتحدة في تجارة الأسلحة. وعلى الرغم من المطالبة آنذاك بوضع قواعد تنظيمية تضمن منع البنوك من تسهيل جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن تجارة الأسلحة أو الاستفادة منها، لا تزال العديد من البنوك متواطئة حتى بعد مرور ما يزيد عن عقد من الزمن.
وأشار التقرير إلى أن الأشكال الجديدة من حرب التكنولوجيا الفائقة تجعل تجارة الأسلحة ليس فقط أكثر ربحية من أي وقت مضى، بل تسمح أيضًا للشركات التي لا تنتج الأسلحة بالتهرب من الكثير من التنظيم والتدقيق. والنتيجة هي صورة للتواطؤ الساحق للبنوك البريطانية الكبرى في القمع العسكري الإسرائيلي للفلسطينيين.
ولفت إلى أنه كثيراً ما يُنظر إلى البنوك على أنها كيانات عملاقة لا تتزعزع، بيد أنه من الممكن أن تتأثر بشكاوى عامة الناس، وخاصة عندما تكون سمعتها كمؤسسات "مسؤولة اجتماعياً" على المحكّ، مضيفاً أن الأمر متروك للشعب البريطاني لمحاسبة البنوك الكبرى في المملكة المتحدة على تواطئها في جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.