تضارب توقعات الطاقة 2050 بين "أوبك" و"وكالة الطاقة الدولية".. إليك التفاصيل

18 سبتمبر 2023
توقعت منظمة "أوبك" ارتفاع الطلب على النفط 23% بحلول العام 2045 (فرانس برس)
+ الخط -

أثار إعلان منظمة أوبك عن توقعات بارتفاع الطلب على النفط 23% بحلول العام 2045 تساؤلات بشأن نجاح خطط التحول العالمي شبه الكامل نحو الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، باعتباره جزءاً من هدف رئيسي لوكالة الطاقة الدولية، وهو تحقيق الحياد الكربوني (تصفير الانبعاثات الكربونية).

وحظيت تقنيات الطاقة المتجددة باهتمام دولي متصاعد خلال السنوات العشر الماضية، لا سيما بين أكبر القوى الاقتصادية في العالم، وسط منافسة شرسة بين أوروبا والولايات المتحدة والصين، وفق ما رصدته الوكالة الدولية، التي توقعت، في تقرير أصدرته في 19 مايو/أيار الماضي، حدوث طفرة قياسية في قدرة التصنيع المتصلة بتقنيات الطاقة النظيفة بحلول عام 2030، استنادًا إلى رصد المشروعات المحتملة حول العالم.

وترجح الوكالة زيادة الناتج الإجمالي لصناعة الطاقة الشمسية، من المشروعات الحالية والمعلنة، بنسبة 60% بحلول 2030، إذا تحولت الخطط المعلنة حديثًا إلى مشروعات تنفيذية حقيقية.

وحددت الوكالة 5 مجالات رائدة في إحداث طفرة بتقنيات الطاقة المتجددة، وهي: صناعة الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والبطاريات، والمضخات الحرارية، بالإضافة إلى صناعة المحللات الكهربائية لإنتاج الهيدروجين.

نمو الطلب

ويشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن توقعات أوبك بشأن استمرار الطلب على النفط حتى عام 2045 هي الأقرب إلى المنطق، لأسباب، على رأسها استمرار نمو الطلب بشكل مطّرد، بل وصوله إلى رقم قياسي في الشهر الجاري هو 103 ملايين برميل يوميا من النفط.

ويضيف الشوبكي أن هذا الطلب متزايد أيضا، على التوازي مع وجود استثمارات متزايدة في الطاقة المتجددة، لكن العالم لا يزال معتمدا بشكل كبير على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة، الذي تمثل نسبته 80% من مزيج الطاقة العالمية.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن التقديرات بشأن تحول الطاقة عام 2050 تستند إلى توقعات بتطور صناعة المركبات الكهربائية، وبالتالي الوصول في نهاية المطاف إلى عصر نهاية النفط، لكن تلك المركبات لا تزال تشكل 15% فقط من عموم المركبات المصنعة في العالم، و4% فقط من مركبات النقل.

ورغم خطط العديد من الشركات لإنهاء تصنيع المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري في العام 2030 وما بعده، إلا أن الواقع لا يؤشر إلى انتهاء وجود المركبات التي تعمل على هذا النوع من الوقود حتى الآن، بحسب الشوبكي. 

ويوضح الشوبكي أن النقل يمثل 65% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط، وبالتالي ما زال التحول الكامل نحو الطاقة المتجددة أو المركبات الكهربائية بعيداً، لأن البنية التحتية في الدول النامية ما زالت ضعيفة وتعتمد على المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري.

 ويشير أيضا إلى أن جميع الصناعات الآن تعتمد على مستخرجات نفطية، سواء في تصنيع اللدائن أو غيرها، ولذا لا توجد بدائل للنفط حتى حال تحول الطاقة، فاستمرار هذه الصناعات يعني استمرار الطلب على النفط.

تمنيات بيرول

وعن الذروة المتوقعة للطلب على النفط مستقبلا، يشير الشوبكي إلى أن رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، يقول إن تلك الذروة ستكون قبل عام 2030، واصفا ذلك بأنه أقرب إلى التمنيات منه إلى الواقع، مؤكدا أن ذروة الطلب على النفط ما زالت بعيدة، وأن نمو الطلب على النفط سيظل مستمرا حتى العام 2045.

لكن الشوبكي يشير إلى "نقطة تحول" محتملة لذروة الطلب على النفط العالمي، يبدأ بعدها الطلب في الثبات لسنوات، ثم يبدأ بعدها في التراجع خلال العقود الثلاثة القادمة، وهي التوصل إلى تقنيات تقلص الاعتماد على الوقود الأحفوري أو على النفط بشكل خاص.

وهنا يلفت الخبير الاقتصادي إلى أن الدول المنتجة للنفط تعي حقيقة أن هناك نقطة للوصول إلى ذروة الطلب على النفط في نهاية المطاف، لذا فهي تستعد من الآن بتقليص الاعتماد على إيرادات النفط كمورد رئيسي لموازناتها، وتنويع اقتصاداتها.

في موازاة ذلك، تحاول دول الخليج العربي أن تكون آخر من يقتسم كعكة النفط العالمية وتحرص على استمرار استثماراتها في هذا القطاع، ويتوقع الشوبكي أن يصب ذلك في مصلحة تلك الدول لأن الاستثمارات النفطية ستتقلص في دول أخرى، وسيكون الرابح هو من يملك أكبر حصة من النفط في العالم.

كما يتوقع الشوبكي أن ترتفع أسعار النفط كلما اقتربت خطط تحول الطاقة من اكتمال التنفيذ لأن عدد الدول المنتجة سيتقلص، وبالتالي فإن إنتاج النفط سيصبح محصورا بدول معينة هي التي تسيطر على الصناعة العالمية.

بقاء النفط

أما الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، فيشير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الانتقال العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة يجري تدريجيا وقد يستغرق 40 عاما على الأقل قبل الاستغناء عن الطاقة الأحفورية، متوقعا أن يستمر الطلب على النفط لنصف قرن قادم بحد أدنى.

ويسير هذا الانتقال على التوازي مع نمو الطلب على الطاقة المتجددة، لذا يتوقع إسماعيل أن يبقى النفط هو المصدر الرئيسي للطاقة في المستقبل المتوسط (من 25 إلى 35 عاما)، ولكن على المدى الطويل، أي ابتداء من عام 2070 وما بعده، فإن الطاقة المتجددة ستكون هي المصدر الأول للطاقة.

ويلفت إسماعيل إلى أن استثمار دول الخليج في القطاع الأحفوري لا يزال ذا أهمية لتلبية طلب العالم المتنامي على النفط والغاز رغم التقدم في مجال الطاقة النظيفة، والذي وهي الحالة التي تصب التوقعات الدولية في صالح استمرارها حتى نهاية القرن.

فرغم الاهتمام بالبيئة والمناخ لن يختفي الوقود الأحفوري حتى بحلول عام 2100، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن يمثل الوقود الأحفوري 75% من مزيج الطاقة بحلول عام 2050، وهو العام الذي سيصل فيه عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة.

إزاء ذلك، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة بنسبة 30% بحلول عام 2040، ولتوفير 100% من الطاقة النظيفة بحلول 2050 يحتاج العالم إلى استثمار 290 مليار دولار سنويا حتى 2050، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهو ما يفوق إمكانيات الدول النامية والفقيرة، بل إن العديد من الدول الغنية ستواجه صعوبات في توفير تلك الإمكانيات، وفق إسماعيل. 

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن إنتاج الطاقة المتجددة لا يكفي لتلبية الطلب العالمي للطاقة، إذ تقول وكالة الطاقة الدولية إن الحاجة قائمة لاستثمار 1.5 تريليون دولار سنويا لتلبية الطلب العالمي للطاقة النظيفة المتجددة، وهو ما يفتقر إلى مصدر لتغطية نفقاته.

توازن واقعي 

لذا أكد أمين عام أوبك، هيثم الغيص، في مؤتمر للنفط والغاز استضافته نيجيريا في يوليو/تموز الماضي، أن قطاع النفط العالمي يحتاج لاستثمار 12.1 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها، لكنه ليس في طريقه للوصول إلى هذا المستوى من الاستثمارات، واصفا الدعوات لتقليل أو منع تمويل مشروعات النفط الجديدة بأنها "تفتقر إلى الحكمة والواقعية، إذ إن العالم بحاجة لجميع أشكال الطاقة لتلبية الطلب العالمي"، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز". 

ولتحقيق التوازن بين هذا الواقع وبين الأهداف المناخية العالمية، أشار الغيص إلى ضرورة تنفيذ "حلول مبتكرة مثل استخلاص الكربون وتخزينه، ومشروعات الهيدروجين، وكذلك الاقتصاد الدائري للكربون الذي لاقى تأييدا إيجابيا من مجموعة العشرين".

وأكد الغيص، في قمة مجموعة العشرين بنيودلهي، الشهر الجاري، أن الواقعية تتطلب إدراك الدور الأساسي الذي يؤديه النفط في الحياة اليومية، معربًا عن أمله في أن "يستنير زعماء المجموعة بالواقعية، عندما ينظرون إلى الركائز الأساسية لعمليات تحول الطاقة الناجحة والمنظمة".

المساهمون