تخطط الحكومة التونسية للحد من استقلالية البنك المركزي للدولة، وفق تعديلات تشريعية ينظرها البرلمان، في خطوة من شأنها توسيع قائمة المؤسسات التي تتعرض لبسط النفوذ من قبل الرئيس قيس سعيد، الذي يتخذ منذ يوليو/تموز 2021 سلسلة من الإجراءات التي تسمح له بالانفراد بالسلطة، بينما تقول الحكومة إن التعديلات المطروحة تأتي في إطار إصلاحات اقتصادية، وإنه ليست لديها نية لتغيير النظام الأساسي للبنك أو العبث باستقلاليته.
ويتبنّى أعضاء في البرلمان مشروع قانون جديد يعطي السلطة التنفيذية نفوذاً أوسع في رسم السياسات المالية التي تحتكرها المؤسسة النقدية للدولة. والتغييرات المقترحة، يُتوقع أن تراجعها هيئة موالية بشكل كبير للرئيس التونسي داخل البرلمان.
وتأتي مطالب إعادة النظر في قانون البنك المركزي التونسي بعد 7 سنوات من حصوله على الاستقلال التام عن السلطة التنفيذية بمقتضى قانون أقره البرلمان في إبريل/ نيسان 2016. وصادق البرلمان التونسي على القانون حينها، بعد أن دافعت الحكومة عن خياراتها عبر منح البنك مزيداً من الاستقلالية لتعزيز أدائه، والنأي به عن أي تجاذبات سياسية محتملة.
وبمقتضى قانون 2016 لم يعد مسموحاً للحكومة إصدار أي تعليمات للبنك المركزي، كما حصل على السلطة المطلقة في ضبط السياسة النقدية، والإنفاق والتحكم في الاحتياطي النقدي، والتصرف في الذهب.
ونص القانون أيضاً على تأسيس هيئة للرقابة والتصرف في الأزمات تتولى إصدار التوصيات، وحماية الاقتصاد الوطني من الآثار المحتملة التي قد تترتب على أي اضطرابات في الاقتصاد العالمي.
غير أن مساعد رئيس البرلمان الحالي المكلف بالإصلاحات الكبرى رياض جعيدان، يقول إن "إعادة النظر في قانون البنك المركزي التونسي أمر مهم جداً لبناء اقتصاد جديد يكافح الأنشطة الريعية، ومن بينها القطاع البنكي الذي يحقق أرباحاً كبيرة من الزيادات المتتالية في نسبة الفائدة التي يقرّها البنك المركزي في إطار سياسته لكبح التضخم".
ويضيف جعيدان في تصريح لـ"العربي الجديد" أن لا شيء يمنع مؤسسة البرلمان الحالية من إعادة النظر في القانون الصادر عام 2016، مشيراً إلى أن القوانين ذات الصبغة الاقتصادية تحظى بالأولوية في عمل المجلس نظراً للظرف الذي تمر به البلاد.
ويشير إلى أن البرلمان مطالب أيضاً بفتح ملفات العدالة الجبائية، وسيطرة اللوبيات الاقتصادية على العديد من الأنشطة، مؤكداً وجود إجماع على ضرورة مراجعة هذا القانون، والانفتاح على آراء المختصين والخبراء.
ويواجه البنك المركزي التونسي انتقادات بسبب الزيادات المتتالية في نسبة الفائدة الرئيسية التي صعدت إلى 8%، بعد آخر تعديل أقره في يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بزيادة 75 نقطة أساس (0.75%).
في المقابل يدافع البنك المركزي عن سياساته المالية، مؤكداً مراقبته التطورات المستقبلية للتضخم، واستعداده لاتخاذ الإجراءات الضرورية للرجوع بالتضخم نحو مستويات مستديمة، وفق آخر بيان صادر عن مجلس إدارته في مارس/ آذار الماضي.
ولا يخفي مراقبون للشأن الاقتصادي مخاوف من تغيير قانون البنك المركزي لصالح أغراض سياسية، بهدف زيادة شعبية السلطة الحاكمة، عبر تدخل الحكومة لخفض نسبة الفائدة، أو تمويل الموازنة عبر الاقتراض المباشر للبنك المركزي، عوض الاقتراض حالياً عبر أذون الخزينة التي يموّلها القطاع المصرفي.
ويقول لؤي الشابي، الخبير المالي لـ"العربي الجديد"، إن إعادة النظر في استقلالية البنك المركزي قد تؤدي إلى تدخل كبير للسلطة التنفيذية في السياسة النقدية وتوجيهها نحو أغراض سياسية بما يتسبب في انفلات التضخم وانزلاق السياسات المالية للدولة.
ويحذّر الشابي من استسهال النفاذ المباشر لخزينة البنك المركزي لتمويل الموازنة، مؤكداً أن هذا القرار قد يغرق البلاد في دوامة تضخم عالية ويستنزف نزيف العملة الصعبة. وتعاني تونس من مستويات قياسية للتضخم بلغت 10.3% خلال إبريل/ نيسان الماضي، وهي النسبة الأعلى التي تسجل في البلاد منذ 40 عاماً.
ويضيف الشابي أنه من الضروري إحداث آليات رقابة نافذة تحمي السياسات المالية للبلاد، ليس فقط من نفوذ السلطة التنفيذية، وإنما أيضاً الكارتل البنكي، مشيراً إلى أنهما يتقاسمان السيطرة على قرارات البنك المركزي.
ويوضح: "البنك المركزي ليس مستقلاً فعلياً عن السلطة التنفيذية ولا هيمنة القطاع المصرفي"، مضيفاً أنه "يساهم في الإشراف وحماية مصالح اللوبي البنكي الذي يحقق فوائد كبيرة من نشاطه الريعي وإقراض الدولة بنسب فائدة عالية".
وحقق 12 بنكاً مدرجاً في البورصة أرباحاً صافية بقيمة 5.3 مليارات دينار (1.7 مليار دولار) العام الماضي مقابل 4.7 مليارات دينار في 2021. وكشفت عمليات الإفصاح المالي، تصدر البنوك التونسية المدرجة في البورصة المؤسسات الرابحة خلال 2022، مسجلة نمواً في أرباحها بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق له، رغم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وفي مقابل تخوفات المحللين من فقد البنك المركزي استقلاليته في ظل الاضطرابات السياسية التي تشهدها تونس، قال وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد لوكالة بلومبيرغ الأميركية، الأربعاء الماضي، إن حكومة بلاده ليست لديها نية لتغيير النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي، أو العبث باستقلاليته، مضيفاً: "ما يقال عن تقليص صلاحيات البنك المركزي كلام فارغ". "ستبقى استقلالية البنك المركزي محترمة، كما هي دون أي تعديلات".