تطبيع العلاقات التركية المصرية.. الاقتصاد أولوية

19 مارس 2023
خلال لقاء بين شكري وتشاووس أوغلو (Getty)
+ الخط -

رغم حسم البلدين عدم التقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان إلا بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، التي ستجرى في 14 مايو/أيار المقبل، فإن زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري للولايات المنكوبة بعد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا في السادس من شباط/ فبراير الماضي، وتوجيهه دعوة لوزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو لزيارة مصر، والتي تمت بالفعل أمس السبت، أحيت من جديد الآمال بعودة العلاقات المقطوعة منذ عشر سنوات بين البلدين.

وزادت إمكانية استعادة السفراء "بالوقت المناسب" بحسب وزير الخارجية المصري خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره التركي بالقاهرة أمس، بعد محادثات وصفها شكري "بالعميقة والشفافة" وتوفر "الإرادة السياسية لانطلاق مسار تطبيع كامل العلاقات" ليأتي الرد من تشاووش أوغلو بأن التعاون مع القاهرة "سيكون أوثق" وسيتم رفع مستوى العلاقات إلى مستوى السفراء "في أقرب وقت ممكن" إلى جانب تعزيز العلاقات الاقتصادية "الطاقة ولتجارة والنقل".

إلا أن الاقتصاد رهين السياسة بحسب مدير معهد إسطنبول للفكر، باكير أتاكجان، فإن لم تذهب السياسة بمسارها الصحيح فلن تستمر العلاقات الاقتصادية أو لن تتطور بالحد الأدنى، فمصر من وجهة نظر أتاكجان لم تزل غير واضحة بالنسبة لملفات كثيرة تشكل لتركيا خطراً وتعتبر من الأولويات إن لم نقل خطوطاً حمراً.

ويقول المحلل التركي لـ"العربي الجديد" إن على مصر أن "تقدم ثمن التقارب" كما تدفعه تركيا، لتستمر العلاقات وتتطور، مشيراً إلى أن موقف القاهرة من ملف نزاع تركيا واليونان وغاز المتوسط يشكل قلقاً لبلاده، كما أن وعيد القاهرة، بين الفترة والأخرى، بالنسبة للملف الليبي أو حتى علاقات مصر مع الأنظمة المستبدة "بشار الأسد مثالاً" ستزعزع من العلاقات مع أنقرة، أو لن تضمن لها الاستمرار والعودة إلى ما كانت عليه قبل القطيعة منذ عام 2013.

بالمقابل، يقول الاقتصادي المصري، أحمد المغلّاوي لـ"العربي الجديد" إن زيادة التقارب السياسي بين بلده وتركيا ستزيد من تعزيز أرقام الاقتصاد "تبادل تجاري واستثمارات وسياحة"، معتبراً خلال اتصال أن "كلا البلدين قوة اقتصادية بالمنطقة ويوجد تقارب كبير بالسكان وتماثل وتكامل بالإنتاج" وفي صالح الشعبين تعزيز العلاقات الاقتصادية "مع احترام خصوصية القرارات لكل بلد" لأن لبلاده اعتبارات ومصالح وعلاقات أخوّة عربية، على تركيا أخذها بالاعتبار، كما تراعي القاهرة خصوصية تركيا.

ويلفت المغلاوي إلى أن العلاقات الاقتصادية لم تتوقف على الاطلاق، خلال الفتور السياسي، لكنها تنامت منذ العام الماضي حين زاد حجم التبادل عن 5 مليارات دولار بنسبة نمو بلغت 17% عن العام السابق، لتبلغ مصر المرتبة 15 ضمن قائمة الدول الأكثر استيراداً من تركيا.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، حلت تركيا في المرتبة الأولى ضمن مجموعة العشرين استيراداً من مصر العام الماضي، بنحو 2.6 مليار دولار، في حين جاءت الصين أولاً بالصادرات إلى مصر بنحو 9.9 مليارات دولار. في حين تشير مصادر تركية إلى أن الصادرات التركية إلى مصر زادت عن 3 مليارات دولار العام الماضي.

لكن التوتر السياسي "يؤثر ولا شك" على القطاع الاقتصادي والاستثمارات والسياحة، بحسب الباحثة سعاد خبية من القاهرة، وفي حال زالت الخلافات وشهد البلدان "تطبيعاً على مستوى القادة" لا تستبعد خبية وصول حجم التبادل إلى أكثر 10 مليارات دولار، نظراً لضخامة السوق المصري"107 ملايين مستهلك" واحلال المنتجات التركية مكان بعض السلع الصينية أو الأوروبية، نظراً لما وصفته بالسمعة الجيدة للمنتج التركي بالسوق المصري "ألبسة وجلديات وأغذية" إضافة إلى المنتجات الصناعية التركية المنافسة.

وتلفت المتحدثة خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى مصالح البلدين والشعبين بالتقارب وزيادة التبادل، خاصة بواقع تراجع سعر الجنيه والليرة التركية ما أثر برأيها على مستوى المعيشة وغلاء الأسعار بكلا البلدين، مشيرة إلى تأثر جمعية رجال الأعمال التركية المصرية "730 شركة" لا محالة بالسياسة، وبحال تحسن العلاقات ستجذب السوق المصرية استثمارات تركية كبيرة نظراً لحجم الاستهلاك. 

وبينت أن الصادرات المصرية لتركيا لن تقتصر، كما اليوم، على المواد البترولية والمعادن والبلاستيكية والورق، كما لن تتوقف المستوردات المصرية من تركيا، على الغذائيات والمنتجات الزراعية والملابس، بل يمكن أن نرى شبه شراكة نظراً لنقاط التقاء كثيرة بين أسواق وإنتاج البلدين.

من جهته، يرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن زيارة وزير الخارجية والتقارب بين مصر وبلاده، تزيد الآمال بارتفاع حجم التبادل والاستثمارات، معتبراً خلال تصريحه ل"العربي الجديد" أن تركيا قدمت ولم تزل، مرونة وحسن نية لمصر، وهي حريصة على تطوير العلاقات على كافة الصعد.

ويضيف المحلل التركي أن مصالح البلدين وما تشكله مصر لتركيا، من بعد تاريخي وجغرافي ومصدر للغاز، وما تعنيه تركيا لمصر، بمجال تطور الصناعة ونقل التكنولوجيا، سيدفع الطرفان للبحث عن قواسم مشتركة تحافظ على مصالحهما "لا مصالح اليونان أو فرنسا" كاشفاً أن "سياسة بلاده العليا" أن يكون التعاون مع مصر استراتيجياً عبر زيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري ليتعدى 10 مليارات دولار، واستفادة مصر من الأسطول التركي بالتنقيب، بدل العروض الفرنسية والتطلع لعقود طويلة الأجل مع مصر، لاستيراد الغاز المسال وبناء علاقات استراتيجية تخدم الشعبين.

المساهمون