- الاختلاف في التوقعات يعكس تأثير العوامل الخارجية والداخلية المتغيرة مثل أسعار النفط، مما يثير تساؤلات حول المعايير المستخدمة في هذه التقديرات.
- التضارب في التوقعات يعود لعوامل مثل تذبذب أسعار النفط والأزمات السياسية والجيوسياسية، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل النمو الاقتصادي في المنطقة ويشير إلى "عام اضطراب" في 2024.
مفارقة لافتة كشفها استطلاع أجرته وكالة "رويترز" بشأن توقعات النمو الاقتصادي بدول الخليج العربية، إذ صبت تلك التقديرات باتجاه التراجع عن توقعات النمو السابقة، بالمخالفة لتعديل كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتوقعاتهما في الاتجاه المعاكس، ما طرح علامة استفهام حول المعايير التي يستند إليها التقديران، والمحددات التي ترجح أحدهما على الآخر.
وبينما توقع البنك الدولي ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي ليبلغ 4.7% خلال العام القادم 2025، بحسب تقرير أصدره في 15 إبريل/نيسان الماضي، رجح استطلاع "رويترز" نمو معظم اقتصادات دول الخليج بوتيرة أبطأ هذا العام عما كان متوقعا من قبل، مع انخفاض أسعار النفط من الذروة التي بلغتها في الآونة الأخيرة.
ويعزو البنك الدولي توقعات تقريره إلى ارتفاع إنتاج النفط على خلفية الإلغاء التدريجي لحصص خفضه، التي تبنتها دول خليجية، على رأسها السعودية، إلى جانب النمو الكبير في القطاع غير النفطي بهذه الدول.
أما نتيجة استطلاع رويترز فاستندت إلى عدم توقع ارتفاع أسعار النفط على نحو واضح هذا العام مرجحا نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة تقدر بـ2.5% في المتوسط في 2024، على أن تصل النسبة إلى 3.1% في 2025، ما يعد انخفاضاً مقارنة باستطلاع يناير/كانون الثاني الماضي الذي خلُص إلى أن النمو في 2024 سيسجل 3.5%، على أن يسجل العام المقبل 4.1%.
منظور ضبابي
يشير الخبير الاقتصادي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن تضارب التوقعات بشأن النمو في دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية التي تعتبر القوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة، يعود إلى العديد من المتغيرات، على رأسها أسعار النفط، التي تعد أحد المؤشرات الأساسية بموضوع النمو.
ويوضح درويش أن أسعار النفط العالمية مرتبطة بالعرض والطلب والنمو العالمي، وفي ظل عدم الاستقرار الذي يسود بعض مناطق العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط التي تستمر فيها الحرب بقطاع غزة للشهر السابع على التوالي، فضلا عن استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن العديد من المتغيرات التي لا يمكن التكهن بها هي المحدد الرئيس لأسعار النفط.
ومن هذا المنظور تتعدد الرؤى والتقديرات بشأن أسعار النفط، وهي المحدد الأساسي لنسبة النمو الاقتصادي في دول الخليج العربية، بحسب درويش، الذي يتوقع أن تتجه المؤسسات الدولية نحو مزيد من تعديل توقعاتها بشأن هذا النمو بناء على المعطيات المستجدة، سواء على مستوى النمو العالمي أو على مستوى الاستقرار الجيوسياسي، ذي التأثير المباشر على سوق النفط والأسعار فيها.
عوامل عديدة
في السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي، رائد المصري، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن التوقعات بتراجع النمو في الخليج تعود إلى عوامل عدة، على رأسها: تذبذب أسعار النفط وتخفيضات الإنتاج الأخيرة عبر تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+"، خاصة بعد تصريح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، بأن سقف التوقعات لمتوسط سعر النفط سيبلغ 79 دولارا للبرميل فقط.
ومن شأن ذلك أن يؤثر على النمو الاقتصادي لدول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، لكنه في المقابل سينشط النمو في القطاعات غير النفطية، التي تمر بحالة تصاعدية وتشهد نموا وتطويرا كبيرين، حسب المصري.
ويلفت الخبير في الاقتصاد الدولي إلى أن أزمات الركود العالمية تؤثر في الطلب على النفط سلبا، ولذا فهي عامل ثان في التأثير على نسب النمو بالخليج، فضلا عن استمرار الأزمات السياسية دولية وعدم استقرار أمن الملاحة العالمي، خاصة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، ما يعني تعطيل الكثير من سلاسل التوريد.
لذا يرجح المصري أن تتراجع نسب النمو الاقتصادي في منطقة الخليج إلى حدود 2.7% في العام الجاري، مشيرا إلى أن استمرار أزمة التضخم العالمية يدعم هذا الترجيح، إذ أدت إلى انكماش اقتصادي وركود، ما يخفف الطلب على النفط بطبيعة الحال، وهو المورد المالي الأساسي الذي تعتمد عليه دول الخليج من أجل التنمية، خاصة أن تعظيم قدرات القطاعات غير النفطية بها لم يتبلور بشكل قوي بعد، وإن كان متصاعدا.
ويخلص المصري إلى أن عام 2024 هو "عام اضطراب"، وعليه فإن الأقرب للترجيح هو تقدير استطلاع "رويترز" بشأن نسب النمو في منطقة الخليج.