قرر مجلس الوزراء المصري زيادة سعر الأسمدة الأزوتية من 3290 إلى 4500 جنيه، ما يعادل 286.6 دولارا للطن، بنسبة زيادة نحو 37%، ما يعني رفع سعر العبوة زنة 50 كيلوغراماً من 165 إلى 225 جنيهًا.
صدر القرار دون تصريح رسمي من الحكومة أو وزارة الزراعة، ولكن تأكد الخبر بانتشار مذكرة لوزارة الزراعة على فيسبوك موجهة إلى المديرين العامين للتعاون الزراعي بالمحافظات تفيد برفع سعر شيكارة اليوريا إلى 240 جنيهاً ليصل إلى 4500 جنيه بدلا من 3290 جنيها.
ورغم أنها زيادة كبيرة وستقلل بلا شك من كمية وجودة الإنتاج الزراعي على مستوى الدولة وتزيد أعباء المزارعين الفقراء بالأساس، لم يعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء عن الزيادة الجديدة بنفسه، كما أعلن قبل أسبوع عن قرار زيادة سعر أردب القمح بمبلغ 95 جنيهاً، وقال إن الدولة المصرية تقف بجانب الفلاح وتدعمه.
دافع وزير الزراعة عن القرار، وقال إنه يصب في مصلحة الفلاحين كما يحقق مصالح الشركات، وهو الذي بشر الفلاحين بقرار زيادة سعر القمح
بل دافع وزير الزراعة عن القرار، وقال إنه يصب في مصلحة الفلاحين كما يحقق مصالح الشركات، وهو الذي بشر الفلاحين بقرار زيادة سعر القمح وقال إنه يشجع الفلاح ويدعم الأسر الريفية وصغار المزارعين.
الدستور المصري ينص على أن الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني، وتُلزم المادة 29 الحكومة بتنمية الريف وبرفع مستوي معيشة سكانه، بتنمية الإنتاج الزراعي والحيواني وتوفير مستلزمات الإنتاج وحماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال
لكن قرار رفع أسعار الأسمدة يخالف روح الدستور ويلحق الضرر بالفلاحين. فقد صدر القرار بعد أسبوع واحد فقط من الزيادة المتواضعة في سعر شراء القمح من الفلاحين. ما يوحي بأن الحكومة قررت رفع سعر أردب القمح 95 جنيها لدعم وتشجيع المزارعين، لكنها في المقابل رفعت سعر الأسمدة 1200 جنيه للطن لإبطال مفعول القرار الأول.
هذه الزيادة هي الخامسة من نوعها منذ تولى الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم رسميًا، في يونيو/حزيران 2014. الأولى كانت في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حيث رفع مجلس الوزراء الأسعار من 1400 جنيه للطن إلى 2000 جنيه، بزيادة 600 جنيه للطن. وهي المرة الأولى التي تزيد فيها أسعار الأسمدة الزراعية في مصر بنسبة تقارب 43%، دفعة واحدة.
وقالت وزارة الزراعة إن السبب في زيادة الأسعار هو القضاء على السوق السوداء حيث وصل سعر الطن فعليا إلى 3500 جنيه.
الزيادة الثانية كانت في مطلع يناير/كانون الثاني 2017، فقد رفع مجلس الوزراء أسعار الأسمدة للمرة الثانية من 2000 جنيه إلى 2959 جنيهاً للطن، بزيادة 959 جنيها للطن، وبنسبة 50% تقريبا، مع فرض ضريبة مبيعات جديدة 5%، وإعفاء مصنع الأسمدة التابع للقوات المسلحة من دفعها. وقالت الحكومة إن السبب في زيادة الأسعار هو ارتفاع سعر الدولار إلى 16.3 جنيها.
الزيادة الثالثة كانت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017، حيث رفع مجلس الوزراء الأسعار من 2959 جنيهاً للطن إلى 3200 جنيه، بزيادة 241 جنيهاً، وبنسبة 8.1%.
وقالت وزارة الزراعة إن السبب في زيادة الأسعار هو زيادة تكلفة الغاز الطبيعي والأيدي العاملة، رغم أن تكلفة الغاز في هذا التوقيت كانت أقل من النصف في سنة 2013.
الزيادة الرابعة كانت في يوليو/تموز 2018، حيث رفع مجلس الوزراء الأسعار من 3200 جنيه للطن إلى 3290 جنيهاً، بزيادة 90 جنيهاً للطن، وبنسبة 2.8%.
وقالت وزارة الزراعة إن السبب في زيادة الأسعار هو ارتفاع سعر الدولار من 16.5 جنيهاً إلى 17.6 جنيهاً. ولم تأخذ الحكومة تدني سعر الغاز الطبيعي في السوق الدولية وتأثيره على تخفيض تكلفة الإنتاج في الحسبان أيضا.
الزيادة الخامسة وربما لن تكون الأخيرة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حيث رفع مجلس الوزراء الأسعار من 3290 جنيهاً للطن إلى 4500 جنيه، بزيادة 1210 جنيهات للطن، وبنسبة 36.8%.
وقالت وزارة الزراعة إن السبب في زيادة الأسعار هذه المرة هو زيادة سعر الغاز الطبيعي في السوق الدولية.
بعد الزيادة الأخيرة تكون الحكومة قد رفعت أسعار الأسمدة من 1400 جنيه للطن في 2013، إلى 4500 جنيه للطن في 2021، بزيادة 3100 جنيه للطن، وبنسبة 220%.
في المقابل، لم ترفع الحكومة أسعار المحاصيل الغذائية التي تشتريها من الفلاحين بنفس النسبة. على سبيل المثال، رفعت أسعار القمح، من 420 جنيها في 2013، إلى 820 جنيها في 2021، بنسبة 95%.
ولو زاد سعره بنفس نسبة الزيادة في سعر الأسمدة لوصل سعر القمح إلى 1350 جنيها للأردب، وهو سعر القمح الأميركي المشابه لجودة القمح المصري بعد إضافة قيمة الدعم الذي تقدمه الحكومة الأميركية لمزارعي القمح هناك.
بالمثل، رفعت الحكومة أسعار قصب السكر، من 360 جنيها في 2013، إلى 720 جنيها في 2021، بنسبة 100%. وهي نفس نسبة الزيادة في سعر القمح تقريبا.
لكن لو زاد سعره بنفس نسبة الزيادة في سعر الأسمدة لوصل سعر قصب السكر إلى 1350 جنيها للطن، وهو السعر الذي يطالب به الفلاحون الحكومة هذا العام.
الغاز الطبيعي يمثل نحو 60 % من تكلفة إنتاج الأسمدة الأزوتية، وتزيد النسبة في مصر إلى 70% بسبب إهمال صيانة خطوط الإنتاج في مصانع القطاع العام المملوكة للدولة.
وفي مصر، ترفع الحكومة أسعار الغاز الطبيعي لشركات إنتاج الأسمدة وغيرها من الشركات كثيفة استهلاك الطاقة باستمرار حتى وصل إلى 5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ولم يسلم الغاز المستخدم في المنازل من الزيادة المتكررة أيضا.
دائما تعلل الحكومة المصرية زيادة سعر الأسمدة بزيادة سعر الغاز الطبيعي في السوق الدولية، رغم أن سعر الغاز في دول أوروبا، وهي مستورد كامل للغاز، لم يتجاوز سقف 2 دولار للمليون وحدة حرارية، حتى أثناء الأزمة الأخيرة عندما قطعت روسيا الغاز عن أوروبا وصل السعر إلى 5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية ثم تراجعت إلى 1.8 دولار.
في مصر، ترفع الحكومة أسعار الغاز لشركات إنتاج الأسمدة وغيرها من الشركات كثيفة استهلاك الطاقة باستمرار حتى وصل إلى 5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ولم يسلم الغاز المستخدم في المنازل من الزيادة أيضا
المثير في الأمر أن الشركات المنتجة للأسمدة طالبت وزارة الزراعة برفع سعر الطن المدعم والمورد للفلاحين بنسبة 20% بسبب زيادة الحكومة سعر الغاز من 4.5 دولارات مليون وحدة حرارية إلى 5.75 دولارات، وهو يمثل 60% من تكلفة الإنتاج، ما رفع تكلفة إنتاج الطن من الأسمدة بواقع ألف جنيه.
لكن الحكومة كافأت الشركات المنتجة بزيادة السعر 37% على حساب الفلاحين الفقراء، في مقابل تحصيل رسوم تصدير قدرها 2500 جنيه عن كل طن تقوم الشركات المنتجة بتصديره للخارج!
في أحسن الأحوال لا توفر الحكومة للفلاحين إلا نصف حصة الأسمدة المقررة للمحصول بالسعر المدعم، ويضطر المزارع إلى استيفاء باقي الاحتياجات من السوق السوداء والتي غالبا ما تكون ضعف السعر الرسمي، وفي كل الأحوال تكون أعلى من السعر العالمي.
ومن منتصف سنة 2018 وحتى منتصف 2020، انخفضت أسعار الأسمدة في السوق الدولية بنسبة 35%، ووصلت إلى 200 دولار للطن تقريبا، وتوقفت الشركات المصرية عن التصدير وفضلت البيع في السوق المحلي.
ورغم ذلك لم تنخفض الأسعار في السوق المحلي ولم يحصل الفلاح على أي فائدة من وفرة الإنتاج المحلي ولا انخفاض السعر العالمي، بسبب غياب من يطالب بحقوق الفلاحين، في ظل تسييس نقابات الفلاحين وغياب الدور الرقابي للبرلمان.
حاليا تفضل الشركات تصدير الأسمدة بسبب ارتفاع الأسعار العالمية إلى 615 دولاراً للطن شحن البحر الأسود. لكن الغريب هو أن الحكومة تسمح بتصدير الأسمدة رغم النقص في السوق المحلي، وفي وقت تتجه فيه كبريات الدول المصدرة للأسمدة إلى وقف التصدير لتلبية احتياجات المزارعين المحليين ولزيادة الإنتاج الزراعي من المحاصيل الغذائية الأساسية، وخاصة القمح والذرة، وهي المحاصيل التي تعاني فيها الدولة المصرية من فجوة كبيرة تصل إلى 65% على أقل تقدير.
روسيا والصين والولايات المتحدة، على سبيل المثال وهي من الدول المصدرة للأسمدة، منعت تصدير الأسمدة النيتروجينية لدعم المزارعين المحليين بتوفير الأسمدة الكافية بسعر منخفض وتشجيعهم على زراعة القمح والذرة وزيادة الإنتاجية والأرباح، حيث ارتفعت أسعارها في الأسواق الدولية إلى مستويات قياسية هذا العام، وصلت إلى 50% تقريبا مقارنة بالعام الماضي.
روسيا والصين والولايات المتحدة، وهي من الدول المصدرة للأسمدة، منعت تصدير الأسمدة النيتروجينية لدعم المزارعين المحليين بتوفير الأسمدة الكافية بسعر منخفض
وقالت أكبر شركات تصدير الأسمدة في الولايات المتحدة وأوروبا إنها حققت خسائر هذا العام بقيمة 185 مليون دولار بسبب زيادة تكلفة الغاز الطبيعي، ورغم ذلك رفضت الحكومة زيادة أسعار الأسمدة حرصا على عدم انخفاض إنتاجية المحاصيل، وبالتالي زيادة أسعار الأغذية. الصين وهي أكبر مصدر للأسمدة، ورغم أنها تستورد الغاز الطبيعي والطاقة، قدمت دعما للمزارعين بقيمة 20 مليار يوان، 3.1 مليارات دولار، لمواجهة زيادة الأسمدة.
الهند، وهي من الدول المستوردة للأسمدة، كان السعر الفعلي 1700 روبية للكيس الواحد من سماد فوسفات الأمونيوم العام الماضي، وكانت الحكومة المركزية تقدم دعما للمزارعين قدره 500 روبية للكيس، بنسبة 30%، ليحصل المزارع عليه بسعر 1200 روبية.
ومع ارتفاع الأسعار العالمية، وصل السعر إلى 2400 روبية لكل كيس. ومن أجل ضمان حصول المزارعين على السماد بالسعر القديم، قررت الحكومة زيادة الدعم إلى 1200 روبية لكل كيس، و900 روبية لليوريا.
ولأنها تقدم الدعم للمزارعين، تزيد انتاجية الهند من المحاصيل الأساسية وتصدر الفائض من القمح والأرز والذرة بالأسعار العالمية المرتفعة.
أما مصر التي تزيد أسعار الأسمدة، طمعا في صادرات سمادية بقيمة 1.4 مليار دولار، وتحرم الفلاحين من الدعم الزراعي، فهي المستورد الأول للقمح والثاني للذرة، ولديها فجوة في الغذاء تكلفها واردات غذائية سنوية بقيمة 15 مليار دولار.
من المفارقات أن الحكومة الهندية، التي تستورد الأسمدة من مصر، ألزمت شركات الأسمدة ببيع مخزونها القديم من فوسفات الأمونيوم الثنائي واليوريا بالأسعار القديمة فقط.
من المفارقات أن الحكومة الهندية، التي تستورد الأسمدة من مصر، ألزمت شركات الأسمدة ببيع مخزونها القديم من فوسفات الأمونيوم الثنائي واليوريا بالأسعار القديمة
أما الحكومة المصرية، للأسف، فقد طالبت جمعيات توزيع الأسمدة ببيع المخزون القديم بالأسعار الجديدة وتوريد فارق السعر، 1500 جنيه للطن، لحساب الديوان العام بوزارة الزراعة.
مع العلم أن شركات الأسمدة المصرية تعلن كل سنة عن أرباح مليارية، وهي التي بنيت في الستينيات من القرن الماضي من عوائد القطن الذي كانت تشتريه الحكومة من الفلاحين الفقراء بسعر بخس وتصدره بالأسعار العالمية.