امتدت الطوابير أمام محطات الوقود في مختلف المناطق اللبنانية، وسط تزايد شح مادتي المازوت والبنزين والتقنين في الكميات التي يحصل عليها المواطن، فيما قطع مواطنون الطرقات في عدد من المناطق احتجاجاً على الأزمات المعيشية المتصاعدة، حيث تترافق أزمة الوقود مع مشكلات في تأمين الخبز والتقنين القاسي في الكهرباء العامة وتلك التي تعتمد على المولدات الخاصة، وأزمة استشفاء مستفحلة، إضافة إلى الغلاء المتصاعد وانهيار العملة المحلية أمام الدولار.
وقالت المديرية العامة للنفط في لبنان في بيان اليوم الجمعة إنه يجب على المستوردين والمنشآت النفطية توريد الكميات المخزنة من الوقود التي اشتروها بسعر الصرف الأصلي البالغ 3900 ليرة للدولار (سعر السوق السوداء يتجاوز 21 ألف ليرة) بينما ينتظرون تحديد سعر جديد للواردات.
يأتي هذا بعد أن أنهى مصرف لبنان المركزي فعليا الدعم عبر قوله إنه سيبدأ في تقديم خطوط ائتمان بسعر السوق فحسب لليرة اللبنانية. وقالت المديرية في بيانها "تهيب المديرية العامة للنفط بالجَميع تُحّمُل مسؤولياته لجهة تأمين الاعتمادات اللازمة من أجل تأمين المحروقات".
وأكدت معلومات لـ"العربي الجديد" توقف عدد من المحطات عن تسليم المحروقات اليوم الجمعة بعد إعلان مصرف لبنان رفع الدعم عن هذه المواد الحيوية، وعملية تقاذف المسؤوليات التي لحقت هذا الإعلان من قبل الأحزاب المسيطرة على الحكم.
ولفتت المصادر إلى ازدياد الغش في المحروقات، خاصة في السوق السوداء، فيما تغيب الرقابة بشكل كلي عن محطات الوقود التي تورط العديد منها قبل مرحلة الفوضى الحالية بعمليات غش في العدادات وفي نوعية المحروقات المسلمة للمستهلكين.
وشرحت المصادر أن عدداً كبيراً من السيارات تعرض للأعطال نتيجة البنزين المغشوش، في حين أن كلفة التصليحات تفوق قدرة الغالبية العظمة من اللبنانيين على الدفع.
وأضافت أن ما يزيد الأزمة أن الأحزاب التي تسيطر على السلطة منذ سنوات طويلة منعت تحضير بنية تحتية مناسبة للنقل العام، وكانت الصفقات والفساد السمة الغالبة على الأشغال العامة، في ظل ضعف الوظائف في مناطق الأطراف ما يضطر الآلاف من استخدام النقل الخاص يومياً للوصول إلى أعمالهم في العاصمة والمدن الأساسية في المناطق.
ورأى عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس في بيان نشرته الوكالة الوطنية للإعلام (رسمية) أن "شد الحبال بين السلطة السياسية ومصرف لبنان، يضع الشعب وأصحاب المحطات وكل قطاع المحروقات في ضياع ومأزق يدفع ثمنه المواطن".
واعتبر أن "أصحاب محطات المحروقات كالمواطنين ضحايا وكبش محرقة في هذا التصادم". وناشد "القيّمين على البلد، وحاكم المصرف المركزي إيجاد الحل المناسب ليعود توزيع المحروقات في الأسواق اللبنانية إلى طبيعته، قبل نفاد مخزون المحطات، التي ما زال لديها بعض منه، ويذهب الجميع إلى العتمة الشاملة والشلل التام بالتوقف القسري لحركة السير".
وأعلنت نقابة مستخدمي وعمال شركات الطيران في لبنان، في بيان، أنها "صعقت أمس بالقرارات الصادرة عن حاكم مصرف لبنان برفع الدعم عن المحروقات وتركنا لمصيرنا المجهول الكارثي".
ووصفت هذا القرار بأنه "بمثابة حكم إعدام لعمال لبنان خصوصا، ولكل اللبنانيين"، وأضافت: "لقد نفذوا بنا الحكم من دون محاكمة". وحذرت من أنها "ستلجأ إلى كل الوسائل للبقاء على قيد الحياة، ولا يلومنا أحد".
كما صدر عن اتحاد نقابات النقل الجوي في لبنان، بيان استنكر بـ"أشد العبارات رفع الدعم عن المحروقات، والتي كانت القشة التي قصمت ظهر العمال بكافة مستوياتهم، وجعلت من حياتهم جحيما ولم يعودوا قادرين على تأمين أبسط مقومات الأمور المعيشية (كهرباء مولد أو انتقال بالسيارة الخاصة أو العمومية)".
وأشار البيان إلى أن القرار "كان بمثابة ضربة قاتلة من الحاكم والحكومة مجتمعين وهذا يدفعنا إلى إجراءات لا تحمد عقباها، ولذلك قرر الاتحاد إبقاء اجتماعاته مفتوحة بالتنسيق مع الاتحاد العمالي العام، ونحن نحذر وندق ناقوس الخطر: ارجعوا عن قراراتكم الجائرة ولا تدفعوا بنا إلى العصيان الشامل".
كما نفذ العشرات من رؤساء المجالس البلدية والاختيارية وممثلون عن الجمعيات الأهلية والفاعليات النقابية والمجتمع المدني في قضاء صور (جنوب لبنان) وقفة احتجاجية في معمل صور الحراري، ودخلوا معمل الإنتاج ومركز التوزيع مطالبين بـ "التوزيع العادل للكهرباء بين المناطق".
تحدث باسم المحتجين رئيس بلدية البرج الشمالي علي ديب، وقال: "باسم البلديات والمجتمع المدني وباسم الناس الذين حملونا الأمانة، جئنا بطريقة حضارية تعكس تربيتنا الجنوبية لرفع الصوت، ولنقول إننا لا نقبل الظلم في توزيع الكهرباء التي نريد أن تعود على الأقل إلى التقنين السابق على قاعدة "ظلم في السوية عدل في الرعية" ونعلمكم أننا لن نغادر هذا المكان بعد الآن، وسنقوم بالمناوبة والإشراف بشكل دائم على عملية التوزيع".
بدوره، قال رئيس اتحاد بلديات صور حسن دبوق: "لقد استطعنا هذه المرة أن نقنع الناس بعدم المجيء إلى هنا للاحتجاج، وذلك حفاظا على هذه المنشأة الحيوية كي لا يحصل كما في سائر المناطق، وجئنا لننوب عنهم ونعكس وجعهم الذي لم يعد يطاق، فهم باتوا يدفعون ضريبة أكبر مما يطيقون من ضريبة اشتراك المولدات إلى ضريبة انقطاع المياه، فضلا عن نار أسعار المحروقات والمواد الغذائية".
من جهته، أكد مدير محطة التحويل في صور حق الناس بالكهرباء، وأجرى اتصالا بمركز التنسيق في بيروت ووضعهم في أجواء ما يحصل.
وأعلنت اللجنة الاجتماعية في "التجمع الوطني الديموقراطي" في بيان "القرار الجائر لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم عن المحروقات"، معتبرة "أن سلامة، تجرأ على اتخاذ قرار خطير كهذا، يطاول حياة اللبنانيين، لأنه يحظى بحصانة استثنائية، من مجموع المنظومة الحاكمة ، بأركانها كافة من دون استثناء".
وأشار البيان إلى "أن فقدان مادة المازوت، أثر سلبا على الدورة الاقتصادية للبلاد فطاولت مخاطره المستشفيات والعيادات والصيدليات والمصانع والمتاجر والأفران وغيرها من القطاعات الاقتصادية والصحية في البلد".
ودعا البيان إلى "تنسيق مواقف وجهود جميع القوى النقابية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، من خلال إعداد برنامج عمل مرحلي، متدرج المطالب والأولويات، يبدأ بتأمين المازوت وغيره من المحروقات، والدواء وباقي المواد الغذائية والسلع الأساسية للمواطن، وانتهاء بمطلب إطاحة المنظومة الحاكمة وإقامة البديل الوطني الديمقراطي وقيام دولة مدنية علمانية ديمقراطية حديثة".