تبدي أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر مزيدا من الاعتراضات على السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس عبد المجيد تبون، على الرغم من المؤشرات الايجابية التي تطرحها الحكومة لتحسن الاقتصاد الجزائري، وتحقيق نتائج تصفها السلطات بغير المسبوقة، على صعيد تحرير الاقتصاد من التبعية لعائدات المحروقات.
ووصفت الأمينة العامة لحزب العمال (يساري)، لويزة حنون، في افتتاح اجتماع الهيئة التنفيذية للحزب مساء أمس الأحد، السياسات الحكومية بأنها "تشهد تناقضات كبيرة بين زيادات في الأجور ورفع الأسعار، وتجميد للتوظيف، عبر الإعلان عن دفع الطلبة الجامعيين نحو فكرة المؤسسات الاجتماعية"، وطالبت الحكومة "بزيادة الاستثمارات العمومية لخلق فرص عمل وإعطاء دفعة جادة للاقتصاد الوطني"،
وطالبت حنون "بزيادة الأجور على نطاق واسع، بدافع القلق، لدعم القوة الشرائية المتآكلة للعمال وكذلك الحاجة إلى إنعاش الاستهلاك والاقتصاد الوطني، وبتعميم الزيادات الأخيرة التي أقرتها الحكومة، بحيث تؤثر على العاملين في القطاع الخاص، ورفع الحد الأدنى للأجور الى حدود 40 ألف دينار (ما يعادل 250 يورو)"، ليشمل سبعة ملايين عامل.
وقالت حنون إن حزبها يعتبر أن "هذه هي الطريقة التي يمكننا بها إنعاش الاقتصاد من خلال تشجيع الاستهلاك".
وعبرت الأمينة العامة للحزب، الذي يتبنى المقاربات الاجتماعية، عن مخاوف من استغراق السلطة في خيار خصخصة المؤسسات العمومية، وأكدت رفضها لخصخصة مؤسسات في قطاع السياحة بالاعتراض على الاتفاقية الأخيرة المبرمة بين الحكومة وشركة أجنبية لإدارة 30 بنية تحتية فندقية عمومية قامت الدولة بإعادة تأهيلها بمليارات الدينارات.
وكان تبون قد أعلن قبل أسبوعين عن قرار زيادة الأجور تصل إلى حدود 40%، يبدأ تطبيقها ابتداء من شهر يناير/كانون الثاني الجاري، وتشمل الموظفين والعاملين في القطاعات الاقتصادية العمومية، كما أقر زيادات على منح المتقاعدين والعاطلين من العمل، لكن مخاوف جدية لدى العمال والموظفين من أن يتم شفط هذه الزيادات بسبب التضخم وارتفاع أسعار المواد التموينية.
من جانبه، انتقد التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (تقدمي)، في بيان نشره الأحد الماضي، ما اعتبره "غياب الثقة والنقاش وغياب الهيئات الإحصائية ذات المصداقية، ما تسبب في أن تظل السلطة وحدها المحتكرة للأرقام التي تقوم بتعديلها إرضاءً لنفسها، وفي هذا الصدد، فإن انتعاش أسعار المحروقات يسمح بسد كل الفجوات".
وأشار إلى "عدم وجود رؤية لتفعيل جدي للاستثمار المنتج، وتسبب المحاولات الخاطئة وعدم الاستقرار القانوني والبيروقراطية في إثقال كاهل أي فكرة للاستثمار، وبالتالي أي آفاق تنموية، تزامنا مع تسجيل العجز الهائل في الميزانية، المفترض في قانون المالية لعام 2023 والاختلالات التي أصبحت هيكلية تهدد المالية العامة واستدامتها".
وحذر الحزب، الذي لا يشارك في البرلمان الحالي بسبب مقاطعته المسار الانتخابي منذ 2019، من "أن يؤدي تدهور القدرة الشرائية، والزيادة الفاحشة في الأسعار، وخاصة المواد الغذائية، إلى إلقاء الملايين من الجزائريين في العوز والفقر، واضطرار الآلاف من الشباب الجزائري إلى البحث عن المنفى بكل السبل، مخاطرين بأرواحهم، بسبب عدم إصلاح الأجور والمعاشات التقاعدية، لتعويض جاد للتقهقر المستمر للقدرة الشرائية".
قبل ذلك كانت حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، فد عبرت عن رفضها للسياسات الاقتصادية، اذ امتنعت عن التصويت لصالح قانون الاستثمار الذي طرحه الرئيس عبد المجيد تبون في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما صوتت ضد قانون الموازنة الجديد لعام 2023، وبرر الحزب (إسلامي) الاعتراض على السياسات الاقتصادية "بغياب الشفافية في ما يتعلق بالميزانية، واعتماد ميزانية عامة بعجز موازني دون تحديد دقيق لمصادر تمويل هذا العجز، وعدم الاستقرار على رؤية اقتصادية محددة، حيث تغيرت الأولويات بمجرد انتعاش أسعار النفط، والتي قد تشهد تراجعا في أي لحظة من خلال التأثر بما يحدث في العالم من توتر، وعدم توافق الأولويات الواردة في مشروع القانون مع ما تقدمت به الحكومة في مخطط عملها ومع ما يعيشه المواطن في واقعه".
كما انتقدت حينها "تضخيم ميزانية التسيير على حساب ميزانية التجهيز، ما يعني أن التنمية مؤجلة إلى وقت لاحق"، اضافة إلى ما تعتبره "غياب مؤشرات قياس النجاعة، ما يجعل الرقابة البرلمانية غير ممكنة".
لكن الحكومة تقدم في مقابل هذه الاعتراضات السياسية مؤشرات إلى تطور إيجابي في أداء الاقتصاد الجزائري، حيث كان الرئيس تبون قد أكد في آخر حوار تلفزيوني استمراره في تنفيذ خطة الإصلاح الهيكلي والتشريعي للاقتصاد الجزائري، خاصة بعد صدور قانون الاستثمار الجديد، وارتفاع عائدات البلاد من الصادرات خارج المحروقات إلى حدود سبعة مليارات دولار، وتوقع تحقيق 15 مليار دولار في العام الجاري 2023.