تركيا في أزمة... ما المخرج؟

06 يناير 2022
أردوغان أعاد الهيبة لليرة التركية بعد وصول حزبه إلى الحكم عام 2002 (الأناضول)
+ الخط -

ذهبتُ إلى تركيا بانطباع هو أن الدولة التي يصنف اقتصادها ضمن أقوى 20 اقتصادا في العالم تمر بأزمة مالية طاحنة، أبرز ملامحها تهاوي الليرة مقابل الدولار وفقدانها نحو 40% من قيمتها خلال العام الماضي، وعدت بالانطباع نفسه الذي لم يتغير كثيرا. 

ما تغير هو أنني رأيت بنفسي موجة غلاء لم تشهدها تركيا منذ أكثر من 20 سنة، موجة لم أتخيل حجمها وتأثيراتها على المواطن والأسواق قبل سفري.

فالأسعار باتت فوق قدرة غالبية الوافدين إلى تركيا من أرجاء المعمورة، سواء من مصر أو سورية والعراق وإيران واليمن وليبيا وتونس والصومال والسودان وغيرها.

حتى الأتراك باتوا يئنون من زيادة الأسعار، خاصة في ظل الزيادة الأخيرة لأسعار الغاز والكهرباء والسلع الغذائية والبنزين والسولار والملابس والأدوات المنزلية وغيرها.

أزمة تركيا المالية مستمرة لبعض الوقت مع اضرار أردوغان على خفض سعر الفائدة رغم موجة التضخم العالية

أزمة تركيا المالية مستمرة لبعض الوقت بحسب المؤشرات الحالية، فأردوغان ومن خلفه البنك المركزي يصران على خفض سعر الفائدة رغم موجة التضخم العالية.

صحيح أنني تعرفت خلال زيارتي الأخيرة لتركيا عن قرب إلى الحلول التي تطرحها الحكومة لمواجهة التضخم العالي، ومنها زيادة الإنتاج وخفض الفائدة ومعها كلفة الأموال سواء المتاحة للدولة أو للمستثمرين والمنتجين الصناعيين، أو حتى للأفراد الراغبين في الحصول على أموال رخيصة من البنوك لشراء عقار أو سيارة أو حتى الزواج.

لكن هذه الحلول تجدي على المدى المتوسط والبعيد، ولا تصلح للتطبيق خلال فترة زمنية قصيرة تشهد فيها البلاد اضطرابات عنيفة في سوق الصرف، وتهاوياً في قيمة العملة، ومضاربات محمومة على الليرة وفقدان ثقة فيها، وتربصاً من قبل قوى خارجية لنظام الحكم القائم في تركيا. 

موقف
التحديثات الحية

صحيح أيضا أن إيرادات تركيا من بند واحد هو الصادرات تجاوز 225 مليار دولار عن العام الماضي 2021، وهو أعلى رقم في تاريخ الدولة التركية، وأن السياحة منتعشة، والفنادق والمطارات التركية تشهد انتعاشاً لا تخطئه عين، وأن هناك مليارات الدولارات تتدفق إلى قطاع العقارات.

وأن لدى تركيا احتياطياً ضخماً من النقد الأجنبي، وأن الليرة التركية تحسنت بشدة واستردت أكثر من 30% من قيمتها عقب الخطوات الإصلاحية التي أعلن عنها الرئيس التركي، وأن الحكومة رفعت الرواتب بنسبة 50% مرة واحدة.

لكن في المقابل نجد أن معدل التضخم تجاوز 36.1% في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو أعلى معدل منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2002، حيث كان المعدل وقتها 33.45%.

معدل التضخم تجاوز 36.1% في ديسمبر، وهو أعلى معدل منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في أكتوبر/ تشرين الأول 2002

وهذا المعدل العالي الذي يزيد كثيرا عن توقعات الحكومة نفسها يعيد الضغوط مجددا على الليرة، وقد يدفع الأتراك إلى التمسك بالدولار والعملات الرئيسية الأخرى لبعض الوقت، مع مراقبة الخطوات الحكومية وتحركات العملة المحلية ومؤشر غلاء الأسعار.

وفي مقابل الإيرادات الدولارية الضخمة المتدفقة إلى تركيا والتي قد تتجاوز 250 مليار دولار في العام 2021، فإن هناك التزامات أخرى مستحقة على الدولة سواء لبند فاتورة الواردات، خاصة الوقود والسلع الوسيطة والمواد الخام، علما أن الموازنة التركية تواجه ضغوطا شديدة بسبب زيادة سعر النفط والغاز الطبيعي والمشتقات البترولية من بنزين وسولار شأن كل الدول المستوردة للطاقة.

وهناك بند آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو كلفة الدفاع عن الليرة في وجه مضاربات محمومة، سواء من الداخل أو من مؤسسات مالية دولية رافضة خطة أردوغان للاستقلال الاقتصادي والمالي، حيث من المتوقع مواصلة البنك المركزي ضخ مليارات الدولارات لتلبية احتياجات السوق سواء مستوردين أو قطاع مصرفي أو مسافرين.

نعم، تركيا في أزمة مالية، لكنها ليست في أزمة اقتصادية، وشتان بين الأمرين، وأردوغان، الذي نجح في خفض التضخم عقب وصول حزبه للحكم قبل أكثر من 20 عاما ربما يكون قادراً هذه المرة أيضا على كبح التضخم والهبوط به لمستوى 4%، كما وعد، والقضاء على اضطرابات سوق الصرف، وإعادة الاعتبار للعملة التركية، الليرة، والوصول بالصادرات إلى رقم 250 مليار دولار بنهاية العام الجاري، 2022، ثم إلى 300 مليار دولار في العام 2025.
لننتظر ونراقب.

المساهمون