تركيا تسعى إلى دخول نادي منتجي النفط والغاز

22 مارس 2021
حقل الغاز في مياه المتوسط غيّر مسار أمن الطاقة التركي
+ الخط -

تتزايد مساعي تركيا لتقليل فاتورة استيراد النفط والغاز التي تزيد على 40 مليار دولار سنوياً، لتصويب عجز ميزانها التجاري بعد استخراج حاجتها السنوية، ومن ثم دخول نادي المنتجين والمصدّرين، خلال مئوية تأسيس الجمهورية، المقرر الاحتفال بها في عام 2023، كما يصرّح المسؤولون.

ولم تكتفِ تركيا باكتشافات حقل "تونا" المقدرة طاقته الإنتاجية بنحو 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، في أغسطس/ آب الماضي قبالة سواحل ولاية زونغولداق في البحر الأسود، بل تستعد، وفق ما صرّح به وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، لإرسال سفينة "الفاتح" مطلع إبريل/ نيسان المقبل، للبدء بأعمال تنقيب جديدة عن الغاز الطبيعي في البحر الأسود، معلناً خلال تصريحات، أن منطقة حقل البحث الجديد، سيطلق عليها اسم "أماصرا - 1".

وفي أغسطس/ آب 2020، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن سفينة التنقيب "الفاتح"، اكتشفت أكبر حقل للغاز الطبيعي في تاريخ البلاد بالبحر الأسود، باحتياطي 320 مليار متر مكعب قبالة سواحل ولاية زونغولداق.

وفيما أبدى الوزير التركي ارتياحه لاحترام الجانب المصري حدود الجرف القاري التابع لتركيا، عند فتحها لمنطقة ترخيص جديدة للبحث عن الغاز أمام شركات التنقيب، أكد أن بلاده لديها عمليات تنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط ضمن نطاق جرفها القاري، بعد انتهاء عمليات الصيانة المكثفة، لسفينتي التنقيب "بارباروس" و"ياووز".

وبالسياق ذاته، وبغية تقليل كمية استيراد النفط التي تزيد على 360 مليون برميل سنوياً، تستمر تركيا بعملية التنقيب عن النفط التي بدأتها، بحسب الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، منذ عام 1970، وقد كثفتها عبر مؤسسة البترول التركية "TPAO" بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، وبدأت "بشائر" الاكتشاف والاستخراج منذ عام 2013، ليصل الإنتاج اليومي إلى أكثر من 50 ألف برميل يومياً، لكن الآمال كبيرة على نفط البحر الأسود والمتوسط والحقول المكتشفة في ولايتي سيعرت وديار بكر جنوب شرقيّ تركيا.
ويبيّن الاقتصادي التركي لـ"العربي الجديد" أن عودة سفينة الفاتح مطلع الشهر المقبل، هي تتمة لتسع عمليات حفر في المياه العميقة في البحرين المتوسط والأسود، أجرتها سفينتا "الفاتح" و"يافوز" ولن تتوقف تركيا، برأيه، حتى تكون دولة مصدرة للطاقة، كذلك أدخلت بلاده أخيراً تقنية "التكسير الهيدروليكي"، ويمكنها استخراج النفط الموجود في مسام الصخور على أعماق كبيرة، وهذا ما أكده الاكتشاف في حقلي سيعرت باحتياطي 11.2 مليون برميل، وحقل ديار بكر بحجم 5.2 ملايين برميل، إضافة إلى ستة حقول قديمة مكتشفة منذ عام 2014 في ولاية سيرت.

وحول الآبار المنتجة فعلياً في تركيا، يقول أوزجان أويصال: "يوجد في تركيا، منذ 72 سنة، أهمّ وأقدم حقل منتج للنفط، هو "رامان-8" في ولاية باطمان، وقد زادت الحكومة حجم الاستثمار به خلال العقد الأخير بأكثر من 1.5 مليار دولار، كاشفاً أن الآبار المستثمرة من تركيا بالخارج، تنتج أكثر من 100 ألف برميل نفط يومياً. لكن برأي أويصال، بقدر ما أن اكتشاف الغاز مبشر ويدعو إلى الآمال بالتصدير، تبقى اكتشافات النفط، حتى الآن، أقل بكثير من استهلاك تركيا.

ويقول مليح خان بيلغين، المدير العام لشركة النفط التركية (TPAO)، إن تركيا تستهدف إنتاج 60 ألف برميل نفط يومياً، خلال العام الحالي، مبيناً أن الإنتاج الحالي من النفط بلغ 51 ألفاً و600 برميل، خلال عام 2020. وأشار بيلغين خلال استعراض البرنامج الاقتصادي لشركته، لدى البرلمان التركي أخيراً، إلى أن شركة TPAO جنت عائدات بقيمة 20 مليار دولار إزاء استثمارات بقيمة 15 مليار دولار، خلال الفترة بين عامي 2009 – 2019، بعد التنقيب وإنتاج النفط، في كلّ من جمهورية شمال قبرص التركية، وأذربيجان، والعراق، وأفغانستان.

لكن الآمال التركية، بحسب الخبير النفطي، عبد القادر عبد الحميد، ليست مفروشة بالورود، ففضلاً عن الخلافات واستمرار التوتر في البحر المتوسط، تعتبر تركيا حديثة العهد بهذا القطاع، ولن تبلغ مرحلة التصدير، بعد عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج والنقل والتوزيع، إلا بعد سنوات مع تكاليف استثمارية باهظة. لذا، فالكلام عن التوازن بين الإنتاج والاستهلاك أو حتى التصدير، يعتبر سابقاً لأوانه.
ويشير عبد الحميد في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن تركيا تستورد أكثر من 90% من استهلاكها من النفط والغاز من الخارج، أي "نحو 53.5 مليار متر مكعب ونحو 360 مليون برميل نفط، لتحتل المرتبة الأعلى من حيث الطلب على الطاقة بين دول منظمة التعاون والتنمية".

لكن اللافت في التجربة التركية، أنها استغنت عن سفن وكوادر التنقيب البريطانية المستأجرة، وصنعت سفنها "يافوز والفاتح"، وطورت سفن التنقيب الاهتزازي، كذلك أهّلت الكوادر، وافتخرت العام الماضي، بأن سفينة التنقيب وكادرها تركيان 100%، خلال اكتشاف حقل "تونا" ذي الاحتياطي الهائل (320 مليار متر مكعب).

وستُسهم إمدادات الغاز الطبيعي كثيراً في زيادة أمن الطاقة في تركيا، وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد من روسيا، وتبعاً لذلك، تحقيق الحلم التركي في دخول نادي الاقتصادات العشرة الكبرى ضمن خطة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ويرى خبراء أن التطور في إنتاج النفط والغاز سيعزز مكانة الليرة التركية التي تتعرض لهجمات مستمرة من قبل المصارف الغربية. وفي بعض الفترات، أصبحت الليرة الحلقة الضعيفة في الأمن الاقتصادي التركي التي تستغلها بعض الدول في أوقات الأزمات السياسة.


 

المساهمون