مع معدل عام يبلغ 39 درجة من أصل 100 للعام الرابع على التوالي، لم يسجل أي بلد في المنطقة العربية تحسناً ملحوظاً على مؤشر مدركات الفساد لعام 2021. وتشرح منظمة الشفافية الدولية أن سوء السلوك السياسي الممنهج والمصالح الخاصة التي يتم تحقيقها على حساب المصلحة العامة سمحت بتعرّض المنطقة، التي دمرتها بالفعل صراعات كثيرة طويلة الأمد، لمزيد من الدمار بسبب الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان خلال جائحة كوفيد-19.
ويقول تقرير المنظمة، الصادر اليوم الثلاثاء، إن الإمارات العربية المتحدة (التي حصلت على درجة 68 على مؤشر مدركات الفساد)، وقطر (المرتبة 63)، هما الأفضل أداءً في المنطقة، بينما كانت ليبيا (المرتبة 17)، واليمن (المرتبة 16)، وسورية (المرتبة 13)، التي مزقتها الحرب هي الأسوأ.
أبرز الملامح العربية
وبعد ما يقرب من عقد من احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، لا يزال الفساد السياسي يعيق مكافحة الفساد والتقدم نحو الديمقراطية.
أصبحت تونس (التي حصلت على درجة 44 على مؤشر مدركات الفساد)، والتي أشعلت تلك السلسلة من الاحتجاجات في أوائل عام 2011، مثالاً مؤسفاً على كيفية خسارة المكاسب الديمقراطية، وفق منظمة الشفافية الدولية. "لقد أُغرقت الديمقراطية الواعدة التي أعقبت دكتاتورية استمرت 31 عاماً أخيراً في حالة من عدم اليقين. فقد سيطر الرئيس المنتخب قيس سعيّد على السلطة التشريعية، ممدِّداً بذلك (تجميد) البرلمان التونسي المستمر منذ أشهر. وتشمل التدابير المقلقة الأخرى وضع رئيس البرلمان تحت الإقامة الجبرية، الأمر الذي يضعف آليات المساءلة القائمة ويثير مخاوف بشأن مصير المبلغين عن الفساد"، وفقاً لما ورد في التقرير.
و"بسبب الفساد السياسي والسياسات الحكومية غير الكفوءة بشكل عام، ظل الأردن (المرتبة 49)، عالقاً على الدرجة نفسها منذ خمس سنوات"، وفق تعبير المنظمة. وتشرح الأخيرة أن "ارتفاع معدل التغييرات في المناصب الحكومية والوزارية (أربع تعديلات وزارية في عام 2021 وحده)، جعل مكافحة الفساد صعبة، حيث تضع كل حكومة جديدة أولوياتها الخاصة بدلاً من البناء على عمل سابقاتها".
وخلال جائحة كوفيد-19، ذُكر أن الحكومة أساءت استخدام إجراءات السلامة لانتهاك حريات التجمع والتعبير. وشكّل قانون الأمن السيبراني لعام 2019 أداة حاسمة للحد من هذه الحقوق وتقييد الوصول إلى المعلومات. حتى أن الحكومة لجأت إلى اعتقال وسجن الصحافيين لانتقادهم استجابة الدولة للجائحة، وفق تقرير المنظمة.
انهيار لبنان
في لبنان (المرتبة 24)، تسبب ارتفاع مستويات الفساد السياسي في أزمات متعددة، ومنها الانفجار المأساوي في مرفأ العاصمة عام 2020. حتى قبل هذه المأساة، طالبت الاحتجاجات المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 بإصلاحات منهجية.
وفي أعقاب انفجار بيروت، غرق لبنان في الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي، حيث استمر دون حكومة لمدة 13 شهراً. وقوبلت الاحتجاجات واسعة النطاق من قبل المواطنين اللبنانيين على الفساد السياسي والانهيار الاقتصادي بالاضطهاد والقمع الشديد للحقوق الأساسية من قبل السلطات، حتى مع فشل الطبقة السياسية اللبنانية في معالجة الأزمات المتفاقمة، وفق تقرير المنظمة. "ولذلك ليس من المفاجئ أن يتراجع لبنان، منخفضاً 6 نقاط (من المرتبة 30)، على مؤشر مدركات الفساد منذ عام 2012".
وبحسب منظمة الشفافية الدولية، فإن عدة قوانين صدرت خلال العامين الماضيين لم تصبح حتى قريبة من التنفيذ. كما يعاني لبنان أيضاً من أوجه قصور كبيرة في عمليات المشتريات العامة والشفافية المالية.
في يونيو/حزيران 2021، وفي محاولة لاستعادة الثقة بالحكومة بعد انفجار بيروت، تبنى البرلمان قانوناً جديداً للمشتريات العامة. يحتوي القانون على ثغرات مثيرة للقلق تسمح بعدم الإفشاء بالمعلومات وبتضارب المصالح وبإبقاء أسماء أصحاب الشركات مخفية، من بين ثغرات أخرى مثل عدم إعطاء دور لمنظمات المجتمع المدني.
من بين جميع الشركات في الملاذات الضريبية الآمنة في العالم التي تم الكشف عنها في تسريبات "أوراق باندورا"، تبين أن السياسيين ورجال الأعمال اللبنانيين يمتلكون العدد الأكبر منها – وهو عدد هائل يبلغ 346 شركة. وعلى الرغم من أن التسريبات ذكرت أسماء العديد من الشخصيات العامة والمكشوفة سياسياً، إلا أنه لم يتم إجراء أي تحقيق من قبل السلطات اللبنانية.
الدول التي تراجعت بشكل كبير
الاستخدام الفاسد للعلاقات الشخصية - المعروفة باسم (الواسطة) - يعزز عدم المساواة في جميع أنحاء المنطقة العربية. وفقاً لمقياس الفساد العالمي 2019، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فإن واحداً من كل خمسة مواطنين في الدول العربية دفع رشوة، وأكثر من واحد من كل ثلاثة استخدم العلاقات الشخصية لتلقي خدمات عامة أساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية.
في العراق (المرتبة 21)، تتعرض الجهود المبذولة لتفكيك الفساد الممنهج من قبل نظام حوكمة قائم على تقاسم السلطة أضعفته الطائفية للعرقلة. وقد أدى ذلك إلى تعيين موظفين في مؤسساتهم بسبب الولاء الطائفي والعلاقات الشخصية وليس على أساس الكفاءة.
لم يكن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي تدهور فيها الفضاء المدني والوصول إلى المعلومات أخيراً. وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذه النزعة.
في المغرب (المرتبة 39)، لم يقتصر قانون الطوارئ على حرمان المواطنين من حرياتهم في التنقل والتجمع والكلام فحسب، بل تم استخدامه أيضاً كغطاء قانوني لاستهداف منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين رفعوا الصوت انتقاداً لسوء إدارة استجابة البلاد للجائحة، وفق التقرير.
وكانت مصر (المرتبة 33)، واحدة من الدول الأسوأ أداءً هذا العام، مع قيام السلطات بمعاقبة المعارضة واحتجاز الصحافيين والسياسيين والناشطين. قوبلت الاحتجاجات برد وحشي، بما في ذلك الاستخدام غير القانوني للقوة والاعتقالات الجماعية. ولا تزال حريات التجمع والتعبير مقيدة بشدة في البلاد.