في معظم دول العالم هناك قاعدة شهيرة تقول: (الضرائب مقابل خدمات)، ومن هنا عندما تفكر حكومة ما في فرض ضريبة جديدة فإن أول سؤال يتبادر للذهن ويجب أن تجيب عنه هو: ما الجديد الذي سأقدمه لدافعي الضرائب، وما المبرر الذي أطرحه على الممول لإقناعه أما بفرض ضريبة جديدة أو بزيادة ضرائب قائمة؟
ومن هذا السؤال تتفرع أسئلة فرعية تطرحها الحكومات على نفسها منها: هل سأقدم للمواطن خدمات صحية وتعليمية وتأمينية جديدة ومتطورة، هل سأحسن له شبكة المواصلات والمترو والطرق وغيرها، هل سأنشئ له محطات جديدة لتوليد الكهرباء والطاقة، هل سأرفع المرتبات والأجور للموظفين بالدولة ومعاشات المتعاقدين، هل سأزيد دعم الفقراء ومحدودي الدخل، هل سأحسن من شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء؟
هذه عينة من الأسئلة التي تطرحها حكومات غربية قبل فرض ضرائب جديدة على المواطن، أما في المنطقة العربية، فإن العديد من الحكومات تفرض ضرائب بدون تقديم خدمات جديدة، أو حتى توجيه جزء من حصيلة الضرائب لتحسين الخدمات القائمة، من بنية تحتية وطرق وخدمات، بل يكون الهدف من فرض ضرائب جديدة أو زيادة الضرائب القائمة هو مزيد من جباية الأموال من المواطنين واستنزاف ما تبقى في جيوبهم.
ورغم أن الضرائب تعد واحدة من أبرز بنود إيرادات الموازنة العامة على الإطلاق في دول المنطقة، خاصة في الدول غير البترولية، إلا أن المواطن لا يعرف أين تذهب حصيلة الضرائب التي يسددها بشكل منتظم لخزانة الدولة، وفيما تم إنفاقها.
بل ولا تكتفي حكومات المنطقة بعدم تعريف مواطنيها بأوجه إنفاق الحصيلة، بل "تعايره" من وقت لآخر بأنه بات عبئا وعالة عليها وعلى الخزانة العامة، رغم أن إيرادات الضرائب في دولة مثل مصر مثلا تتجاوز قيمتها 433 مليار جنيه، وهو ما يشكل النسبة الأكبر من الإيرادات الكلية للموازنة.
وفي الجزائر يتجاوز عدد الضرائب المفروضة على المواطن 30 ضريبة تحت مسميات متنوعة، وتأتي في الصدارة الضريبة على القيمة المضافة التي يدفعها أي مواطن مهما كان مستوى دخله، وتقدر نسبتها بـ 17% على جميع المواد الاستهلاكية الكمالية وشبه الكمالية والخدمات المختلفة، مع استثناءات طفيفة بالنسبة لبعض المنتجات الأساسية مثل الحليب والخبز.
ليس هذا فقط، فالمنطقة العربية تسير عكس التيار، ففي الوقت الذي تتنافس فيه الدول الكبرى على خفض الضرائب وتخفيف الأعباء الضريبة عن مواطنيها، تقوم حكومات دول المنطقة بزيادة الضرائب، بل وتبحث بشكل مستمر عن ضرائب جديدة، ما بين قيمة مضافة، كما حدث في مصر والخليج أخيراً، أو فرض ضريبة تصاعدية، أو ضريبة مبيعات، أو ضرائب على السجائر والسلع الاستهلاكية.
وتتبنى العديد من الحكومات الغربية سياسة خفض الضرائب بهدف تشجيع الاستثمار والتخفيف عن المواطن في آن واحد، خذ مثلا بريطانيا وأميركا وغيرها من الدول التي تتجه لخفض الضرائب، فقد نشرت صحيفة ديلي تليغراف، أمس، أن رئيسة وزراء بريطانيا، تخطط لخفض ضرائب الشركات إلى أدنى مستوى بين أكبر 20 اقتصادا في العالم، كما أن ماي قد تخفض ضريبة الشركات إلى أقل من 15% التي تعهد بها دونالد ترامب قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة.
ووعد دونالد ترامب الأميركيين قبل انتخابه بإجراء تخفيضات ضريبية كبيرة في حال فوزه، وحسب برنامجه فإنه سيخفض شرائح الضريبة الاتحادية على الدخل من سبع إلى ثلاث شرائح، وسيخفض الحد الأعلى إلى 33% من 39.6%، كما تعهد بخفض ضريبة الدخل على الشركات وإلغاء الضرائب العقارية، كما وعدت هيلاري كلينتون الناخبين بخفض الضرائب في حال فوزها.
وتتفاخر إيرلندا بأنها صاحبة أقل ضريبة على الشركات العالمية الكبرى في أوروبا.
حكومات الدول المتقدمة تعمل لصالح شعوبها ورفاهيته، أما حكوماتنا فتعمل على تحقيق رفاهيتها هي، حتى ولو جاء ذلك على حساب المواطن الفقير.