تراجع كبير في أسعار الغاز بأوروبا... فهل تهبط تحت الصفر؟

01 يونيو 2023
المخزونات الوفيرة واستمرار الإمدادات تساهم في خفص أسعار الغاز (Getty)
+ الخط -

تراجعت أسعار الغاز في أوروبا إلى أدنى مستوى لها في نحو عامين، حيث فقدت ثلثيها منذ بداية العام الجاري، بدعم من المخزونات الكبيرة واستمرار شحنات الغاز المسال المتدفقة إلى القارة، ما يمنح أوروبا راحة بعد عام من الذعر على خلفية تقلص الإمدادات بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط الماضي.

وتوقع محللون أن تتراجع الأسعار إلى ما دون الصفر في بعض الأوقات خلال الصيف، في سيناريو شبيه بما حدث لأسعار النفط في إبريل/ نيسان 2020 عندما تحولت أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ لتنهي الجلسة عند ناقص 37.63 دولاراً للبرميل مع إقبال المتعاملين على البيع بكثافة في ظل تخمة المعروض وهبوط الطلب وسط تداعيات جائحة كورونا، لكن هذا الاحتمال يبدو، وفق مسؤولين في شركات طاقة عالمية، بعيد التحقق في ظل عوامل عدة تحكم سوق الغاز في أوروبا.

وأدى الجمع بين المخزونات الوفيرة في نهاية شتاء معتدل، والواردات الثابتة من الغاز الطبيعي المسال، وضعف الطلب، إلى ثمانية أسابيع متتالية من الخسائر الأسبوعية في أسعار الغاز الطبيعي القياسية الأوروبية بنهاية الأسبوع الماضي، وهي أطول سلسلة خسائر أسبوعية منذ أكثر من ست سنوات، وفق نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة.

وتراجعت العقود الهولندية الآجلة القياسية لثمانية أسابيع متتالية إلى ما دون 25 يورو لكل ميغاواط/ ساعة، وهو أقل مستوى منذ مايو/ أيار 2021. ويتناقض اتجاه الأسعار حالياً بشكل صارخ مع العام الماضي، عندما ارتفعت الأسعار القياسية إلى ما يصل إلى 322 دولاراً لكل ميغاواط/ ساعة في أغسطس/ آب 2022، بعدما خفضت روسيا الإمدادات عبر خطوط الأنابيب، ما أصاب الحكومات والصناعة بالفزع بسبب النقص المحتمل في الغاز خلال الشتاء.

وتمكنت أوروبا من تجاوز شتاء 2022/ 2023 دون نقص في الغاز. وحالياً، مخزونات الغاز مرتفعة بشكل مريح في هذا الوقت من العام. واعتباراً من 24 مايو/ أيار الماضي، كانت مواقع تخزين الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي ممتلئة بنسبة 66.71%، وفقاً لبيانات رابطة "غاز إنفراستركتشر يوروب" المعنية بمصالح مشغّلي البنية التحتية للغاز الأوروبي. ومستوى مخزون الغاز حالياً هو الأعلى في هذا الوقت من العام منذ عقد على الأقل.

وتوقع بعض المتداولين انزلاق الأسعار إلى المنطقة السلبية في وقت ما من الصيف الجاري، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية. وفي هذا الصدد، قال جورج زاكمان، المحلل في مركز الأبحاث "بروغل" في بروكسل، إن هبوط الأسعار يمثل "أنباء ممتازة لأوروبا ويثبت أن زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال وأيضاً تقلص الطلب نجحا سريعاً في موازنة السوق الأوروبية بعدما قطعت روسيا إمداداتها".

لكن بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس أشار إلى أن تراجع الأسعار قد يؤدي إلى عودة الطلب من محطات الطاقة على الغاز بدلاً من الفحم الذي جرى اللجوء إليه، ما يضع حداً لهبوط الأسعار.

وذكر البنك في مذكرة، نهاية مايو/ أيار، أن الأمور يمكن أن تتحول بسرعة إذا ارتفع الطلب في موجات الحر الصيفية، والتي يمكن أن تعطل توليد طاقة الرياح، كما يمكن للعملاء الصناعيين أيضاً البدء في استخدام المزيد من الغاز إذا استمرت الأسعار في الانخفاض، وهو ما يدعم الأسعار في النهاية".

وأضاف غولدمان: "يؤدي تعافي الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي المسال أيضاً إلى ارتفاع الأسعار الأوروبية، حيث سيتعين على أوروبا التنافس مع آسيا على الشحنات الفورية".

وتراقب السوق عن كثب طلب الصين على الغاز، إذ ربما تنخفض أسعار الغاز الأوروبية أكثر وتصل إلى أقل من 20 يورو للميغاواط/ ساعة، إذا ثبت أن هناك ضعفاً شديداً في واردات الغاز الطبيعي المسال الصينية، وفق المحللين في شركة استشارات الطاقة "إنرجي أسبكتس".

بينما يرى محللون في قطاع الطاقة أن الأسعار المنخفضة الحالية لا تؤدي إلى زيادة الطلب الصناعي، الذي هبط العام الماضي أثناء ارتفاع تكاليف الطاقة. ويعد أحد أكبر التساؤلات بالنسبة لمتداولي الغاز هو عما إذا كان هذا الطلب سيعود ومتى، في محاولة منهم لتحديد قاع السوق.

تعليقاً على ذلك، قالت بريندا شافر، وهي زميلة بارزة في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن، لـ"بلومبيرغ"، إن "دمار الطلب تعبير ألطف من انهيار القطاع الصناعي.. على خلفية أسعار الطاقة المرتفعة في أوروبا، تعرضت العديد من الصناعات، خاصة كثيفة الاستهلاك للغاز، إما للانهيار أو الانتقال لخارج أوروبا"، وأضافت أن "هذه الصناعات لن تعود حتى لو هبطت أسعار الطاقة".

وتحولت أوروبا إلى الغاز المسال بصورة كبيرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في محاولة لتعويض واردات خطوط الأنابيب من الغاز الروسي المنقطع بسبب الحرب والعقوبات. وظهرت صادرات الغاز المسال الأميركي على سطح المشهد الأوروبي بوصفها بديلاً رئيسياً لغاز الأنابيب.

واستطاعت أميركا أن تتصدّر قائمة مصدري الغاز المسال إلى أوروبا في مدة وجيزة، بسبب جاهزية البنية التحتية للتصدير في البلاد وتحسينها بصورة كبيرة منذ عام 2016.

كما سعت أوروبا جاهدة خلال تلك الفترة لبناء مصادر طاقة متجددة أكثر، لذا ساعدت مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة والظروف الجوية الجيدة في تقليل الحاجة إلى الغاز لتوليد الكهرباء خلال العام الحالي، وبالتالي خفّ الطلب أكثر.

المساهمون