يرى المستثمر السوري عبد المجيد عاشور، أنّ السوريين، وبعد معرفتهم السوق وطبيعة العمل في تركيا، حجزوا أماكن لهم فيها، وباتت لهم نسبة من المبيع والتجارة والتشغيل، بما فيها التركية، وقال: "كنا معفيين من تشغيل العمالة التركية بالبداية لكننا نشغلها اليوم".
ويلفت المستثمر السوري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ عام كورونا بدّل كثيراً من واقع العمال السوريين، لكن أرباب العمل والمستثمرين، لم يهاجروا أو يقفلوا منشآتهم "رغم الخسائر" واليوم، عاد السوريون برأيه إلى النشاط، بل وتميزوا بأعمال كثيرة، تجارية وصناعية ومهن حرة بالأسواق.
وحول استهلاك الأتراك للمنتج السوري، يؤكد عاشور أنه ببداية الإنتاج، والغذائي خاصة، لم يكن الأتراك يستهلكون المنتج السوري، ولكن مع الاستمرار والتأكد من جودة المواصفة وتنافسية السعر، زاد استهلاك الأتراك للخبز السوري وتضاعف ارتيادهم المطاعم السورية، بل أنّ بعض الصناعات، كالألبسة والأحذية، باتت مطلوبة من الأتراك اليوم.
وتبدلت خارطة وقطاعات عمل السوريين في تركيا، بعد أن بلغت ذروتها عام 2018 بنحو 1.17 مليون مطلع عام 2018، ليدخلوا ميادين التجارة وتأسيس الشركات والتوجه إلى متابعة التحصيل العملي، بعد معرفتهم طبيعة السوق التركية والآثار التي أحدثها وباء كورونا العام الماضي.
وقالت منظمة العمل الدولية (ILO)، في تقرير نشرته وسائل إعلامية تركية قبل أيام، إنّ العمالة السورية التي بلغت ذروتها في الربع الأول من عام 2018، بدأت في الانخفاض بمعدل 66.9% في عام 2020، بسبب انتشار وباء كورونا في البلاد.
ويشير تقرير المنظمة الدولية إلى أنّ صناعة الملابس لم تعد القطاع الرئيسي الذي يوفر فرص العمل للاجئين السوريين، فقد تضاعفت حصة التجارة والضيافة في العمالة السورية، منذ عام 2014، مؤكداً أنّ الأنشطة الصناعية الأخرى وقطاعي الزراعة والتعليم تكتسب مكانة تدريجية لدى السوريين.
وحول متوسط أجور السوريين، بيّن التقرير أنه كان يتوافق مع الحد الأدنى للأجور بين عامي 2016 و2020، إذ كان يحصل العامل السوري في تركيا على 1500 ليرة تركية، عام 2016، إلا أنه ارتفع إلى 2500 و2800 ليرة تركية العام الماضي، بما يتوافق مع الحد الأدنى للأجور (الدولار= 11.85 ليرة اليوم).
لكن متوسط وقت العمل للاجئين السوريين في تركيا، انخفض بنحو 40% نهاية عام 2020، إذ كان 82.2% من العمال السوريين يعملون لفترة أطول من 45 ساعة عمل في الأسبوع، وفي عام 2019 انخفض هذا الرقم إلى 65.2%، إلا أنه هناك ما يزيد على 10% منهم يعملون أكثر من 60 ساعة في الأسبوع.
وعزت المنظمة الدولية تراجع نسبة عمالة السوريين العضلية، بعد ذهاب 40% من اللاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً إلى المدرسة والجامعة، بينما يعمل ما يقرب من 80% من الرجال وأكثر من 40% من النساء في نفس الفئة العمرية، وفي حين نسبة مشاركة الذكور السوريين في القوى العاملة مماثلة لتلك الخاصة بالذكور الأتراك، إلا أنّ نسبة مشاركة الإناث السوريات في القوى العاملة أقل بكثير من نسبة مشاركة الإناث التركيات.
وامتاز السوريون بتركيا بالمهارة وتفوقوا على الأتراك ببعض المهن، إذ تشير رئيسة بلدية غازي عنتاب، فاطمة شاهين، إلى أنّ السوريين "ماهرون للغاية في عدد من القطاعات نظراً لمعرفتهم اللغتين العربية والإنكليزية جيداً".
وتابعت شاهين، خلال تصريحات صحافية: "بينما نحن جيدون في صناعة الأحذية الرجالية، كان السوريون أفضل منا في صناعة الأحذية النسائية، فهم لعبوا دوراً نشطاً في التجارة الدولية وفتح أسواق جديدة في مدينتنا"، مشيرة إلى أنّ "السوريين أسسوا نحو900 شركة مسجلة في غرفة التجارة بولاية غازي عنتاب، أنشأت الغرفة قسماً خاصاً بالسوريين ضمن هيكلها".
ويرى صاحب منشأة الصناعات الدوائية ناجي الحلبي، أنّ السوريين "ليسوا عالة على الاقتصاد التركي كما يروّج البعض وتتاجر أحزاب تركية، بل هم مهرة ومنتجون وفرضوا نمطهم الإنتاجي والاستهلاكي بالسوق التركية عامة".
ويشير الحلبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "النسبة الأكبر من إنتاج شركته مخصص للتصدير"، موضحاً أنه يطرح منتجه بالسوق التركية وينافس الإنتاج المحلي، معترفاً بالوقت نفسه، بأنّ المناخ وشروط العمل التي وفرتها تركيا للسوريين "قلما قدمتها دولة أخرى، فالسنوات الأولى لهجرة السوريين، امتازت بإعفاءات وميزات أكثر مما يناله الأتراك أنفسهم".
وحول التزام السوريين بالضرائب، بعد "فترة الدلال التركية"، يؤكد الحلبي، أنّ "المنشآت السورية تدفع ضرائب كما التركية، بل وبعض السوريين لا ينالون المساعدات والدعم الذي يتلقاه الأتراك"، لافتاً إلى "الشراكات بين السوريين والأتراك والتي أدت إلى تسهيل انسياب السلع للمناطق العربية والداخل السوري المحرر".
ويبلغ عدد السوريين في تركيا، بحسب آخر إحصاء أجرته المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية الحكومية، الشهر الماضي، 3 ملايين و715 ألفا و913 شخصاً خاضعين للحماية المؤقتة. ويتوزعون على ولاية إسطنبول بنحو 532 ألفاً و726، وغازي عنتاب 457 ألفاً و890، في حين تضم ولاية هاتاي 436 ألفاً و861 شخصاً.
وبحسب دراسات تركية ومراكز أبحاث سورية، تتنوّع القطاعات التي يعمل فيها السوريون، إذ تشير منظمة العمل الدولية إلى أنّ 48.2% منهم يعملون في قطاع التصنيع، بينهم 31.1% يعملون في قطاع الألبسة، ويعمل 21.3% من العمالة في قطاع الإنشاءات، و17.7% في قطاع التجارة والضيافة (يعمل 35.7% من إجمالي العاملين في هذا القطاع في تجارة التجزئة، و30.1% في قطاع الطعام، 34.2 في قطاعات أخرى)، في حين يعمل 7.8% من السوريين في الزراعة، و1.4% في قطاع النقل والاتصالات، و2.7% في قطاع التعليم، و1.1% في قطاع الصحة.
كما تشكل العمالة السورية 2.9% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي وفقاً لإحصائيات الحكومة التركية، لكن تواجد العمال السوريين، غلب على القطاع غير الرسمي، لا سيما في قطاعات الورشات الصناعية والملابس والأحذية التي استوعبت ما يزيد عن نصف العمالة السورية، يليها قطاع الإنشاءات، ثم قطاع الشركات والمحلات التجارية، ثم قطاع الأعمال الحرة، ثم في قطاع المطاعم والمخابز السورية، ويتوزع البقية في قطاعات عمل متفرق كصيانة السيارات، والعمل في نقل وبيع الفحم، والزراعة والإعلام والتعليم وغيرها بنِسَب بسيطة.
وتشير دراسة حديثة أصدرها "مركز الحوار السوري"، بعنوان "العمالة السورية في سوق العمل التركي"، إلى أنّ العمالة السورية تعرضت لحالة من الاستغلال في مجال العمل، سواءٌ من أرباب العمل السوريين أو الأتراك، إذ تشير النتائج إلى أنّ 92% من العمال السوريين من الشريحة المدروسة يعملون أكثر من 8 ساعات عمل يومياً (45 ساعة عمل أسبوعياً)، بينهم 59% يعملون لما يزيد عن 65 ساعة أسبوعياً، دون الحصول على تعويض مالي يتناسب مع العمل الإضافي، أو الحصول على حد مقبول من الإجازات أو الحقوق القانونية.
ومع ظروف العمل الطويلة والشاقة يتلقى 75% منهم رواتب أقل من الحد الأدنى من الأجور والبالغ 2825 ليرة تركية، حيث يتقاضى 50% منهم متوسط أجور شهري يتراوح بين 1500-2500 ليرة تركية، فيما يتقاضى 25% رواتب تزيد عن 2500 ليرة، إذ لم تعد تتناسب معدلات الرواتب مع ساعات العمل الطويلة، إلا أنّ حيازة ملكات لغوية متقدمة يمكن أن تزيد فرصة الحصول على راتب أعلى في بعض الأحيان.
وفي الوقت الذي تتعالى حملات العنصرية على السوريين واتهامهم بزيادة نسبة البطالة و"سرقة عمل الأتراك"، يؤكد تقرير اتحاد الغرف وبورصات السلع في تركيا، أنّ عدد الشركات التي أُسّست في تركيا مع شركاء سوريين خلال الربع الأول من العام الحالي بلغت 124 شركة، برأسمال يبلغ 58.7 مليون ليرة تركية.
وسبق لوزارة التجارة التركية أن أعلنت، العام الماضي، أنّ عدد الشركات المملوكة لسوريين في تركيا بلغ 13880 شركة، بنسبة 2% من الشركات المملوكة للأجانب في البلاد، وأنّ أغلب تلك الشركات تعمل في مجالات البناء، والمنتجات الغذائية، والملابس واستئجار العقارات.
وتتركز شركات السوريين، بحسب تقرير لمؤسسة أبحاث سياسات الاقتصاد التركية، في مقاطعات جنوب وجنوب شرق تركيا، على طول الحدود التركية - السورية، مقدراً مشاركة السوريين في الاقتصاد التركي بحوالي 500 مليون دولار، بالإضافة إلى فرص العمل التي يوفرونها لكل من السوريين والأتراك.
وكانت ساري أيدن، النائبة عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، ورئيسة "الرابطة الدولية للهجرة واللاجئين"، قد أشارت إلى أنّ رجال الأعمال السوريين ساهموا بتوفير 100 ألف وظيفة، إثر استثماراتهم والتي لا تزيد نسبة دعم الدولة لها، عن 17% "معظمهم جلبوا أموالهم معهم".
كما عارض مدير عام شركة "إيجا إش" التركية، نوري دوغان، متهمي السوريين في تركيا، بزيادة نسبة البطالة والفقر، بقوله "لن تجد الشركات موظفين لتشغيل مصانعها إن هاجر السوريون"، مضيفاً، في تصريحات نقلتها صحيفة "خبر ميترو"، "نعلن عن حاجتنا إلى مهندس فيتقدم 1000 شخص، ولا يوجد شخص واحد يأتي من أجل الأعمال المهنية، في حين نرى الشركات تجد الحل في المهاجرين السوريين".
وأيّد مدير عام شركة "إيجا إش"، ما أعلنه مسؤولون أتراك، عن أهمية دور نحو 3.7 ملايين سوري في دعم الاقتصاد التركي، وتنشيط الأسواق وقطاعات الصناعة والبناء والزراعة.