تراجعت أسعار النفط... فمتى تنخفض تكلفة الوقود؟

16 سبتمبر 2024
محطة وقود في مصر، 26 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تراجع أسعار النفط وتأثيره**: منذ ديسمبر 2021، تراجعت أسعار النفط، مما أفاد الدول المستوردة مثل الهند والصين. هذا التراجع جاء بعد ارتفاع كبير بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، مما أثار تساؤلات حول دور أميركا والغرب في التحكم بالأسعار.

- **تحديات الدول النفطية العربية**: تعاني الدول النفطية العربية من غياب استراتيجيات تنويع اقتصادي، مما قد يؤدي إلى عجز في الميزانيات وإجراءات تقشفية أو الاستدانة، رغم الفوائض المالية السابقة.

- **دور المواطن العربي**: المواطن العربي يعاني من تقلبات أسعار النفط دون استفادة من انخفاضها، مع استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما يثير تساؤلات حول سياسات الطاقة الحكومية.

قبل أقل من أسبوع، تراجعت أسعار النفط لأدنى مستوى منذ ديسمبر 2021، والمتابع لأسعار الخام الأسود يلحظ أن السوق الدولية تشهد لأسعار النفط حالة من التراجع على طوال شهور 2024 الماضية، وهي بلا شك في صالح الدول المستوردة للنفط، سواء كانوا كبار المستوردين للأغراض الإنتاجية، مثل الهند والصين، أو للدول المستهلكة بحكم قلة مواردها النفطية، مثل العديد من الدول النامية.

وكانت قفزات أسعار النفط التي شهدتها أسواق الطاقة، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط 2022، قد أدت إلى موجة من التضخم على الصعيد العالمي، وما زالت بعض الدول تعاني من آثارها.

وعلى الرغم من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ودخول حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعب غزة لما يقرب من عام، والأحوال غير المستقرة لإنتاج النفط في ليبيا، فإن أسعار النفط، كما تظهرها السوق، يوم الجمعة الماضية، متدنية عند 71.6 دولاراً للبرميل لخام برنت، و68.8 دولاراً للبرميل للخام الأميركي.

فهل نجحت خطة أميركا والغرب في تبريد أسعار النفط، لمواجهة موجات التضخم العالمية من جهة، ومن جهة أخرى إفساد مخططات روسيا للإفادة من أسعار النفط المرتفعة، وبالتالي مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها؟ أم أن انخفاض أسعار النفط ناتج عن حالة التعافي الهش في العديد من الدول الاقتصادية الكبرى؟

المرجح أنّ أميركا، عبر امتلاكها العديد من أدوات التحكم في صناعة النفط، استكشافاً وإنتاجاً وتوزيعاً، سعت وتحقق لها وضع أسعار النفط عند هذه المعدلات المنخفضة، لمواجهة التضخم، ومن ناحية ثانية تعويض مخزوناتها الاستراتيجية التي لجأت إليها إبان عامي 2022 و2023.

الدول العربية وغياب الاستراتيجية

لسنوات، شهدت أسعار النفط في السوق الدولية، عمليات صعود وهبوط، وفي كل مرة نسمع تصريحات المسئولين بالدول النفطية العربية، عن توجههم نحو استراتيجيات التنوع الاقتصادي، وأنهم يهدفون إلى تخفيف حدة الاعتماد على العوائد النفطية، وعادة ما تكون هذه اللهجة في حالة هبوط الأسعار.

إلا أن الواقع أثبت أن هذه التصريحات ليس لها نصيب على أرض الواقع، فما زالت عوائد النفط، هي المكون الذي لا يستغنى عنه في الواقع المالي للدول العربية النفطية، فمع كل ارتفاع وانخفاض لأسعار النفط في السوق الدولية، نجد له صدى في ميزانيات تلك الدول، من حيث الفائض أو العجز.

وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في إبريل 2024، فإن السعر العادل لميزانيات الدول النفطية العربية في عام 2024، هو 125.7 دولاراً للبرميل في كل من الجزائر والبحرين، ونحو 96 دولاراً في السعودية، و93.8 دولاراً في العراق، و83.5 دولاراً في الكويت، أما ليبيا وسلطنة عمان والإمارات وقطر، فإن تقديرات صندوق النقد تذهب إلى أن السعر العادل فيها، هي على التوالي: 66 دولاراً، و58 دولاراً، و56 دولاراً، و43 دولاراً، وإن كانت سلطنة عمان قد قدرت سعر البرميل عند 60 دولاراً في عام 2024، ومع ذلك ستعاني من عجز ميزانيتها في هذا العام.

ومن خلال مطالعة البيانات الخاصة بتقديرات صندوق النقد، ومقارنة واقع أسعار النفط في الأسواق الدولية في سبتمبر 2024، والتقديرات المستقبلية بنهاية العام وخلال عام 2025، نجد أن كلاً من الجزائر والبحرين والسعودية والعراق والكويت، سوف تعاني ميزانياتها من عجز كبير، وهو ما يعني توجه هذه الدول لاتباع إجراءات تقشفية، أو اللجوء للاستدانة.

فدول الخليج مثل السعودية والكويت وكذلك العراق، سبق وأن لجأوا للاقتراض عبر سوق السندات الدولية، بينما الجزائر ما زالت تعتمد على أرصدتها من احتياطيات النقد الأجنبي، إلا أنه ثمة تلميحات لإمكانية اللجوء لنصائح المؤسسات المالية الدولية، بتنفيذ برنامج للخصخصة بالجزائر، وكذلك إمكانية الاقتراض من الخارج.

أيضاً نلحظ أن الدول النفطية العربية، وبخاصة الخليجية، استفادت بشكل كبير من ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة من 2019 – 2023، باستثناء عام 2020 الذي واجه العالم فيه جائحة كورونا، وحققت العوائد النفطية للدول العربية النفطية، فوائض في ميزانياتها، وزيادة أرصدة احتياطياتها من النقد الأجنبي، وكذلك المزيد من الأصول المالية بصناديقها السيادية.

إلا أن الملحظ السلبي في الحالة السعودية، أنها على الصعيد المالي، تتجه نحو الاستدانة الخارجية والتوسّع فيها، وكذلك التفريط عبر الخصخصة في أهم أصولها المالية "شركة أرامكو"، والدخول في توسعات ومشاريع استثمارية قد لا تناسب الوضع الاقتصادي لها.

العرب خارج معادلة النفط

ارتفع سعر النفط أو انخفض، فهو سلعة استراتيجية، ولكن من يتحكم فيها ويستخدمها في معادلة السياسة الدولية، كما تفعل العديد من الدول والقوى السياسية؟ إنها الدول الكبرى، وبخاصة أميركا والغرب، بينما الدول العربية، نصيبها العوائد المالية فقط، والتي تؤول في النهاية ليستفيد منها الغرب وأميركا، ومؤخراً بعض دول آسيا، فسوق النفط في الأصل هي سوق مستهلكين، والمنتجون أصبح دورهم ثانوياً، منذ أدركت القوى الكبرى دور النفط في الحقبة الحالية، إبان أزمة النفط في عام 1973.

ويبقى السؤال الذي لن نجد له إجابة جماعية، ليعبر عن مشاركة مجتمعية، ماذا ستفعل الدول النفطية العربية لإدارة أوضاعها الاقتصادية في ظل انخفاض أسعار النفط خلال الفترة القادمة؟

هناك تجمع "أوابك" الذي يضم الدول العربية المصدرة للنفط، ولا يُسمع له صوت لا في السراء ولا في الضراء، والمفترض أن يقود هذا التجمع أداء الدول العربية المصدرة للنفط، ووضع الاستراتيجيات، وبخاصة ليجعل من الدول العربية المصدرة للنفط فاعلاً مؤثراً على خريطة القوى الاقتصادية الإقليمية والدولية.

تحول تجمع "أوابك" إلى مجرد مؤسسة لديها بعض الموظفين والخبراء، ينتجون مجموعة من النشرات والتقارير، التي لا تمثل انفراداً أو سبقاً عما تنتجه مؤسسات أخرى، مثل منظمة "أوبك" أو وكالة الطاقة الدولية، بل الأدهى أن ما تنتجه "أوابك" مجرد إعادة استخدام لبيانات المؤسسات الأخرى.

المواطن يدفع الثمن فقط

في حالة ارتفاع أسعار النفط بالسوق الدولية، يجد المواطن العربي نفسه مطالباً بتحمل تكلفة هذه الزيادة، بينما في حالة تراجع الأسعار، لا يعود ذلك عليه بشيء إيجابي متمثل في خفض الأسعار داخل الأسواق، أو تراجع معدلات التضخم.

ففي البلدان المستوردة للنفط، ترتفع أسعار العديد من السلع والخدمات فور ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وفي مقدمتها مشتقات الوقود من بنزين وسولار، ومن عجب أنه في حالة تراجع أسعار النفط كما هو الحال الآن، لا يتراجع العجز في ميزانيات الدول المستوردة للنفط، ولا تنتهي مديونياتها الداخلية أو الخارجية، فيجد المواطن أنه محمل بأعباء الضرائب من أجل سداد الديون، وكذلك مواجهة موجات التضخم.

أضف إلى ذلك حديث الحكومات عن جهودها في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، عبر المساعدات الخارجية أو تخصيص جزء مهم من موارد الدول العربية، ومع ذلك لا يجد المواطن العربي أثراً لتلك الجهود في تحسين مستوى معيشته، أو تخفيف أعباء تكاليف الطاقة. كذلك، الغبن الذي يقع على المواطن العربي، تجاه أسعار الطاقة، بسبب ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط، بسبب غياب مشاركته في وضع سياسات التسعير، أو الاستخدام، أو الإنتاج، أو الاستهلاك، هو مطالب فقط بأن يدفع، دون أن يكون شريكاً أو مراقباً أو مقيماً لسياسات أو استراتيجيات الطاقة في بلاده.

ختاماً: تتكرر الأزمات في الدول العربية، ومن بينها تكرار عمليات صعود وهبوط أسعار النفط، ولا نجد أداءً مختلفاً في كل مرة عن سابقتها، فمتى تتعلم الحكومات والشعوب الدرس؟

المساهمون