يتوسط الفلسطيني سامي بدوان، ورشته الكائنة في شارع يافا، شمالي مدينة غزة، لحث العُمال على إتمام عملهم في صناعة مقاعد الكَنَب المنزلي لتسليمها لأصحابها، وقد بدا الضجر واضحاً عليه بفعل تفاقُم واقع صناعة الأثاث في قطاع غزة، بفعل تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية والصعوبات التي تعترض عمليات التشغيل والبيع والشراء.
وأدى الحصار الإسرائيلي، والذي فُرض على قطاع غزة، منتصف عام 2007، إلى التأثير على مختلف نواحي الحياة، وفي مقدمتها الناحية الاقتصادية، والتي أثرت بدورها على مختلف القطاعات التجارية، والزراعية، والصناعية، وكان لصناعة الأثاث النصيب الأكبر من التأثُر السلبي، والذي أدى إلى تراجع نسبة مشاركتها في الناتج المحلي من 6% إلى 1% فقط.
وجاء القرار الإسرائيلي الأخير، والمتمثل في منع تسويق الأثاث المصنوع في قطاع غزة، داخل مُدن الضفة الغربية، ليكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، حيث فاقم الأوضاع الصعبة أصلاً، وتسبب بشلل في الحركة الإنتاجية زاد عن 80%، إلى جانب إغلاق مصانع بأكملها، وتسريح العاملين فيها.
ويوضح النجار سامي بدوان، والذي يعمل في منجرته الخاصة برفقة أبنائه الأربعة، وثلاثة عُمال آخرين، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع العام صعب نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتواصل الممارسات الإسرائيلية ضد مختلف مكونات الاقتصاد الفلسطيني وآخرها منع تصدير الأثاث خارج القطاع.
ويُبين بدوان أن "الممارسات الإسرائيلية، والتي أنهكت المواطنين، أعدمت الأفق، أو إمكانية تطوير المشاريع، وأدت إلى تحويل العمل في قِطاع النجارة، وصناعة الأثاث إلى عمل موسمي، في الأعياد والمُناسبات المتفرقة، والتي يستغلها النجارون لتسديد التزاماتهم، ومصاريفهم التشغيلية، ومصاريفهم الشخصية، إلى جانب مُستحقات العُمال، وايجارات الورش المُرتفعة، والتي تُمثل "عبئاً إضافياً إلى جانب الضرائب والعقبات من طرفي الانقسام الفلسطيني".
من ناحيته، يُبين رئيس اتحاد الصناعات الخشبية في قطاع غزة وضاح بسيسو أن الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، خَلق نتائج كارثية على الاقتصاد الفلسطيني، وقطاع الصناعات الخشبية، والذي "كان يساهم بنحو 6% من الناتج المحلي الخاص بالصناعات الفلسطينية، وقد وصل في السنوات الأخيرة بفعل السياسات الإسرائيلية وتأثر الواقع الاقتصادي إلى نسبة تتراوح بين 1 إلى 1.2% من الناتج المحلي".
ويلفت بسيسو لـ "العربي الجديد" إلى أن أبرز النتائج الكارثية التي تعرض لها قطاع الصناعات الخشبية والأثاث يتمثل في قرار الاحتلال الإسرائيلي القاضي بمنع تصدير الأثاث من قطاع غزة إلى الأسواق الخارجية، لادعاءات أمنية.
ويُبين بسيسو أن نحو 10% إلى 15% من صناعة الأثاث كانت تستهدف الاستهلاك المحلي في قطاع غزة، بينما كان التسويق لمُدن الضفة الغربية يُقدر بنحو 85% إلى 90% من الناتج الشهري للمصانع التي تعاني بالأساس نتيجة الركود الاقتصادي العام.
ويوضح أن قطاع الصناعات الخشبية بدأ يواجه الأزمات منذ بداية الحصار الإسرائيلي عام 2007، إذ تم منع التصدير بشكل مُطلق، فيما بدأ بالعودة التدريجية للتصدير مع حلول عام 2015، بنسبة لم تتجاوز 10% من قيمة الصادِرات التي كانت قبل فرض الحِصار الإسرائيلي، ما أدى إلى إغلاق المصانع، والتي كانت تُقدر بحوالي 750 منجرة ومصنعاً، وكانت تُغطي حاجة الأسواق المحلية، علاوة على تصدير نحو 80% من مُنتجاتها للأسواق الخارجية.
ويُنبه بسيسو إلى أن الحاجة التشغيلية لتغطية مصانع الأثاث والموبيليا في السابق، والتي كانت تستوعب ما يُقارب من 11 ألف عامل، انخفضت، وتم تسريح الكثير من العُمال، لانخفاض عدد المناجر (الورش) إلى نحو 450 منجراً، بسبب تأثيرات الحِصار، والخسائر المادية الكبيرة، إلى جانب التدمير المُباشر جراء الحروب الإسرائيلية المُتتالية على غزة.
وعن الفارق بين صادِرات قطاع الأثاث قبل فرض الحصار وبعده، يقول بسيسو إن "التصدير الطبيعي قبل فرض الحصار الإسرائيلي كان يُساهم بخروج نحو 150 شاحنة محملة بالأثاث، بتكلفة تصل إلى نحو 3 ملايين دولار أميركي شهرياً، وهي النسبة الشهرية التي لم يحظَ بها القائمون على هذا القطاع بعد ذلك على مدار العام".
ويلفت رئيس اتحاد الصناعات الخشبية إلى أن فتح المجال أمام الصناعات الفلسطينية للعودة إلى أسواقها التقليدية في الضفة الغربية يُعتبر من الخطوات الجيدة والتي تعمل على دعم وتطوير الصناعة في قطاع غزة، لتوفير الفرص التشغيلية.
في الإطار، يُبين المدير العام للسياسات في وزارة الاقتصاد الوطني أسامة نوفل أن قطاع غزة لديه قدرة تنافسية جيدة في صناعة الأثاث ومنتجاته، وتُلاقي استحسان المُستهلكين، فيما كان يُصَدِّر خلال الفترات السابقة كميات جيدة، وقد تم التوقيع مع دول أوروبية لاستيراد الأثاث والأخشاب والخيزران، وهي مكونات أساسية لهذه الصناعة.
وأوضح نوفل لـ "العربي الجديد" أن الفترة الماضية شهدت ازدهار صناعة الأثاث بشكل جيد، وقد فُتحت مئات المصانع والورش في المنطقة الصناعية، وبدأ بعضها يعمل لإنتاج الكميات التي تُغطي حاجة الاستهلاك المحلي، والجزء الآخر لتغطية احتياجات التصدير إلى العالم الخارجي والتي تزيد عن 80%.
يلفت رئيس اتحاد الصناعات الخشبية إلى أن فتح المجال أمام الصناعات الفلسطينية للعودة إلى أسواقها التقليدية في الضفة الغربية يُعتبر من الخطوات الجيدة
ويشير نوفل إلى أن صناعة الأثاث مرت بالعديد من التحديات، والتي بدأت مع بداية الحصار حتى عام 2017، والذي شهد ضغوطاً من القطاع الخاص، على الجانب الإسرائيلي من خلال الرُباعية الدولية، والمانحين، من أجل أن يتم إدراج صناعة الأثاث ومكوناته ضمن التسهيلات، والسلع المسموح بتصديرها للخارج، وقد نجحوا في ذلك على مدار السنوات الأربع الماضية، حيث تراوح حجم الصادرات في عام 2022 الماضي، وحتى الرُبع الأول من عام 2023، من 3.5 إلى 4 ملايين دولار أميركي.
أما بخصوص القرار الإسرائيلي القاضي بمنع تصدير الأثاث للخارج، واقتصار الصناعة على الاستهلاك المحلي المحدود في ظل المنافسة العالية من المنتجات المستوردة، فيوضح نوفل أنه تسبب بخسائر طائلة، وبإغلاق العديد من المصانع أبوابها.
في المقابل اتجهت مصانع وورش أخرى للعمل بطاقة إنتاجية منخفضة، وفق حديث نوفل الذي قال إن التخوف ما زال قائماً بأن يستمر المنع، خاصة أن المصنع الذي اتخذه الاحتلال ذريعة لفرض القرار توقف عن العمل، بمعنى أن استمرار فرض القرار ليس سوى وسيلة لمواصلة الحصار الاقتصادي على القِطاع.