تداعيات سلبية لطول أمد الحرب في غزة على اقتصاد السعودية

05 نوفمبر 2023
تراجعت البورصة السعودية 3.31% في أكتوبر مقارنة بسبتمبر (Getty)
+ الخط -

يتصاعد تفاقم التداعيات الاقتصادية لطول أمد الحرب في غزة على الاقتصاد السعودي، في الوقت الذي تنشد فيه المملكة جذب الاستثمارات لتمويل مساعيها الطموحة وفق رؤية 2030، التي تتضمن تحويل الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد الرئيسي على إيرادات النفط.

وتستهدف الرؤية إنشاء صناعات جديدة، وتوليد فرص عمل للمواطنين، وجذب رأس المال والمواهب الأجنبية، وهي مهمة أصبحت أكثر صعوبة مع انخفاض إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي في الربع الثاني من هذا العام.

ولهذه التداعيات تأثير إيجابي لقطاع النفط في المملكة، أبرزه ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فقد وصل سعر خام برنت إلى 95 دولارا للبرميل في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بزيادة 15% عن سعره قبل اندلاع الحرب، قبل أن تتراجع في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، أول من أمس الجمعة، إلى أقل من 90 دولارا للبرميل.

ويعني ارتفاع أسعار النفط للسعودية تحقيق عائدات أعلى من صادرات النفط، لكنها ستواجه، في المقابل، تكاليف أعلى لاستيراد السلع والخدمات الأخرى، تضغط على الميزانية والتوازن الاقتصادي، وفق أحدث تقديرات البنك الدولي.

وسادت حالة من التشاؤم بين كبار الممولين في "وول ستريت" بشأن الاقتصاد العالمي، في مؤتمر مبادرة الاستثمار الذي استضافته المملكة، الشهر الماضي، والمعروف بـ"دافوس الصحراء".

وأكد كبار الممولين في العالم أن تداعيات الحرب، جنبا إلى جنب مع الديون القياسية وارتفاع أسعار الفائدة، ترسم خلفية قاتمة للمشهد الاقتصادي، خاصة في حال استمرار الصراع العسكري لمدة طويلة.

وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة المالية السعودية، الأربعاء الماضي، أن المملكة سجلت عجزا في الميزانية بلغ 35.8 مليار ريال (9.54 مليارات دولار) في الربع الثالث من العام.

وقالت الوزارة في تحديث بخصوص الميزانية إن العجز لأول تسعة أشهر من العام بلغ 44 مليار ريال.

حساسية الأوراق المالية 

وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن حرب غزة فاقمت من حالة عدم اليقين التي تمر بها المنطقة، وأكد أن هذه الحالة تؤثر بشكل كبير على مستوى الأمان الاقتصادي، ما يظهر بشكل جلي في سوق الأسهم.

وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أغلق مؤشر السوق الرئيسية (تاسي) منخفضا 3.31% مقارنة بإغلاق الشهر السابق. 

وأوضح العساف أن "الأوراق المالية بصفة عامة حساسة جدا لأي أحداث سياسية، ولذا فمن المتوقع أن يكون للحرب في غزة تأثير سلبي كبير على سوق الأسهم السعودية".

لكن العساف يرى، في المقابل، أن الحالة ذاتها تمثل وقتا لـ"فرص" بسوق الأسهم، لأنه وقت نزول للأسعار، وبالتالي فهو وقت فرصة لمن يريد أن يربح من أسعار أسهم لاحقا ويستزيد منها. 

وهذه الفرصة تعتبر جاذبة للمستثمرين والخبراء بالسوق، شرط أن يكون لديهم الخبرة على المدى الطويل، بحسب العساف. مشيرا، في الوقت ذاته، إلى أن حالة عدم اليقين تسبب خوفا ورهبة وهروبا من الأسواق.

وينوه العساف، في المقابل، إلى أن تداعيات الحرب في غزة كان لها أثر إيجابي آخر على أسعار النفط، التي ارتفعت بشكل كبير، وهو ما يفيد المالية السعودية.

تأثر أسواق الخليج  

ويشير الخبير الاقتصادي محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحرب في غزة أدت، بشكل طبيعي، إلى تأثر سلبي للأسهم في أسواق الخليج عموما، مشيرا إلى أن المؤشر يشير إلى أن الأسهم السعودية خسرت المكاسب التي تحققت منذ بداية العام الجاري.

ويوضح الناير أن هذه الخسائر نتاج لحالة عدم اليقين في ظل "استمرار" الحرب الإسرائيلية في غزة، وليس بسبب الحرب ذاتها، فقد كان ممكنا أن تكون دائرة الحرب ضيقة، لكن التدخل الأميركي والغربي لمساندة إسرائيل بشكل مطلق، وما تبعه من تحرك لحاملات الطائرات الأميركية، فاقم من حالة عدم اليقين الاقتصادي.

ويؤكد الناير أن التطورات الجيوسياسية الجارية تؤدي إلى مخاوف كبيرة جدا في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وفي منطقة دول الخليج العربية بشكل خاص، باعتبارها أكثر الدول تأثرا من الناحية الاقتصادية بآثار تلك التطورات على خلفية الحرب.

وهنا يلفت الناير إلى أن تطور الحرب في غزة من داخلية إلى احتمالات اتساعها لتكون إقليمية أو عالمية، هو الذي سهل مناخ الخسائر الاقتصادية، مؤكدا أن الولايات المتحدة والغرب لم يتعاملا مع الأزمة بالحكمة المطلوبة من زاوية اقتصادية، ما يؤثر سلبا على الاقتصاد الخليجي بوجه خاص، والاقتصاد العربي أو اقتصاد الشرق الأوسط بوجه عام. 

وإذا توسعت دائرة الحرب بصورة كبيرة، فسيؤثر ذلك على إمدادات النفط، بحسب الناير، مشيرا إلى أن السعودية تمثل رأسا في قائمة الدول المصدرة للنفط، بأكثر من 10 ملايين برميل يوميا.

ومن شأن ذلك أن يؤثر بشكل سلبي جدا على اقتصاد المملكة، فرغم رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الموارد، إلا أن الاقتصاد السعودي لا يزال معتمدا حتى اليوم على إيرادات النفط بنسبة كبيرة جدا، بحسب الناير. 

وإزاء ذلك، فإن أثرا كبيرا للحرب في غزة على صادرات النفط سينعكس سلبا على الموازنة العامة للدولة في السعودية، وسينعكس أيضا على أداء اقتصاد المملكة بصورة عامة، وبالتالي ستكون له تداعيات على السوق السعودي ومؤشر التداول.

(الدولار = 3.75 ريالات)

المساهمون