تحويل أجور الفلسطينيين: قرار إسرائيلي تتحمس له السلطة ويخشاه العمال

27 اغسطس 2022
عمال فلسطينيون عند نقطة تفتيش للاحتلال (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

رغم تطمينات السلطة الفلسطينية، يخشى نواف الخندقجي من بلدة علار شمال طولكرم شمال الضفة الغربية، والذي يعمل في سوق العمل الإسرائيلية؛ قراراً بإلزامية تحويل أجور العمال إلى حسابات بنكية في المصارف الفلسطينية، بدل تلقيها نقدا من المشغّل الإسرائيلي. يقول الخندقجي لـ"العربي الجديد": "إنه يخشى قيام السلطة الفلسطينية بعد فترة من الزمن بتنفيذ خصومات من أجره على شكل ضرائب".

منتصف الشهر الحالي، أعلن وزير العمل الفلسطيني نصري أبو جيش في بيان صحافي، بدء تحويل أجور العمال إلى البنوك الفلسطينية؛ بدفعة أولية لسبعة آلاف عامل، "بهدف حماية العامل والحفاظ على حقوقه"، وفي عام 2019 أعلنت سلطة النقد الفلسطينية في بيان سعيها لتحويل الأجور إلكترونيا؛ كأحد الحلول للتخلص من فائض عملة الشيكل في النظام المصرفي الفلسطيني.

لماذا تبدو السلطة متحمسة للقرار؟

أعلن أبو جيش في تصريحات صحافية، بعد احتجاجات آلاف العمال عند الحواجز الإسرائيلية مع مناطق الداخل؛ أن قرار تحويل الأجور إلى البنوك، إسرائيلي؛ وهو ما أكده في تصريح لـ"العربي الجديد" قائلا إن "هذا قرار إسرائيلي، الحكومة الفلسطينية ووزارة العمل ليست لها علاقة به، إنما جاء نتيجة النظام المالي الجديد في داخل إسرائيل".

أمر تؤكده ورقة بحثية صادرة عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في شهر يوليو/تموز الماضي، أعدها الباحثان وليد حباس وعصمت قزمار؛ حيث أصدرت حكومة الاحتلال عام 2016، قراراً رقم 2174، "يؤسس لمرحلة تحاول إسرائيل من خلالها انتهاج سياسة جديدة في ما يخص العمال الفلسطينيين"، وتتلخص بزيادة حجم العمال، وتغيير طريقة إصدار التصاريح، وتغيير ظروف العمل وتطوير نظام دفع أجور العمال.

يرى الباحث في معهد ماس عصمت قزمار في حديث مع "العربي الجديد"، أن المبادر لهذه الخطوة لم يكن الجانب الفلسطيني، ولم يستشر بذلك، بل هي قرارات إسرائيلية من الألف إلى الياء، مرجحاً أن يكون قد تم إطلاع السلطة الفلسطينية عليها خلال الاجتماعات من دون إشراكها في القرار.

ومن الملاحظ منذ احتجاجات العمال أن السلطة الفلسطينية لم تنفك تطمئنهم؛ يقول وزير العمل لـ"العربي الجديد": "نؤكد للعمال أن عملية تحويل الراتب للبنوك الفلسطينية آمنة، لن يكون هناك خصومات ولا محاولات للاستيلاء عليها، كما يشيع البعض".

كما نشرت سلطة النقد تعليمات للبنوك بإعفاء تحويلات أجور العمال من العمولات والرسوم، ووصل الأمر لتصريح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بالقول: "إنه لن يترتب على الأمر أي ضرائب من قبل الحكومة".

كل ذلك يوحي بتحمس السلطة الفلسطينية للخطوة، بل وتصدرها لترويجها، لكن وزير العمل ينفي في رده على سؤال لـ"العربي الجديد" تصدره هو إعلان القرار، وقال: "لم يكن هناك تصدر لكن عمالنا خلال العامين الحالي والماضي، كانوا يراجعون مكاتب العمل ويسألون عن القرار".

يقول الباحث قزمار تعليقا على مشهد التصدر للسلطة الفلسطينية رغم أن القرار إسرائيلي خالص، "ليس لدي تفسير منطقي لهذا الأمر غير المنطقي"

في المقابل، يقول الباحث قزمار تعليقا على مشهد التصدر للسلطة الفلسطينية رغم أن القرار إسرائيلي خالص، "ليس لدي تفسير منطقي لهذا الأمر غير المنطقي".

ويمكن البحث عن تفسيرات من خلال إيجابيات القرار بالنسبة للسلطة الفلسطينية، يقول وزير العمل: "إن العائد الإيجابي سيكون على العامل، والفائدة الوحيدة للسلطة الفلسطينية هي حل مشكلة تراكم عملة الشيكل في النظام المصرفي الفلسطيني، حيث تتراكم ثمانية مليارات شيكل نقدا تكبل الاقتصاد، والتحويل إلكترونياً للبنوك سيخفف من ذلك لأن العامل سيأخذ راتبه من الشيكل المتراكم، والذي يأتي نقدا إلى السوق الفلسطينية وخصوصا من أجور العمال وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 الذين يتسوقون في الضفة، ثم يعرقل الاحتلال استلام تلك النقود أو صرفها بالعملات الأجنبية".

لكن الفوائد التي ستجنيها مؤسسات السلطة الفلسطينية أكبر من ذلك حسب الباحث قزمار، فتحويل الأجور عبر البنوك، سيكشف لها دخل العمال الدقيق، وهو ما لم تكن السلطة الفلسطينية تملك أي بيانات حوله، فضلاً عن إضافة كتلة كبيرة ليكونوا عملاء في البنوك والنظام المصرفي، كما سيفتح الباب نظريا لفرض رسوم أو ضرائب وهو ما لم يكن متاحا بأي شكل سابقا، مع استبعاده الإقدام على أي اقتطاع ضريبي خلال هذه الفترة.

العمال بين الفوائد والمخاوف

سيحصل العمال من خلال هذه الخطوة على فرصة للدخول إلى النظام المصرفي، وما يعنيه من تسهيلات كبطاقات الصراف الآلي، والبطاقات الائتمانية، وإمكانية الحصول على الخدمات المصرفية بما فيها القروض، لكن ذلك يثير أسئلة كبيرة، حيث لاقت سياسات مالية فلسطينية سابقا انتقادات في ظل اقتصاد تحت الاحتلال يوصف بالهشاشة.

ويرى وزير العمل أبو جيش أن رفض القرار يخدم أصحاب العمل الإسرائيليين وحرمان العامل من حقوقه ومستحقاته ونهاية خدمته، لأن المشغل الإسرائيلي يدفع للعامل الأجر كاملا لكنه يسجل مبالغ أقل على قسائم الرواتب ما يعطيه مجالا للتهرب من الضرائب ومستحقات العمال.

ويؤكد أبو جيش أنه مفيد للعامل بحيث يملك وثيقة أمام المشغل الإسرائيلي لحفظ حقوقه، ووقف التلاعب براتبه، وبالتالي تزيد مدخراته، كما يساعد في تنظيم عملية التصاريح ومحاربة ظاهرة السماسرة، حيث يصبح العامل مربوطا مباشرة بصاحب المنشأة وليس بسمسار يعمل على تجديد تصريحه.

لكن مسألة "الأتعاب"، و"التوفيرات" و"التقاعد"، وغيرها من الاقتطاعات من الأجور، هي بالذات ما يتخوف العمال منه.

يقول العامل الخندقجي إنه يرفض تماما الربط بنظام ضمان اجتماعي فلسطيني (كانت احتجاجات فلسطينية عام 2019 أسقطت قانون الضمان الاجتماعي)، فالعامل يستطيع الآن بعد توقف تصريح عمله بعد عدة سنوات من العمل، أن يقدم طلبا لاسترداد "التوفيرات"، التي يؤكد أنها هي الفائدة الحقيقية من العمل في السوق الإسرائيلية، لأن الأجر الشهري ليس وحده المجدي برأيه.

كما يتخوف الخندقجي من أن تلاقي أجور العمال المصير نفسه الذي لاقته مرتبات الموظفين العموميين، أي أن تؤدي أزمات السلطة الفلسطينية المالية لدفعها منقوصة كما يحصل منذ أشهر بدفع مرتبات الموظفين بنسبة 80%. رغم أن الخندقجي يرى أن مخاوف العمال مشروعة، يستبعد الباحث قزمار أن تقدم السلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة على أية خصومات أو اقتطاعات ضريبية، بسبب معرفتها بانعدام الثقة، فضلا عن عدم إمكانية الازدواج الضريبي في ظل اقتطاع ضريبة الدخل مسبقا من مؤسسات الاحتلال.

فمؤسسات الاحتلال تقتطع فعليا من أجور العمال؛ تحت بنود عدة، وفق ما يؤكده المحامي المختص بالشؤون العمالية محمد لبيب، الذي يقول إن المشغل يدفع الاقتطاعات المالية قبل إعطاء العامل أجره الصافي؛ ومنها ضريبة الدخل، لكن تضاف لها اقتطاعات غير ضريبية في حال التزام المشغل بها بشكل دقيق؛ وهي تصب لصالح العامل مثل رسوم التأمين الوطني والصحي، بما يشمل التقاعد وإصابات العمل، وبدل العجز والإصابات.

 المصلحة الإسرائيلية: تحسين كفاءة نظام السيطرة

 بعد العام 2016؛ بدأ الازدياد في عدد تصاريح العمل، لتصل حسب ورقة معهد ماس في العام 2022 إلى 141 ألف حصة تخصصها الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال للعمال، مقارنة بـ71 ألف حصة عام 2016. يرى الباحث في معهد ماس عصمت قزمار أن "ارتفاع أعداد العمال له علاقة مباشرة بمقاربة إسرائيلية؛ في محاولة لضبط الأوضاع الأمنية، وارتبطت في عام 2016 بموجة العمليات الفردية ضد جيش الاحتلال".

ويؤكد قزمار أن الاحتلال أنشأ نظاما متكاملا لتسيير العملية وإدارتها وتنظيمها، ففي العام 1970، أصدر "الحاكم العسكري" قرارا يعطي تصريحا عاما بالعمل في إسرائيل، وفي العام 1991، تم إلغاء التصريح العام، وأصبح التصريح الفردي متطلبا وظل نظام التصاريح ذلك قائما حتى العام 2020.

بعد إنشاء منظومة السيطرة الاستعمارية؛ فإن التغييرات تجرى فقط لرفع كفاءة المنظومة وتحسينها، إضافة إلى أهداف إسرائيلية أخرى منها متابعة الفساد داخل الإدارة المدنية

وفي العام 2020/ وبناء على قرار عام 2016، أنشأت الإدارة المدنية منصة إلكترونية، تتيح لكل عامل تسجيل اسمه في النظام والحصول على تصريح فردي، بدلا من إعطاء الحصص للمشغّل الإسرائيلي وفق النظام القديم، الذي كان يتيح لصاحب العمل التلاعب بعدد العمال، وبيع التصاريح عبر السماسرة.

لكن كما تؤكد الورقة البحثية ذاتها، فإن النظام الجديد لم يمنع السمسرة، "ولم يكن الهدف منه بالأساس منع تلك الظاهرة، بل زيادة الرقابة على العمال، وهو ما يندرج في سياق تحسين ورفع كفاءة إطار منظومة السيطرة والاستغلال الاستعماري".

ويقول قزمار إنه "وبعد إنشاء منظومة السيطرة الاستعمارية؛ فإن التغييرات تجرى فقط لرفع كفاءة المنظومة وتحسينها، إضافة إلى أهداف إسرائيلية أخرى منها متابعة الفساد داخل الإدارة المدنية بين ضباط وتجار التصاريح".

ويضاف إلى ذلك تطبيق القيود الإسرائيلية على تداول النقود "الكاش" لصالح التعاملات البنكية؛ وفق قانون إسرائيلي جديد، فضلا عن أهداف جانبية كما يرى قزمار، مثل متابعة التهرب الضريبي. وفي حين تعمل سلطات الاحتلال على تطوير منظومة سيطرتها، يفتقد المشهد الفلسطيني رؤية استراتيجية للتعامل الاقتصادي مع الاحتلال والتبعية له كما تؤكد الورقة البحثية.

المساهمون