فجأة، تذكرت الحكومة المصرية ومجلس النواب والوزارات المعنية والهيئات الرسمية أن هناك كارثة تنخر في المجتمع اسمها انتشار تعاطي المخدرات بين الموظفين العاملين بالجهاز الاداري للدولة والبالغ عددهم نحو 5 ملايين موظف.
ولذا أطلقت الحكومة حملة الكشف الطبي عن تعاطي المخدرات بناء على تكليف رئاسي كما ذكرت جريدة الأهرام قبل أيام. وكلفت صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، بمهمة تكثيف حملات الكشف عن المتعاطين من العاملين بالوزارات ومؤسسات للدولة، كما قررت إجراء تحاليل مفاجئة لموظفي الدولة في الشارع وبشكل يفتقد إلى الخصوصية والمهنية الطبية.
عقب إطلاق الحملة تذكرت وسائل الاعلام فجأة أن المخدرات باتت خطراً شديداً على المجتمع، رغم أن تقارير رسمية قدرت حجم تجارة المخدرات في مصر بنحو 400 مليار جنيه عام 2015، وهو ما يعادل 51% من الموازنة العامة لعام 2015/2014.
وتذكرت وسائل الاعلام أيضا أنه يجب وضع حد للظاهرة الخطيرة التي نجم عنها كوارث مجتمعية وإنسانية لا حصر لها أخرها حادث قطار محطة سكك حديد مصر الذي راح ضحيته 25 مواطنا، وهذا شيء جيد ومحمود، فالحكومات تضع في أولوياتها خططا لمواجهة المخاطر التي تهدد الوطن، ومنها خطر المخدرات الذي يشكل خطراً على المجتمع والاقتصاد والشباب وغيره.
لكن ماذا عن توقيت حملة تعاطي المخدرات، ولماذا تم إطلاقها في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا تصاحب الحملة تصريحات رسمية مكثفة تقول بأن من يثبت تعاطيه المخدرات من موظفي الدولة سيتم فصله من العمل، والتأكيد كذلك على أن تحليل المخدرات يُطبق فقط على الجهاز الإداري للعاملين بالدولة كما قال عمرو عثمان مساعد وزير التضامن ومدير صندوق مكافحة الإدمان أمس السبت.
لحملة المخدرات مزايا عدة، فهي تحارب ظاهرة مجتمعية واقتصادية خطيرة، لكن لا يمكن فصل توقيت إطلاق الحملة عن اتفاق مصر الحالي مع صندوق النقد الدولي، فالحملة تأتي قبل نحو شهرين من المراجعة السادسة والأخيرة للبعثة الفنية للصندوق التي من المتوقع أن تصل إلى القاهرة خلال شهري مايو/أيار أو يونيو/حزيران المقبلين، وهذه البعثة ستناقش ما تم إنجازه من برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، وربما سيكون لها مطالب جديدة مقابل الإفراج عن الشريحة الأخيرة من القرض البالغة قيمتها ملياري دولار.
ومن أبرز هذه المطالب المتوقعة تقليص عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، واستمرار تحرير أسعار الوقود خاصة البنزين والسولار، وخفض الدعم الحكومي للعديد من السلع والخدمات ومنها الكهرباء والمترو وغيرها من المطالب التي يكتوي المواطن بنيرانها منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وهو الشهر الذي شهد تعويم الجنيه المصري.
ومن هنا ربما تكون الحكومة المصرية قد أرادت من إطلاق حملة تعاطي المخدرات إعطاء عدة رسائل منها رسالة لصندوق النقد تقول إنها ملتزمة بما تم الاتفاق عليه مقابل منحها قرضا بقيمة 12 مليار دولار، وأنها جادة في تخفيض عدد موظفي الدولة، وأن التخفيض لا يتم فقط عبر آلية واحدة هي وقف تعيين موظفين جدد بالجهاز الإداري للدولة، وتشجيع الموظفين على الخروج المبكر، ولكن يأتي أيضا عن طريق الفصل.
وهو ما أكدته وزارة الأوقاف، التي ذكرت قبل أيام أن من يثبت تعاطيه المخدرات من العاملين المؤقتين أو المعينين سيتم اتخاذ إجراءات فصله، وأنه لن يتم تجديد عقد أي متعاقد أو موظف مؤقت أو تثبيته أو التعاقد بأي صورة من صور التعاقد الوظيفي إلا بعد تقديم شهادة تفيد عدم تعاطيه للمخدرات، بل وطلبت الوزارة موافاتها بأسماء جميع المتعاقدين والمؤقتين لإدراجهم في حملات الوزارة المفاجئة للتحاليل.
كما أعدت هيئة السكة الحديد لائحة جزاءات تتضمن تغليظ عقوبة سائقي القطارات أو العاملين ممن يثبت تعاطيه مخدرات أو أي مواد مخدرة لتصل إلى الفصل.
وسارعت جهات حكومية غير خاضعة لقانون الخدمة المدنية، بتضمين لوائحها الخاصة بإلزامية الكشف على الموظفين والتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات. ومن بين هذه الهيئات: قناة السويس والهيئة القومية لسكك حديد مصر، وهيئة النقل العام بالقاهرة والإسكندرية، واتحاد الإذاعة والتليفزيون.
يرافق الحملة السابقة مناقشة مجلس الوزراء تعديلات تشريعية لتشديد عقوبة التعاطي وتطبيقها على جميع العاملين بالدولة، وسعي وزارة التخطيط لإضافة تعديلات على قانون الخدمة المدنية، تسمح بفصل العاملين والموظفين بالدولة الذين يثبت تعاطيهم المخدرات.
ويبدو أن رسالة الحكومة لصندوق النقد الدولي من حملة تحليل المخدرات ضمن رسائل أخرى وصلت إلى موظفي الدولة، وهو ما أثار الذعر بينهم خاصة أن الحكومة تتمسك بعقوبة الفصل في حال ثبوت تعاطي موظف الحكومة المخدرات.