حذّرت نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، برئاسة هاني بحصلي، من حصول تدهور كبير في الأمن الغذائي للبنانيين من جراء عوامل عدّة، لعلّ أبرزها "حصول انهيار في سعر صرف الليرة في مقابل الدولار في حال استمرار حالة المراوحة وتفاقم الأزمات، ما يعني عدم تمكن نسبة لا يستهان بها من اللبنانيين من توفير حاجاتهم الغذائية".
ورفعت النقابة الصوت بشأن "وجود تهديد فعليّ للأمن الغذائي للبنانيين بعد موجة الارتفاعات التي سجلها سعر صرف الدولار، وكذلك عدم قيام الدولة بواجباتها لجهة توفير مظلة حماية اجتماعية ومعيشية عبر إصدار البطاقة التمويلية، التي لا تزال محط أخذ وردّ".
وأهابت نقابة مستوردي المواد الغذائية بالسلطة السياسية إلى العمل على إيجاد الحلول الناجعة التي تضمن استدامة عمل الحكومة وإنتاجيتها، وطالبت بـ"إلحاح بضرورة إصدار البطاقة التمويلية اليوم قبل الغد، لأنها الوحيدة القادرة على توفير الحاجات الغذائية الأساسية وبشكل سريع لغالبية اللبنانيين، خصوصاً بعد رفع الدعم عن المواد الغذائية بدايةً وتالياً عن المحروقات ومعظم الأدوية".
وناشدت، في بيان لها اليوم الثلاثاء، القوى السياسية تغليب المصلحة الوطنية وإعطاء كل الجهد والوقت لإنقاذ لبنان، الذي يحتاج إلى عودة مجلس الوزراء للانعقاد لاتخاذ الخطوات المطلوبة وإقرار الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وفي السياق، عرض رئيس البرلمان نبيه بري المستجدات السياسية والأوضاع العامة ومشروع البطاقة التمويلية خلال استقباله اليوم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، بحضور وزيري الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار والاقتصاد أمين سلام والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل.
وأشار حجار في دردشة مع الإعلاميين إلى أن اللقاء تطرّق إلى كافة الملفات والشؤون الحياتية والبطاقة التمويلية، في حين لم يعلن عن أي موعد لإطلاق العمل بالبطاقة مكتفياً بالقول "قريباً".
وتخطى سعر صرف الدولار، اليوم الثلاثاء، عتبة 23 ألف ليرة، إذ تراوح منذ الصباح بين 23100 و23200 ليرة لبنانية.
وتشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً مع فوضى ملحوظة بالتسعير، بحيث أن الأسعار تختلف بين سوبرماركت وأخرى في ظل غياب الرقابة الفعلية من قبل الجهات المعنية، في حين أن التبريرات تندرج في إطار التبدل السريع لسعر الصرف الذي يصعّب على التجار وأصحاب المحال التسعير، وقد فضّل الكثير من أصحاب المحال إقفال أبوابهم في هذه الفترة.
كذلك، ترتفع الأصوات بوجه وزير الصحة اللبناني فراس أبيض، نتيجة رفع الدعم الجزئي عن أدوية الأمراض المزمنة والتسعيرات الجديدة التي عمّمتها الوزارة والتي شهدت تحليق كبير لأسعار الأدوية، بشكل يفوق قدرة المواطن المالية على التحمّل.
وقد شنّ ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً كبيراً على وزير الصحة "المقلّ بإطلالاته" لقبوله رفع الدعم من دون تأمين أي بديل للمواطن، خصوصاً أن الفاتورة الاستشفائية هي الأخرى في تحليق متواصل، مع العلم أن السلطات في لبنان كانت أكدت للمواطنين أن رفع الدعم سيقابله إطلاق البطاقة التمويلية، الأمر الذي لم يحصل، واكتفى المسؤولون بالتفرج على قرارات مصرف لبنان والسير بها، فيما تحيط البطاقة حالة من الضبابية، فضلا عن كونها لم تعد تساوي شيئاً في ظلّ الغلاء الفاحش على مختلف المستويات وجميع الأصعدة والقطاعات.
وفي وقتٍ سابقٍ، أشار أوليفييه دي شوتر، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، إلى أن "لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الانهيار وحكومته تخذل شعبها".
وفيما لا تزال جلسات مجلس الوزراء معلقة منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول في أخطر وأصعب الظروف بسبب الصراع السياسي وتدخل المنظومة في عمل القضاء، جدد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم "دعوة جميع الأطراف المشاركة في الحكومة إلى التعاون، لإعادة عجلة العمل الحكومي إلى الدوران الكامل وفق خريطة الطريق التي حددها منذ اليوم الأول، وصون علاقات لبنان مع دول العالم، لا سيما الأشقاء في دول الخليج".
وأتت دعوة ميقاتي خلال اجتماع موسّع للبحث في استكمال "خطة الإصلاح والنهوض وإعادة الإعمار"، التي أطلقها البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس/آب 2020).
وقالت الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي: "نحن بحاجة إلى استجابة وطنية تلبي الاحتياجات الطارئة للفقراء والأكثر هشاشة، ولا بد أن يكرس ذلك من خلال استجابة طارئة قائمة، تموَّل من المجتمع الدولي، في ما يعبّد الطريق نحو التعافي الاقتصادي المستدام، وتحسين سبل المعيشة للسكان المتأثرين وتحسين العدالة الاجتماعية للجميع".
وأضافت "إن ضمان التعافي المستند يفترض إقرار استراتيجية الحماية الاجتماعية المستدامة التي تدمج كل المجموعات"، داعيةً ميقاتي إلى "التحرك بسرعة من أجل عرض مسودة الاستراتيجية التي أنجزت مؤخراً، وتشمل توسيع نطاق تقديم المساعدة الاجتماعية على شكل تحويلات نقدية، إضافة إلى تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية ذات الجودة العالية".
ورأت رشدي أن "الثقة بالدولة قد تآكلت، وهناك حاجة إلى عقد اجتماعي جديد نظراً لأهميته البالغة، ومن شأن هذا العقد أن يعيد الثقة بالدولة ويضع حدّاً لدوامة الفساد".
بدوره، قال سفير الاتحاد الأوروبي رالف طراف: "نواصل تشجيعنا الحكومة اللبنانية على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ونحن كمانحين نعمل لمواصلة هذه العملية ودعمها".