تعوّل موريتانيا على خطة الإقلاع الاقتصادي التي أطلقتها مؤخرا لإنعاش مختلف القطاعات وإرساء دعائم نمو متسارع ومستديم وخلق فرص عمل دائمة وتنويع مصادر الدخل، من خلال ضمان الولوج لخدمات أساسية نوعية، ودعم الفئات الهشة في مجالات الزراعة والتعليم والمشاريع المدرة للدخل، إضافة لتحقيق اكتفاء ذاتي في المجال الغذائي والعمل على الحد من تداعيات فيروس كورونا.
لكن لا تخلو الخطة التي تأمل موريتانيا من خلالها انتشال اقتصادها المتأزم من عقبات وتحديات تعرقل تنفيذ الأهداف المرجوة، حسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد".
وأعلن الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الجاري عن خطة للإقلاع بالاقتصاد تمثل توسيعا لبرنامج "أولوياتي" الذي أعلنه الغزواني إبان توليه مأموريته الرئاسية.
ويصل الغلاف المالي المرصود للخطة حوالي 24.2 مليار أوقية (652 مليون دولار)، وهو ما يمثل 8.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتمتد الخطة على مدى 30 شهرا (2020 – 2022).
عقبات التنفيذ
ويرى الباحث الاقتصادي، كريم الدين ولد الخليفة، أن أكبر عقبة واجهتها الحكومات المتعاقبة، تتمثل في ترجمة البرامج الاقتصادية بشكل ينعكس على الواقع المعاش للمواطنين.
ويؤكد ولد الخليفة لـ"العربي الجديد" أن موريتانيا بلد غني بالموارد الطبيعية والفرص الاستثمارية، لكنه لم يستفد منها بسبب الفساد المالي والإداري. ويقول الباحث الاقتصادي إن "الحكومات المتعاقبة قامت بوضع عشرات البرامج الاقتصادية خلال السنوات الماضية وبغلاف مالي ضخم، غير أن تلك الأموال ذهبت أدراج الرياح ولم تنعكس على الاقتصاد الذي ما زال يعاني من مشاكل بنيوية".
ويرى ولد الخليفة أن هذا البرنامج إن تم تنفيذه بالشكل المطلوب فقد يساهم في الحد من الفقر والبطالة، وفي تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، مشددا على ضرورة تضافر الجهود من أجل عقلنة تسيير الموارد المالية المعبأة للبرنامج، وتفعيل الرقابة حتى يتم توجيه تلك الموارد للبنود المخصصة لها.
ويؤكد على ضرورة خلق بيئة جاذبة للاستثمار، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي وتنمية الإنتاج، من خلال تكثيف الاستثمار العمومي، في القطاعات الإنتاجية ذات الأولوية، مشيرا إلى أن هذه الأهداف تندرج ضمن خطة الإقلاع الاقتصادي المعلنة.
وتشمل خطة الإقلاع الاقتصادي عدة قطاعات حكومية بينها الصيد والتجهيز والنقل والاقتصاد والصحة والشؤون الاجتماعية.
ويرى المراقبون أن بدء تنفيذ بعض القطاعات الرسمية لمشاريعها المتعلقة ببرنامج "أولوياتي" خلال الأشهر الماضية، يؤكد سعي الحكومة هذه المرة لإنجاح خطة الاقلاع الاقتصادي، خاصة أنها تدخل في إطار البرنامج الانتخابي الذي تعهد به الرئيس خلال الانتخابات العام الماضي.
الحد من الفقر
ومن المقرر أن يعمل البرنامج الاقتصادي الجديد على عدة محاور أهمها "الحد من الفقر والفقر المدقع، وتحسين البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على خلق اقتصاد إنتاجي دائم قابل للتطور، وتثمين العنصر البشري".
وسيتم تخصيص نسبة 33.9% من الغلاف المالي لدعم الطلب، أي مبلغ 8.2 مليارات أوقية (221 مليون دولار)، فيما سيتم تخصيص نسبة 27.9% لتحسين العرض الاجتماعي، أي ما يعادل 6.7 مليارات أوقية (181.83 مليون دولار).
كما سيتم تخصيص 22.39% من الغلاف الإجمالي للبرنامج لدعم قدرات قطاع الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي أي ما يناهز5.4 مليارات أوقية (146 مليون دولار)، بينما سيتم توجيه 9.5% من إجمالي البرنامج لدعم القطاع الخاص بشقيه المصنف وغير المصنف (62 مليون دولار).
وسيتم بموجب الخطة تخصيص 4.06% من إجمالي التمويل لدعم التشغيل، أي مبلغ 981 مليون أوقية (26.51 مليون دولار)، فيما سيخصص مبلغ 60 مليون أوقية (1.62 مليون دولار)، أي نسبة 0.25%، للحكامة وتنفيذ البرنامج، على أن تخصص نسبة 2% المتبقية (13.06 مليون دولار) لمتفرقات وأمور طارئة.
احتياجات التمويل
تعول الحكومة الموريتانية في تمويل خطة "الإقلاع الاقتصادي" على الشركاء الماليين بالدرجة الأولى، إذ تسعى للحصول على 15 مليار أوقية (405 ملايين دولار) بالتعاون مع الشركاء الفنيين والماليين، فيما ستتم تغطية باقي الغلاف المالي 9.2 مليارات أوقية (249 مليون دولار) من خلال ميزانية الدولة.
وفي هذا الصدد، استعرض وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية، عثمان كان، الثلاثاء الماضي، أمام الشركاء الفنيين والماليين لموريتانيا، خطة "الإقلاع الاقتصادي".
وجرى استعراض البرنامج أمام ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والسعودية والكويت والإمارات والمغرب بالإضافة للولايات المتحدة وبريطانيا والصين واليابان وبرنامج الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك العربي للتنمية.
وأوضح الوزير في حديثه أمام الشركاء الدوليين أن الظروف الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا أدت لتراجع الناتج الداخلي الخام لعام 2020 بنسبة 3%، وخسارة أكثر من 25% من الإيرادات الضريبية.
وأكد الشركاء الماليون للحكومة الموريتانية مساندتهم برنامجها في مواجهة تأثيرات فيروس كورونا، ومن أجل تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي.