تحديات أمام الاكتفاء الزراعي في السعودية

01 سبتمبر 2024
مواطن يتحقق من جودة المزروعات في وادي العلا غربي المملكة، 25 أكتوبر 2022 (Getty)
+ الخط -

"لم أكن أتخيل أننا سنصل إلى هذه المرحلة من الإنتاج".. هكذا عبر سلمان العتيبي، مزارع سعودي في الخمسينيات من عمره، لـ"العربي الجديد"، عن سعادته بإنتاج حقول المانغو الممتدة أمامه في مزرعته بمنطقة جازان، جنوبي المملكة، مشيراً إلى أن هذه الأرض كانت قبل عقد من الزمان صحراء جرداء، بينما تساهم اليوم في تحول نوعي بالقطاع الزراعي السعودي.

وبحسب إحصاء رسمي نشرته وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية في مارس/آذار الماضي، ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من المانغو في المملكة إلى 68%، ما عكس تطوراً كبيراً في مجمل القطاع الزراعي، في إطار سعي المملكة لتعزيز أمنها الغذائي.

غير أن هذه النجاحات لا تخلو من تحديات، حيث يواجه القطاع الزراعي عقبات متعددة، أبرزها نقص المياه، وهو ما دفعها إلى اتخاذ خطوات جادة نحو تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، وفق تقرير صادر حديثاً عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). من بين هذه الخطوات تطبيق تقنيات الري بالتنقيط والري المحوري في العديد من المزارع، ما أدى إلى خفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30% في بعض المناطق.

يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن بعض القطاعات الزراعية في المملكة حققت نجاحات ملحوظة، حيث ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من التمور إلى حوالي 125%، ومن المانغو إلى نحو 68%، مؤكداً أن هذه النتائج جاءت نتيجة لتفعيل استراتيجيات وسياسات جديدة، منها تقديم التسهيلات المصرفية للقطاع الزراعي، واستخدام التقنيات التكنولوجية والرقمية الحديثة.

لكن التحديات التي تواجه الزراعة السعودية، وأبرزها نقص المياه، والاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة، دفعت حكومة المملكة إلى التركيز على تطوير أدوات وتقنيات لتقليل هدر المياه واستهلاكها بشكل فعال، بحسب عايش، الذي يشير إلى تحديات أخرى مثل نقص المهارات والعمالة المحلية، حيث إن حوالي 86% من العمالة في هذا القطاع هي عمالة خارجية، وهو ما يعتبره عايش انعكاساً لقلة إقبال السعوديين على العمل في هذا القطاع، ما يؤثر بدوره على قطاع الأمن الغذائي.

وعلى صعيد آخر، يعاني القطاع الزراعي السعودي عجزاً كبيراً في الميزان التجاري، إذ بلغت واردات المنتجات النباتية إلى السعودية في عام 2022 نحو 39 مليار ريال (10.4 مليارات دولار)، بينما بلغت الصادرات حوالي 10.62 مليارات ريال، ويتطلب هذا العجز زيادة النشاط في مجال التصدير والعمل على تقليل الفجوة بين الإنتاج والتصدير، مما يشكل تحدياً إضافياً يواجه القطاع، بحسب ما يرى عايش.

ويقول إن الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الزراعي بلغ حوالي 100 مليار ريال في عام 2022 وارتفع إلى 109 مليارات ريال في عام 2023، مما يجعله يمثل نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب مزيداً من الجهود لتعزيز دور القطاع الزراعي ضمن إطار التنويع الاقتصادي.

ولمواجهة التحديات القائمة أمام القطاع الزراعي السعودي، يقترح عايش استصلاح مزيد من الأراضي، والتوجه نحو زراعات تعتمد على تقنيات تقلل من استهلاك المياه، وزيادة البحث والتطوير في مجال الزراعات المناسبة للبيئة السعودية، ولا سيما أن الحكومة تطمح إلى استقطاب استثمارات تصل إلى 70 مليار دولار في القطاع بحلول عام 2030.

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة مواءمة السعودية بين خططها الطموحة ضمن رؤية 2030 وبين عامل المرونة في تنفيذ هذه الخطط، بحيث يتم تعديلها بما يتلاءم مع المتغيرات التي قد تطرأ أثناء مرحلة التنفيذ، لافتاً إلى أن المملكة لطالما تميزت على سبيل المثال بإنتاج التمور، حيث شهدت توسعاً في المساحات المزروعة لتصل إلى أكثر من 160 ألف هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع).

ويعكس هذا التوسع في زراعة التمور قدرة السعودية على إنتاج حوالي 1.6 مليون طن من التمور سنوياً، وهي كمية كبيرة بحسب تقدير الناير، مبيناً أن السعودية تحتاج إلى استغلال المساحات الزراعية المتاحة أيضاً لإنتاج الخضروات والفواكه بشكل أساسي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وضرورة ألا تكتفي المملكة بالاستثمار في القطاع الزراعي داخل حدودها فقط، نظراً إلى أن المساحات الصالحة للزراعة محدودة، بالإضافة إلى محدودية مصادر المياه.

المساهمون