يسارع تجار الأزمات في لبنان إلى استغلال أي حدثٍ تعيشه البلاد سواء كان سياسياً أم أمنياً أو نقدياً واقتصادياً فيعمدون إلى رفع أسعار السلع والبضائع بطريقة عشوائية غير مُبرَّرة، مستفيدين من العجز الرقابي وتقاعس الأجهزة المعنيّة عن أداء دورها.
ويستغل بعض التجار خشية المواطنين من تدهور الأوضاع الأمنية ووقوع أزمة غذائية لجني الأرباح الطائلة، ولا سيما في ظلّ التحذيرات من احتمال نشوب حرب في حال تطوّر المواجهات بين "حزب الله" اللبناني والاحتلال الإسرائيلي التي بدأت بالتزامن مع عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولا تزال الاشتباكات في جنوب لبنان حتى الساعة متقطعة.
تهافت على الشراء
تهافت العديد من المواطنين اللبنانيين على شراء السلع الغذائية والاستهلاكية من المتاجر تخوفاً من نفادها أو انقطاعها من السوق أو سيناريو تخزينها من جانب التجار كما حصل خلال الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ أواخر عام 2019.
كما سارعوا إلى محطات الوقود لشراء المحروقات، ولا سيما المازوت والغاز، مع اقتراب موسم الشتاء، رغم تأكيدات المعنيين أنه لا مشكلة لناحية الإمدادات في المواد الغذائية، وعلى صعيد المحروقات.
ولوحِظ منذ بداية المواجهات بين حزب الله والعدو الإسرائيلي وخصوصاً في أول يومين، 8 و9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، زيادة الاقبال على السلع الأساسية، ولا سيما منها البنزين، وحليب الأطفال، والأدوية، في ظلّ تنامي المخاوف من تكرار سيناريو حرب يوليو/ تموز 2006، والقلق من عودة مشهد أزمة 2019 الاقتصادية، التي شهدت أكبر عمليات فوضى، وتخزين، واحتكار، واستغلال لحاجة الناس، لم تستثنِ حتى القطاع الصحي والدوائي.
ويشكو المواطنون من ارتفاع لافتٍ في أسعار السلع والمواد الغذائية الاستهلاكية وتفاوت كبير بين متجر وآخر، على الرغم من أن سعر صرف الدولار لم يشهد أي تغيّر في مساره، ولا يزال على عتبة الـ98 ألف ليرة، والبضائع كلها باتت مسعّرة بالعملة الخضراء بعد دولرة القطاع.
توفر الإمدادات
مع بداية الأحداث، سارع رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي إلى طمأنة المواطنين بأنه لا توجد أي مشكلة لناحية الإمدادات في المواد الغذائية، سواء لجهة وصول البضائع أو لجهة المخزون الموجود في لبنان، مؤكداً أن أسعار المواد الغذائية لن تتأثر بالأحداث التي تحصل في غزة.
كما أكد بحصلي في بيان أن "العمل يسير بطريقة عادية، سواء في مرفأ بيروت أو مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت، والبضائع كثيرة في الأسواق وفي المخازن ومن جميع الأصناف وتكفي أقلّه لثلاثة أشهر"، داعياً المواطنين إلى عدم التهافت على شراء المواد الغذائية وتخزينها.
على مقلبٍ آخر، يؤكد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات في لبنان جورج البركس، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع لا يزال طبيعياً وتحت السيطرة، والجهود مستمرّة من المعنيين لتأمين البضائع، والمواد موجودة في مخازن الشركات ولا داعي للخوف.
ويشير إلى أن تهافتاً حصل في الأيام الأولى لبدء الأحداث الأمنية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وهذا أمرٌ طبيعيٌ، مرتبطٌ بالعامل النفسي الذي يلعب دوره في وقت الحروب والصراعات، بيد أن الأحوال اليوم على المحطات عادية جداً.
ويشير البركس أيضاً إلى أن أسعار المحروقات في لبنان متقلبة ومسارها يتأثر بأسعار النفط عالمياً، لكن محلياً الدولار ثابت.
ويلفت عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات في المقابل إلى أن الوضع يبقى رهن التطورات العسكرية والأمنية، فإذا حصلت حرب أو معارك واسعة ترافقت مع حصارٍ، فهذا سيؤثر حتماً على كل البضائع المستوردة، سواء الغذائية أو المحروقات أو كافة السلع الاستهلاكية.
مرحلة صعبة
من جهته، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، لـ"العربي الجديد"، إن لبنان يمرّ اليوم بمرحلة أمنية صعبة خصوصاً على أهالي الجنوب، إذ زادت عمليات تخزين المواد والسلع الغذائية الاستهلاكية خصوصاً من الحليب والدواء، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في الأزمات".
وأضاف أن " الخطر يبقى أن تجاراً يحاولون الاستفادة من الظرف ويرفعون الأسعار، ويجدون بما يحصل فرصة لهم ولا سيما في ظلّ غياب الدولة، علماً أن السلع كلها متوفرة في السوق، مع الإشارة إلى أنه حتى في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، ورغم الحصار، وقطع الخطوط والإمدادات، كانت البضائع تتوفر".
ويؤكد برو عدم حدوث انقطاع للسلع، وعدم وجود أي مشاكل على صعيد الشحن، وكل الخطوط مفتوحة بين المناطق بما فيها الجنوب، بيد أن التاجر دائماً ما يفتش عن حجة لرفع الأسعار، مستغلاً انعدام الاستقرار، والفوضى وغياب الدولة، لجني الثروات، من دون أن ننسى أن البلد بالأساس تجاري ولا ينتج أي شيء، ومعظم الطبقة السياسية تعمل بالتجارة وهذه فرصة لها لتأمين مصالحها.
ويأسف برو لأن هذا المسار التصاعدي للأسعار لن يقابله انخفاض عند انتهاء الأحداث الأمنية، فهذه تجربة لبنان على مرّ التاريخ، حيث إن الأسعار عندما ترتفع لا تتراجع مع عودة الاستقرار.
مع الإشارة إلى أن لبنان حتى قبل الانهيار كان يعدّ من أغلى الدول في المنطقة بحدود 30 في المائة، بما فيها إسرائيل وتركيا ومصر وسورية، باعتبار أن نظامه الاقتصادي يعتمد على القنص والاستغلال في ظل غياب الاقتصاد المنتج، عدا عن أن الجزء الأكبر من العمل التجاري في لبنان بكافة أصنافه بما في ذلك تجارة الأموال والمصارف هو بيد رجال السياسة وعائلاتهم.
مكافحة جشع بعض التجار
في معرض رده على سؤال حول ضعف الرقابة بالأسواق، يقول مصدرٌ في وزارة الاقتصاد في لبنان، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة والأجهزة المعنية يقومون بكل ما يلزم لمكافحة الاستغلال وجشع بعض التجار، ويسطرون محاضر ضبط بحق المتاجر المخالفة، التي تقوم بالتلاعب بالأسعار".
وأضاف أن "المشكلة كما كانت إبان الأزمة الاقتصادية تتمثل بضآلة الإمكانات البشرية، فلا يتوفر عدد كافٍ من المراقبين ليقوم بجولات على مستوى كل محال السوبرماركت ضمن الأراضي اللبنانية كافة".
ويحرص المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، على طمأنة الناس بألا أزمة حالياً، لا بالمواد الغذائية ولا بالمحروقات ولا بالخبز أو غيره، ولا داعي للتخزين أو التهافت لشراء السلع، كما دعا المواطنين إلى رفع شكواهم إلى الجهات المعنية لعدم وقوعهم ضحية غشّ واستغلال التجار.