يمثل عام 2023 منعطفا محوريا في تجارة السلاح العالمية، حيث تميز بإمكانات هائلة وتحديات كبيرة، سيطرت عليها توترات جيوسياسية، وتقدم تكنولوجي، ومخاوف متزايدة في ما يتعلق بالأمن القومي.
وفي حين أن الصورة الكاملة لعام 2023 لا تزال في طور التطور، تبدو تجارة السلاح مرشحة لتسجيل عام من النمو، في ظل ترسانة الأسلحة التي تزود بها الولايات المتحدة، وربما بعض الدول الغربية، إسرائيل في حربها على غزة، بينما تستمر الحرب في أوكرانيا، رغم خفوت صوتها أخيراً.
تجارة السلاح والمشهد الجيوسياسي
كانت الحرب المشتعلة في أوكرانيا، ثم أخيراً الحرب في غزة، إلى جانب بؤر التوتر الإقليمية الأخرى في آسيا والشرق الأوسط، سبباً في تأجيج التركيز المتزايد على الدفاع الوطني، مما دفع العديد من البلدان إلى تعزيز قدراتها العسكرية، وساهم في زيادة حجم تجارة السلاح حول العالم.
وتسبب الابتكار التكنولوجي، والتطور السريع للأسلحة المستقلة، والطائرات بدون طيار، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأنظمة الدفاع التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، في دفع الطلب على المعدات العسكرية المتطورة.
وفي استجابة للتهديدات المحتملة، خصصت الحكومات في مختلف أنحاء العالم المزيد من الموارد للدفاع، وتصدرت الولايات المتحدة وألمانيا واليابان دول العالم في هذا التوجه.
وقدر معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي إجمالي قيمة صفقات السلاح التي تمت في العام 2023 بما يتراوح بين 1.15 - 1.25 تريليون دولار، بينما كانت في 2022 تتراوح بين 1.17 - 1.20 تريليون دولار. وجاءت الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول المصدرة للسلاح، وتلاها كل من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين.
ووفقاً للمعهد السويدي، ارتفع الإنفاق على الدفاع في أوروبا في 2023 بنسبة 20%، مقارنة بما كان عليه في 2022. وفي ألمانيا، كانت الزيادة بنسبة 45% في 2023.
وسجلت اليابان أعلى نسبة زيادة في نفقات الدفاع في تاريخها في 2023، بارتفاع يقدر بنحو 27%، بينما سجلت جنوب شرق آسيا ارتفاعاً بنسبة 4.3%.
ولم تظهر بعد بيانات مشتريات السلاح في الشرق الأوسط في 2023، إلا أن العام الماضي شهد وجود السعودية على رأس الدول المشترية للسلاح في العالم، بمشتريات قدرت قيمتها بنحو 70 مليار دولار، بينما ظهر بالقرب منها، ضمن أكبر عشرة مستوردين للسلاح في العالم، كل من الإمارات المتحدة ومصر.
وكانت الولايات المتحدة موردًا رئيسيًا للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية منذ عقود، وتشير التقارير إلى صفقات مهمة تم توقيعها في العام 2023، بما في ذلك صفقة بقيمة 3 مليارات دولار لصواريخ باتريوت، المصممة خصيصًا للحماية من هجمات الحوثيين، بالإضافة إلى صفقة بقيمة 2.2 مليار دولار للدفاع الصاروخي على ارتفاعات عالية لدولة الإمارات العربية المتحدة. ومن المحتمل أن تحصل المملكة العربية السعودية أيضًا على صفقة مماثلة، وفقا للمعهد.
وفور انطلاق عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أعاد الرئيس الأميركي جو بايدن، وبعض قيادات الحزبين من أعضاء الكونغرس، ومن خارجه، التأكيد على التحالف الاستراتيجي والعسكري طويل الأمد مع إسرائيل، رغم أن الخلافات السياسية أخرت حزمة المساعدات الأمنية الجديدة.
وطلب الرئيس بايدن ما لا يقل عن 14.3 مليار دولار كمساعدة إضافية لإسرائيل، والتي ستشمل مخصصات لشراء أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، بما في ذلك القبة الحديدية.
وتلقت أوكرانيا مساعدات عسكرية كبيرة من دول متعددة، أهمها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وبولندا، وكان في صورة دعم مالي وعسكري.
ووافقت الولايات المتحدة وحدها على تقديم أكثر من 27 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأراضيها. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن تقديم حزمة بقيمة 175 مليون دولار، وأخرى بقيمة 325 مليون دولار، من صواريخ AIM-9M وAIM-7 وذخيرة HIMARS وأنظمة الدفاع الجوي Avenger ومعدات أخرى في ديسمبر 2023.
أيضاً تعهد العديد من الدول الأوروبية بتقديم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا هذا العام، كانت منها حزمة الدعم العسكري البريطانية، التي أعلنت عنها وزارة الدفاع البريطانية، بقيمة 2.3 مليار جنيه إسترليني، ومخصصات من صندوق ألمانيا الخاص للمشتريات العسكرية بقيمة 12 مليار يورو، وفقاً لما ذكرته "رويترز".
وفي حين أن الرقم النهائي لمبيعات الأسلحة إلى أوكرانيا في عام 2023 غير متاح، فمن الآمن افتراض تجاوز قيمتها الإجمالية 30 مليار دولار.
ومع ثورة الذكاء الاصطناعي، استحوذت التكنولوجيا على حصة لا يستهان بها ضمن صفقات السلاح، خلال العام الأخير. ورغم عدم وجود بيانات دقيقة عن حجم صفقات 2023، توقع مركز أبحاث الأسواق "غراند فيو ريسيرش" وصول سوق الذكاء الاصطناعي العسكري إلى 55 مليار دولار بحلول عام 2025.
وتوقع المركز وصول سوق الصواريخ الأسرع من الصوت إلى 18.8 مليار دولار بحلول عام 2028.
وقال مركز الأبحاث "ماركتس آند ماركتس"، إنه من المتوقع أن ينمو سوق الأسلحة ذاتية الدفع بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.2% في الفترة من 2023 إلى 2032.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة حافظت على مكانتها باعتبارها الدولة الرائدة في تصدير الأسلحة على مستوى العالم، حيث تتمتع بطلب قوي على أسلحتها المتقدمة، وخاصة من حلفائها الآسيويين والأوروبيين.
وتشهد الدول الأوروبية، مدفوعة بالحرب الأوكرانية، فورة كبيرة من التحديث العسكري، مما يؤدي إلى ازدهار محتمل في تجارة السلاح بين دول المنطقة.
وفي آسيا، من المتوقع أن تتسبب التوترات الإقليمية، وخاصة المحيطة بتايوان، في دفع الإنفاق الدفاعي وتجارة السلاح في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.