تبعات هجمات الحوثيين على السفن وحالة الخذلان العربي

28 يونيو 2024
خفر السواحل اليمني مقابل مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، 4 يناير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلن المتحدث باسم الحوثيين عن شن هجمات ضد سفن ومدمرتين أمريكيتين في المحيط الهندي والبحر الأحمر، باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة، مستهدفًا سفينة إسرائيلية بصاروخ باليستي، في تصعيد للردود العربية على العدوان الإسرائيلي.
- تسببت هجمات الحوثيين في تحديات لشركات الشحن العالمية، مما أجبرها على اختيار بين المخاطرة بالمرور في المنطقة أو تغيير المسارات، مؤثرة سلبًا على صناعة الشحن والتجارة العالمية.
- شركة "تراك نت" الإسرائيلية وجدت طريقة للتغلب على التحديات بتشغيل خطوط برية لنقل الوقود والبضائع عبر الأردن إلى دول عربية، مما يعكس تعاونًا إقليميًا وتغير في ديناميكيات التجارة والأمن في المنطقة.

أعلن المتحدِّث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في 27 مايو/ أيار الماضي عن شنّ هجمات على ثلاث من السفن في المحيط الهندي والبحر الأحمر ومدمِّرتين أميركيتين في البحر الأحمر باستخدام صواريخ ضدّ السفن Larego Desert وMSC Mechela وMinerva Lisa وطائرات مسيَّرة ضدّ المدمِّرات الأميركية، ومساء يوم الثلاثاء الماضس أعلنت جماعة الحوثي، ضرب سفينة إسرائيلية في بحر العرب بصاروخ باليستي، في إطار الهجمات التي تشنها في المياه اليمنية والدوية. وقال سريع، إنهم نفذوا عملية نوعية بصاروخ باليستي جديد استهدف سفينة إسرائيلية في بحر العرب. وتُعدّ هجمات الحوثي أحدث وأجرأ ردٍّ عربي على العدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة.

منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تجاوز عدد هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن الـ 90، وتعتزم هذه الجماعة المدعومة من إيران توسيع دائرة هجماتها لتشمل البحر الأبيض المتوسط للوقوف بالمرصاد للسفن التي تبحر باتِّجاه الموانئ الإسرائيلية هناك، الأمر الذي يثير مخاوف البنتاغون بشأن عزل إسرائيل عن مياه المتوسِّط.

جاءت تلك الهجمات بعد أقلّ من أيام على انعقاد اجتماعات مجموعات العمل الدفاعية بين مجلس التعاون الخليجي والولايات المتَّحدة في الرياض من أجل تعزيز التعاون الأمني ضدّ التهديدات الجوية والبحرية في البحر الأحمر التي تؤرِّق أميركا وحليفتها إسرائيل، وتكمن المفارقة في خلو الساحة العربية التي مُنيت بالخذلان من اجتماعات وتنسيقات أمنية مماثلة لوضع حدٍّ للعدوان الصهيوني الجائر والاستيطان الزاحف.

لقد وضعت هجمات الحوثيين شركات الشحن العالمية أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا مواجهة الصواريخ ومصير الغرق، أو تغيير مسارها إلى رحلات أطول وأكثر تكلفة حول جنوب أفريقيا، واستطاعت بذلك أن تخلق دوامة من التهديدات يصعب على صناعة الشحن البحري والتجارة العالمية الخروج منها، حيث تتسبَّب التهديدات التي تتربَّص بالشحن البحري في خلق تأخيرات وتغييرات في نشاط الموانئ وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وتقليل عدد السفن المتاحة للشحن وكذا حجم السلع المتداولة.

بحسب تقرير أصدرته شركة الشحن الأميركية فليكس بورت Flexport في 21 مايو/ أيار 2024 تحت عنوان "لماذا ترتفع أسعار الشحن البحري: نظرة على صدمة العرض بعد اضطرابات البحر الأحمر" Why Ocean Freight Rates are Surging: A Look at the Supply Shock after the Red Sea Disruptions، أجبر الوضع الفوضوي في البحر الأحمر حوالي 170 سفينة شحن على تحويل مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، وتُرجِمت هجمات الحوثيين هناك إلى تكاليف شحن أكبر وفترات تسليم أطول، وأدَّت إلى تفاقم مشاكل سلاسل التوريد المتوتِّرة أصلاً، وعقَّدت التخطيط اللوجستي لشركات الشحن. فقد شهد النصف الثاني من شهر مايو/ أيّار زيادة مؤكَّدة في أسعار الشحن بقيمة 1000 دولار لكل حاوية 40 قدماً، ومن المتوقَّع أن تشهد الفترة المقبلة زيادة مماثلة.

لم تكن عملية حارس الازدهار التي أطلقتها واشنطن وشاركت فيها البحرين كافية لردع هجمات الحوثيين، كما فشلت أيضاً سلسلة الهجمات التي شنَّتها القوّات الأميركية والبريطانية على صنعاء وعدّة محافظات يمنية في 11 و12 يناير/ كانون الثاني 2024 في ردع الحوثيين الذين أكَّدوا عدم تراجعهم ورحَّبوا بصراع أوسع وتعهَّدوا بمواصلة وتكثيف هجماتهم حتى على السفن المرتبطة بأميركا وبريطانيا في شكل من أشكال الضغط الأقصى لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

لكن ما يُصلحه الحوثيون بحراً يفسده العرب برّاً، فقد وجدت شركة "تراك نت" TruckNet، وهي شركة شحن رقمية إسرائيلية، طريقة للالتفاف على خطط الحوثيين من خلال تشغيل خطوط برية لنقل الوقود وبضائع أخرى من الموانئ الإسرائيلية نحو دول عربية عبر الأردن، حيث تتَّصل هذه الشركة بالأنظمة التشغيلية لأصحاب الشاحنات وتقدِّم خيارات النقل لأصحاب البضائع الذين يبحثون عن وسائل النقل المتاحة وتقوم بإجراء مزادات لتكاليف النقل حسب الحدّ الأدنى للسعر الذي يحدِّده صاحب الشاحنة؛ وبمجرَّد اختيار الفائز وتأكيد النقل، يخطِّط التطبيق للمسار الأمثل للسائق وفقاً لحجم الشاحنة ونقاط التحميل والتفريغ.

تستهدف شركة تراك نت، التي تُقدَّر قيمتها السوقية في بورصة تل أبيب بنحو 34 مليون شيكل، أي 9.5 ملايين دولار، نقل 34 ألف طنّ من الوقود والمنتجات شهرياً، أي حوالي 800 حاوية باستخدام شاحنات أردنية وإسرائيلية واعتماداً على جسر بريّ يمتدّ من ميناء جبل علي في الإمارات ويخترق السعودية والبحرين والأردن ليصل إلى إسرائيل؛ ويسمح هذا الجسر البريّ للشركات الإسرائيلية بتسريع استيراد وتصدير الشحنات العاجلة من وجهات في الشرق وإليها. علما بأنّ تكلفة النقل للكيلومتر الواحد قد ارتفعت منذ بدء الاتِّفاق من 1.2 دولار إلى دولارين للكيلومتر الواحد بعد أن رفعت الدول العربية رسوم عبور الشاحنات.

استطاعت شركة تراك نت أن تجد موطئ قدمٍ لها وسط تهديدات الحوثيين التي تعصف بالبحر الأحمر، ويعود الفضل في ذلك لدعم بعض الدول العربية، وتحديداً الإمارات والسعودية والأردن، والتي فضَّلت دعم الاحتلال بدلاً من الوقوف في صفّ القضية الفلسطينية ومقاطعة كل ما له علاقة من قريب أو بعيد بإسرائيل كما تفعل جماعة الحوثي اليمنية التي أظهرت دعمها لفلسطين قولاً وفعلاً.

تمكَّنت شركة تراك نت من التغلغل في الخليج العربي بذريعة ضمان تزويد أكبر مورِّدي النفط الخام فيها بالمنتجات النفطية المُكرَّرة، مثل الديزل أو البنزين، في ظلّ استمرار هجمات الحوثيين التي تعكِّر صفو شحن تلك المنتجات عبر البحر الأحمر ونجحت في تشغيل الخطّ القاري الذي يربط الخليج الفارسي بموانئ إسرائيل والذي يوفِّر حلاًّ ليس فقط للوقود بل لكل البضائع التي تبحث عن بديل سريع وآمن للشحن البحري المُهدَّد بضربات الحوثيين التي لا تخطئ هدفها. المخزي في الأمر هو أنّ تواطؤ هذه الدول العربية هو الذي يذلِّل الصعاب أمام الكيان الصهيوني ويزيل المعوِّقات التي تعترض سبيله للتحوُّل إلى مركز للتجارة الدولية.

خلاصة القول، في الوقت الذي يكثِّف فيه الحوثيون هجماتهم لليّ ذراع أميركا ولجم العدوان الصهيوني وتعلو فيه الأصوات الإسبانية والأيرلندية والنرويجية المعترفة رسمياً بدولة فلسطين، لا تخجل بعض الدول العربية من دعم الاحتلال الإسرائيلي سرّاً وعلانية رغم ما تتقاسمه مع فلسطين من وحدة اللغة والدين والعادات، ويبقى السؤال المحيِّر، ما الذي ستجنيه تلك الدول العربية من سلوكها هذا؟ فلا طاولت الدول العربية التي انساقت وراء قطار التطبيع بلح الشام ولا عنب اليمن.