تزامنا مع تحسن المعنويات الاقتصادية بمنطقة اليورو في ديسمبر/كانون الأول للمرة الأولى منذ بدء الحرب في أوكرانيا، أنهت المنطقة عاما سيئا، أكان بالنسبة لسكانها الرازحين تحت أعباء معيشية هائلة، أو حكوماتها التي تكابد الأمرّين لدعم صمود أناس يعيشون في أجواء حياتية قاتمة، حيث تتراجع قدراتهم الشرائية مع تزايد فواتير الطاقة ومعدلات التضخم، الذي انحسر جموحه في ديسمبر/كانون الأول.
الجديد ما أعلنه اليوم الجمعة مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) من أن مؤشر أسعار المستهلكين في 19 دولة تستخدم عملة اليورو ارتفع في ديسمبر/كانون الأول الفائت 9.2%، أو بأبطأ وتيرة منذ أغسطس/آب الفائت، بحسب ما أوردته وكالة "أسوشييتد برس"، علما أن كرواتيا انضمت إلى منطقة شنغن واليورو في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري.
وجاء المعدل دون توقعات بارتفاعه 9.7% في استطلاع أجرته "رويترز" سابقا، إلا أن هذه البيانات التي تبدو سارة تخفي في طياتها تفاصيل غير جيدة، إذ إن الجزء الأكبر من التراجع جاء نتيجة لانخفاض أسعار الطاقة، فيما زادت جميع المكونات الرئيسية للتضخم الأساسي، أيضا بحسب الوكالة نفسها.
وقد ارتفع معدل التضخم الذي يستثني الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة إلى 6.9% مقابل 6.6%، فيما صعد مقياس أكثر تقييدا يستبعد أيضا أسعار الكحول والتبغ إلى 5.2% مقابل 5%.
وكان هذا ثاني انخفاض على التوالي في التضخم منذ يونيو/ حزيران 2021، علما أنه في نوفمبر/ تشرين الثاني انخفض التضخم إلى 10.1%، بعدما بلغ ذروة 10.6% الشهر السابق، فيما تشير الأرقام الأخيرة إلى أن الأسوأ قد ينتهي بالنسبة للمستهلكين الذين يعانون في جميع أنحاء أوروبا من ارتفاع تكاليف الطاقة منذ أن شنت روسيا حربها على أوكرانيا في فبراير/شباط، والتي ألحقت خرابا بأسواق النفط والغاز الطبيعي، وكانت المحرك الرئيسي للتضخم.
وتشير أحدث الأرقام إلى أن تكاليف الطاقة آخذة في التراجع في الوقت الحالي. وتباطأ ارتفاع أسعار الطاقة إلى 25.7%، بانخفاض بعد مكاسب نوفمبر/تشرين الثاني بنسبة 34.9% و41.5% في أكتوبر/تشرين الأول.
وتراجعت أسعار الغاز الطبيعي من أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا الصيف، حيث ملأت أوروبا إلى حد كبير مخازنها لفصل الشتاء بإمدادات من بلدان أخرى، بينما أدى الطقس الأكثر دفئا من المعتاد إلى تقليل المخاوف من حدوث نقص خلال موسم التدفئة.
أما ارتفاع أسعار الغذاء، العامل الكبير الآخر الذي أدى إلى ارتفاع التضخم الأوروبي، فقد ظل ثابتا إلى حد ما، بعدما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والكحول والتبغ بوتيرة سنوية بلغت 13.8% في ديسمبر الماضي، وهي نسبة أعلى من الشهر السابق.
كما تفاقم التضخم بسبب الاختناقات في إمدادات المواد الخام وقطع الغيار، وسط انتعاش الطلب الاستهلاكي العالمي بعد انتهاء قيود جائحة كورونا. وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء إلى تهديد الركود وغذى الاضطرابات العمالية، حيث فشلت الأجور في مواكبة ارتفاع الأسعار.
وفي جميع أنحاء أوروبا، أضرب موظفو مترو الأنفاق وعمال المستشفيات وسائقو القطارات وعمال البريد ومراقبو الحركة الجوية، مما يهدد بحدوث اضطرابات سياسية.
وتسارع التضخم في الخدمات والسلع الصناعية غير المرتبطة بالطاقة، التي تحظى بمراقبة حثيثة من جانب البنك المركزي الأوروبي لقياس استمرارية نمو الأسعار، مما زاد من المخاوف من أن التعامل مع ارتفاع الأسعار سيكون أصعب مما كان متوقعا.
تحسّن معنويات منطقة اليورو لأول مرة منذ غزو أوكرانيا
إلى ذلك، أظهرت بيانات للمفوضية الأوروبية، اليوم الجمعة، تحسن المعنويات الاقتصادية بمنطقة اليورو في ديسمبر/كانون الأول للمرة الأولى منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وسط مزيد من التفاؤل في كافة قطاعات الاقتصاد وانخفاض حاد في توقعات التضخم.
وارتفع المؤشر الشهري للمفوضية إلى 95.8 في ديسمبر/كانون الأول مقابل 94.0 في نوفمبر/ تشرين الثاني، ليسجل أول ارتفاع منذ نزوله من المستوى القياسي البالغ 114.0 الذي سجله في فبراير/شباط، وهو الشهر ذاته الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، بحسب "رويترز".
وتحسّنت المعنويات في الصناعة إلى سالب 1.5 مقابل سالب 1.9، وزادت في قطاع الخدمات بأكثر من الضعف إلى 6.3 مقابل 3.1. وزاد التفاؤل بين المستهلكين وتجار التجزئة والعاملين بقطاع البناء، مما يشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي المتوقع للربع الأخير من 2022 والأول من 2023 سيكون طفيفا على الأرجح.
وسجلت توقعات المستهلكين للتضخم على مدى الاثني عشر شهرا التالية انخفاضا حادا في ديسمبر إلى 23.7 نقطة مقابل 29.9 نقطة في نوفمبر، كما هبطت توقعات المصنّعين لأسعار البيع إلى 38.4 نقطة مقابل 40.4 في نوفمبر.
انخفاض حاد متواصل لطلبيات المصانع الألمانية
وفي ألمانيا، أظهرت أرقام رسمية، اليوم الجمعة، أن طلبيات المصانع انخفضت 5.3% في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بالشهر السابق، وذلك على خلفية انخفاض حاد في الطلب الأجنبي، بحسب "أسوشييتد برس". وانخفضت الطلبات الجديدة، وهي مؤشر مهم لأكبر اقتصاد في أوروبا، للمرة الثالثة في 4 أشهر بعد ارتفاعها 0.6% في أكتوبر/تشرين الأول.
ونما الاقتصاد الألماني بنسبة 0.4% في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول مقارنة بالربع السابق بفضل الإنفاق الاستهلاكي. لكن كان من المتوقع منذ فترة طويلة أن يتقلص في الربع الأخير من العام الماضي وفي الربع الأول الحالي.
وتراجع معدل التضخم السنوي في ألمانيا مرة أخرى من ذروة 10.4% في أكتوبر/تشرين الأول إلى 8.6% في ديسمبر، لكن الأسعار المتسارعة تظل مشكلة كبيرة للاقتصاد.