مؤشر سلبي مفاجئ قدمه إعلان وزير المالية السعودي محمد الجدعان باعتزام حكومة بلاده تأجيل بعض مشروعات رؤية السعودية 2030. خاصة بعد تصريحه بأن المملكة "مضطرة إلى تغيير الجدول الزمني" لبعض المشروعات.
ولم يحدد الجدعان المشروعات التي سيتم تأجيلها، لكنه أكد أن "هناك حاجة إلى فترة أطول لبناء المصانع، وبناء موارد بشرية كافية"، واعتبر أن هذا التأجيل "يخدم اقتصاد المملكة"، حسب ما أوردت "بلومبيرغ".
وبحسب تصريحات الوزير السعودي فإن مراجعة خطط المشروعات جرت على أساس "العائدات الاقتصادية والاجتماعية والتوظيف ونوعية الحياة، من بين عوامل أخرى على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، وأسفرت عن "منح بعض المشروعات قيد التنفيذ، والتي لم يتم الإعلان عنها بعد، إطارًا زمنيًا أطول".
وتهدف رؤية السعودية 2030 والتي تم الكشف عنها عام 2016، إلى تنويع الاقتصاد السعودي، المعتمد على النفط، وجذب الاستثمار الأجنبي، ولطالما روجت حكومة المملكة للتقدم الذي تم إحرازه في تنفيذها بمجالات تتراوح من السياحة والتصنيع إلى الرقمنة ودمج المرأة في سوق العمل، لكن تكاليف تلك المشروعات ارتفعت بشكل كبير مؤخرا، بينما لا يزال اقتصاد المملكة معتمدا على موارد الطاقة بالأساس.
وبحسب تقدير نشره صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن السعودية ستحتاج إلى سعر نفط يقترب من 86 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها ،وهو سعر أعلى من متوسط الأسعار لهذا العام.
النفط والتضخم
ويشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخطط الاستراتيجية تتعرض خلال تنفيذها إلى بعض التعديلات بحكم طبيعة المستجدات التي تواجه عمليات تنفيذ مشروعاتها، بخلاف الخطط قصيرة المدى، مثل الموازنة العامة للدولة، التي لا تخضع لتعديلات غالبا ومعدل الانحراف فيها يكون محدودا.
ويضيف الناير أن عاملا ثانيا له تأثير جوهري في تأجيل السعودية لبعض مشروعات رؤية 2030، وهو العجز المتوقع بالموازنة السعودية في الأعوام القادمة، وبالتالي لا فوائض مالية لتوجيهها إلى العديد من المشروعات الاستراتيجية في إطار رؤية 2030.
تراجع أسعار النفط يُعد عاملا ثالثا في التوجه السعودي نحو تأجيل بعض مشروعات رؤية السعودية 2030 بحسب الناير، موضحا أن هذا التراجع في سعر برميل النفط حاليا، الذي يقل عن 80 دولارا، لا يخدم تمويل مشروعات خطة المملكة التنموية، كما أن تنويع اقتصاد المملكة لم يصل إلى مرحلة ضمان موارد تغني عن إيرادات النفط حتى الآن.
ورغم فرض بعض الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، فإنها لم تحقق تنويع الإيرادات بالحجم المطلوب للمشروعات الاستراتيجية الكبيرة في رؤية السعودية 2030 والتي تحتاج إلى تريليونات الدولارات، بحسب الناير، مشيرا إلى أن مشروع "نيوم" وحده يحتاج إلى كلفة تقدر بنحو 500 مليار دولار.
ويلفت الناير أيضا إلى عامل رابع، وهو تحسب الحكومة السعودية لارتفاع معدل التضخم في حال الإنفاق بشكل كبير على مشروعات رؤية 2030، فرغم كونها مشروعات ذات طبيعة إيرادية على المدى الطويل، إلا أن لها آثاراً تضخمية على المدى القصير، ما ينعكس سلبا على أسعار السلع والخدمات داخل المملكة.
الإكسبو والمونديال
ويرى الناير أن كل العوامل السابقة ذات تأثير مهم على تأجيل بعض مشروعات رؤية السعودية 2030 لكن تنظيم المملكة لمعرض "إكسبو 2030" وكأس العالم لكرة القدم 2034، يمثل العامل الأهم والرئيسي في هذا التأثير، مشيرا إلى أن تنظيم حدثين كبيرين بهذا الحجم يتطلب الإنفاق على مشروعات أخرى، بخلاف مشروعات رؤية المملكة.
وسبق أن أعلنت السعودية أنها تعد "تنظيما استثنائيا" لمعرض إكسبو، في نفس عام انتهاء تنفيذ رؤيتها التنموية، فضلا عن ضرورة البدء في إنشاء البنية التحتية اللازمة لتنظيم كأس العالم مبكرا، على غرار ما فعلت قطر في تنظيمها لكأس العالم 2022، ما يعني أن السنوات القادمة ربما تشهد تباطؤا لافتا في تنفيذ العديد من المشروعات الخاصة برؤية السعودية 2030 لصالح مشروعات تنظيم إكسبو وكأس العالم، حسب تقدير الناير، الذي توقع أن يمتد تأجيل بعض مشروعات رؤية السعودية التنموية إلى عام 2034 وبعضها إلى عام 2036.
إرباك مالي سعودي
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدم تحقيق تخفيضات إنتاج النفط، التي تتحمل فيها السعودية نصيب الأسد، سواء طوعيا أو ضمن تحالف "أوبك+"، لنتائجها المرجوة برفع أسعار النفط لعب دورا أساسيا في قرار الحكومة السعودية بتأجيل بعض مشروعات رؤية 2030، لافتا إلى أن النفط بات أقل حساسية للاضطرابات العالمية، وبالتالي لم تعد تلك الاضطرابات تدفع باتجاه رفع الأسعار كما كان الحال سابقا.
وكان لذلك أثره الكبير في تراجع الإيرادات النفطية لدول الخليج عموما والسعودية خصوصا، وهو ما تجلى في ظهور العجز بموازنة المملكة اعتبارا من الربع الثاني من العام الجاري 2023، واستمراره حتى الربع الرابع، مع توقعات معلنة من وزارة المالية السعودية باستمرار العجز إلى عام 2026، بحسب عايش.
وإزاء ذلك، ثمة مقترحات في السعودية لـ "تمديد" رؤيتها التنموية إلى عام 2040، ما يؤشر إلى "دمج" وربما "إلغاء" بعض المشروعات المدرجة بالرؤية، ما وصفه عايش بأنه تعبير عن حالة من "الإرباك المالي" تعيشها المملكة.
ويعزز من تلك الحالة استمرار عدم اليقين الاقتصادي عالميا، واستمرار المخاوف من الركود في الولايات المتحدة الأميركية مع تراجع طلبيات المصانع وقطاع النقل، ما يعني أن تأثير أسعار الفائدة فيها بدأ في الظهور، وربما يؤدي ذلك إلى تباطؤ اقتصادي أو إلى ركود في نهاية المطاف، حسب ما يرى عايش.
الصين وكوب 28
ويلفت عايش، في هذا الصدد، إلى أن مرور الصين بتعثر اقتصادي أدى إلى تراجع طلبها على النفط، وهو أحد العوامل المهمة أيضا في تراجع إيرادات السعودية، باعتبار أن الصين هي أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم، في الوقت الذي رفعت فيه الدول الكبرى المنتجة للنفط من مخزونها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ما جعلها أقل ارتباكا إزاء نقص المعروض العالمي.
المتطلبات المناخية التي ضغطت العديد من الدول لاعتمادها في مؤتمر المناخ العالمي "كوب 28" في دبي يراها عايش عاملا ساهم في تراجع أسعار النفط، إذ قدمت رسالة تؤشر إلى حالة تصميم على تجاوز "عصر النفط" عالميا، ما انعكس أثره على عودة العجز للموازنة السعودية، وتفاقم الديون التي بلغت 256 مليار دولار.
ويعني ذلك أن السعودية إذا استمرت في مشروعات رؤية السعودية 2030 وفق التخطيط السابق لها، فإن ستعتمد على مصدرين: إما صندوق الاستثمارات العامة السيادي، وهو ما لا تريد الحكومة تسييل نسبة كبيرة من أصوله، وإما المديونية، ما سيرتب على حكومة المملكة أعباء إضافية ربما تؤثر لاحقا على تصنيفها الائتماني، بحسب عايش.
وفي هذا الإطار، جاء تأجيل بعض مشروعات 2030، ما يحمل في طياته أن نتائج رؤية السعودية لم تكن على مستوى التوقعات، ما يراه عايش مؤثرا بشكل سلبي على الصورة الإجمالية العامة التي رسمتها حكومة المملكة لاقتصادها مؤخرا.