يرزح سكان المملكة المتحدة تحت عبء ثقيل تمليه القروض المصرفية، سواء لشراء سيارة أو منزل أو إطلاق مشروع تجاري. وينتشر استخدام بطاقات الائتمان على نطاق واسع في البلاد، ما يعني أن أي رفع لأسعار الفائدة يزيد تلقائياً التكاليف على ملايين الناس، لأن اقتراض الأموال يصبح أكثر تكلفة.
مع ذلك، يتعثر العديد من الناس في استيعاب فكرة كيفية خسارة "حسابات التوفير"، في حال ارتفاع أسعار الفائدة.
فمن المنطقي أن أسعار الفائدة المرتفعة تولد عوائد أقوى تشجع الناس عادة على الادخار أكثر، لأن ثروتهم تزداد، بيد أن هذه العملية تنعكس كلياً في ظل معاناة البلاد من التضخم، فعندما تكون الأسعار منخفضة، تتآكل قيمة الفائدة على المدخرات بسبب التضخم، وهو ما يحفز الناس على الإنفاق.
أسباب رفع أسعار الفائدة
حاول بنك إنكلترا كبح أو تقليص حجم التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة إلى 2.25% للمرة السابعة على التوالي منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، بيد أن معدلات الادخار فشلت في مجاراة وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة المصرفية.
وبما أن أسعار الفائدة المرتفعة تزيد من تكلفة اقتراض المال، يميل الناس إلى التوفير وإلى إنفاق أقل بشكل عام، بما يؤدي إلى إبطاء ارتفاع أسعار السلع والخدمات ويساهم في خفض معدل التضخم.
تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في حسابات التوفير
نظرياً، يجب أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى كسب المزيد من الفائدة على حسابات التوفير كل شهر، إن مررت البنوك هذه الفائدة. لكن نظراً لأن أسعار الفائدة لا تزال أقل بكثير من التضخم، تستمر معاناة الناس من خسائر حقيقية.
وعادة ما ترفع البنوك أسعار الفائدة لكل من المدخرين والمقترضين، إذا ارتفعت الفائدة. لكن لتغطية تكاليفها، تدفع البنوك عادة أقل للمدخرين مما تفرضه على المقترضين. لذلك، يتوقع بنك إنكلترا وجود فجوة بين أسعار الفائدة على المدخرات والقروض.
ورغم أزمة المعيشة التي تضرب بريطانيا، تقدم بعض البنوك معدلات ضئيلة تصل إلى 0.01% فقط على حسابات التوفير. ويستمر الناس في فقدان القيمة الحقيقية لأموالهم، حتى لو مرر البنك الذي تتعامل معه المبلغ بالكامل، لأن متوسط معدل الادخار لا يزال أقل بكثير من معدل التضخم البالغ 9.9%.
ويحذر خبراء أولئك المعتمدين على حسابات التوفير لتمويل عمليات الشراء المستقبلية أو لحالات الطوارئ، من أن ارتفاع أسعار فائدة البنك لن يعني تلقائياً أن قيمة حساباتهم ستصبح أفضل.
كذلك ينصحون بالتحقق من أفضل حسابات التوفير للحصول على أفضل قيمة للادخار ولحماية أموالهم من آثار الركود.
شكاوى ضد البنوك في بريطانيا
نتيجة فشل البنوك في عكس الزيادات في سعر الفائدة الأساسي لبنك إنكلترا، تلقت هيئة الرقابة المالية (FCA) في بريطانيا العديد من الشكاوى.
وهي تسعى الآن للحصول على إجابات من هذه البنوك حول كيفية اتخاذها قرارات بشأن أسعار فائدة الادخار. وحذرت من إمكان التدخل بعد تحديد 30 شركة تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة العملاء المتعثرين. وقالت إنها ستحقق في أنشطة 40 مصرفاً آخر.
في السياق، قال المدير التنفيذي للمنافسة والمستهلكين في "هيئة الرقابة المالية"، شيلدون ميلز، في مؤتمر، إنه يحقق مع البنوك لفشلها في القيام بما يكفي لمساعدة العملاء الذين يعانون في أثناء أزمة تكلفة المعيشة، محذراً من احتمال التدخل ما لم تتغير سياسات القطاع.
في المقابل، وصلت معدلات الادخار إلى أعلى مستوياتها منذ 13 عاماً بعد إطلاق "بنك أتوم" Atom Bank المزود بالتطبيقات فقط، سندات بسعر فائدة ثابت لمدة عام واحد قيمتها 4.11%، وهو أعلى معدل لمدة عام واحد منذ عام 2009، وفقاً لشركة المعلومات المالية "ماني فاكتس" Moneyfacts، حيث إن إيداع 20 ألف جنيه إسترليني في صفقة "بنك أتوم" الجديدة سيأتي بعائد قدره 822 جنيهاً إسترلينياً في عام واحد.
أسعار الفائدة السلبية ومعاقبة المدخرين في بريطانيا
لم يتعافَ الاقتصاد البريطاني بشكل كامل رغم جهود الحكومة البريطانية وبنك إنكلترا للتخفيف من تأثير جائحة كورونا.
ووفقاً للأرقام الحكومية، كان الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة في الربع الأول من عام 2021 أقل بنسبة 8.8% عمّا كان عليه قبل الإغلاق الوطني الأولي.
ونتيجة لذلك، يتوقع العديد من المحللين أن يطبق بنك إنكلترا سعر فائدة أساسياً سلبياً لتحفيز الاقتصاد بشكل أكبر. وفي حال قيامه بذلك، قد تحذو البنوك حذوه وتقدم أسعاراً سلبية إلى عملائها.
ويعني هذا الاحتمال، إن تحقق، أن البنوك قد تفرض رسوماً للاحتفاظ بأموال الناس معها، الأمر الذي سيشجع الناس على الإنفاق بشكل أكبر، ما سيحفز الاقتصاد.
ورغم أن فرض "أسعار فائدة سلبية" قد يعاقب المدخرين، إلا أن الخبراء يرون أنها قد تساعد في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
كذلك يلفتون إلى أن التضخم إلى حد ما، يُعَدّ أمراً جيداً، علماً أن هدفه لدى بنك إنكلترا يبلغ 2%، إلا أن التضخم المرتفع جداً يؤثر سلباً في اقتصاد المملكة المتحدة.
في هذا الشأن، علّق كبير الاقتصاديين في بنك إنكلترا، هوو بيل، على الميزانية المصغرة للحكومة، التي أدت إلى انخفاض الجنيه انخفاضاً قياسياً مقابل الدولار، معتبراً أنها قد تؤدي إلى ارتفاع آخر في سعر الفائدة قبل التصويت التالي المقرر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني.
هذا ويتوقع التجار أن تصل أسعار الفائدة إلى ما بين 5.5% و5.75% بحلول العام المقبل.