بين ترامب وهاريس.. أيهما أفضل لاقتصادات دول الخليج؟

10 سبتمبر 2024
تداعيات اقتصادية متوقعة للانتخابات الرئاسية الأميركية (رويترز)
+ الخط -

جلس المستشار الاقتصادي السابق في إحدى شركات النفط، عبد الرحمن السليطي، في مقهى هادئ بعيداً عن صخب مدينة الرياض، معبراً عن قلقه من تطورات السياسة الأميركية وتأثيرها على دول الخليج العربية، في ضوء التنافس الذي يزداد حدة في الانتخابات الرئاسية الأميركية بين المرشح الجمهوري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس. 

يقول السليطي، الذي قضى 3 عقود في دراسة تأثير السياسات الأميركية في اقتصادات المنطقة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات الأميركية المقبلة ليست مجرد حدث سياسي بعيد، وتأثيراتها اقتصادياً قد تصل إلى كل بيت في الخليج". ويستند تحليل السليطي إلى سنوات من الخبرة في تتبع العلاقات الاقتصادية المعقدة بين الخليج والولايات المتحدة، وإلى بيانات رصد التقلبات في سوق النفط العالمية، والتي "قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة في الأشهر التالية للانتخابات الأميركية، مع احتمال تغير في الأسعار يتراوح بين 20% و30%"، حسب تقديره. ويشير السليطي إلى تقرير صندوق النقد الدولي، الصادر في مارس/آذار 2024، قائلاً: "رغم أنّ التقرير يتوقع نمواً بنسبة 3.4% لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في 2024، فإن هذه التوقعات قد تصبح من الماضي إذا شهدنا تغيرات جذرية في السياسة الأميركية. على صناع القرار في الخليج أن يستعدوا لكل السيناريوهات؛ فمستقبل اقتصاداتنا قد يتشكل في صناديق الاقتراع الأميركية أكثر مما نتخيل". 

محوران للتأثّر من الانتخابات الرئاسية الأميركية

في هذا الإطار، يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة نيس الفرنسية، آلان صفا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن النتائج الاقتصادية لدول الخليج ستتأثر حتماً بالانتخابات الأميركية من خلال محورين رئيسيين، الأول يرتبط باعتماد اقتصادات هذه الدول على النفط من حيث الكمية والأسعار، فالمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، يدعم استمرار إنتاج النفط واستهلاكه، ما قد يخدم مصالح دول الخليج على المديين المتوسط والطويل، حسبما يرى صفا، الذي يحذر مع ذلك من أن زيادة إنتاج النفط في عهد ترامب قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار، ما قد يؤثر سلباً في عائدات هذه الدول. 

أما المرشحة الديمقراطية هاريس، فتتبنى موقفاً مغايراً، حيث يعارض الحزب الديمقراطي الاعتماد على النفط ويدعم مكافحة التغيرات المناخية، ولذا يرى صفا أن انتخاب رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة سيعني ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير، ما يزيد من عائدات دول الخليج، لكنه قد يؤثر سلباً في اقتصاداتها المعتمدة على النفط على المدى الطويل.

وتشكّل العلاقات الدبلوماسية المحور الثاني لتأثير نتيجة الانتخابات الأميركية باقتصادات دول الخليج، بحسب صفا، موضحاً أن ترامب ارتبط بعلاقة وثيقة مع السعودية، بينما شهدت العلاقات مع بايدن والديمقراطيين نوعاً من الفتور، ما دفع المملكة لفتح قنوات مع الصين ودول أخرى. ومن شأن عودة السعودية إلى سياستها الخارجية السابقة في حال فوز ترامب أن يؤدي إلى توتر العلاقات مع إيران، وهو ما لا يمكن الجزم به، بحسب صفا، الذي أشار إلى احتمال أن تحافظ المملكة على سياستها الخارجية الحالية، مؤكداً أن أي تصعيد في العلاقات مع إيران قد ينعكس سلباً على موقف دول الخليج في هذا الصراع.

وفي السياق ذاته، يلفت صفا الانتباه إلى محاولات دول الخليج، وخاصة السعودية، لبناء علاقات مستقرة مع جميع الدول، بما فيها إيران وتركيا واليمن، ويحذر من أن عودة ترامب لسدة الرئاسة الأميركية قد تهدد استمرار هذه العلاقات الجيدة وسياسة حسن الجوار. وفيما يتعلق بسياسة الاستثمارات الخارجية، يلفت صفا إلى أن الديمقراطيين يشجعون على تنمية العلاقات مع الدول لجذبها إلى الولايات المتحدة والحدّ من تعاونها مع الصين والدول المنافسة. في المقابل، يسعى ترامب والجمهوريون إلى حصر الاستثمارات في الولايات المتحدة فقط، ما قد يؤثر بالاستثمارات في دول الخليج. 

سياسات سلبية

في السياق، يشير الخبير في العلاقات الاقتصادية الدولية، رائد المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن السياسة الخارجية الأميركية تشهد تبايناً ملحوظاً في التعامل مع دول الخليج والعالم بين الإدارات المختلفة، معتبراً أن سياسات كل من الجمهوريين والديمقراطيين تتسم بالسلبية بشكل عام تجاه دول الخليج، مع وجود تخبط في الرؤية الاقتصادية، وكيفية التعامل مع ملفات النزاع وأزمات سلاسل التوريد.

 

وفي تقييم لأداء ترامب، يبرز المصري تعامله "السيئ" مع دول الخليج عند فوزه عام 2016، معتبراً أن الرئيس الأميركي السابق "أخفق في التماشي مع السياسات الخليجية، وتقدير مواقفها الاستراتيجية والاقتصادية بوصفها حليفاً استراتيجياً، وعبث بالأوراق والملفات والتحالفات التاريخية بين الولايات المتحدة ودول الخليج على المستويين الاقتصادي والنفطي"، حسب تقديره. ويستدل المصري على تقديره بأسعار النفط، التي شهدت تذبذباً ملحوظاً خلال فترة رئاسة ترامب، وفي المقابل "كان الحزب الديمقراطي أفضل أداءً وتنسيقاً وتنظيماً في علاقاته مع حلفائه، خاصة مع دول الخليج"، حسب رأيه. 

تثير احتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض مخاوف من إعادة خلط الأوراق الاقتصادية وإشعال حروب تجارية جديدة. ويحذر المصري من أن هذا السيناريو سيؤثر بالاقتصاد العالمي، بما في ذلك استهلاك النفط والغاز، ما سينعكس سلباً على دول الخليج مباشرة. وفي ظل هذه التوقعات، يرى المصري أن استمرار الحزب الديمقراطي في السلطة سيكون أفضل لدول الخليج ولأدائها السياسي والاقتصادي، مشدداً في الوقت ذاته على أهمية الاستعداد لمختلف السيناريوهات، خاصة في ظل الاضطرابات المحتملة في سلاسل التوريد والحروب التجارية التي قد تنشأ في حال عودة ترامب رئيساً للولايات المتحدة.

المساهمون