بيع بنك القاهرة .. ما الذي تغير؟

30 أكتوبر 2016
الحكومة تعاود بيع بنك القاهرة
+ الخط -

ما حدث في مصر قبل نحو 9 سنوات من رفض بيع بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك في البلاد، كان إما عبارة عن تمثيلية كبيرة كان الهدف منها الضحك على ملايين المصريين، وإعطاء انطباع في العلن بأن هناك أشخاصاً يتقلدون موقع المسؤولية بالبلاد ويخافون على أصول مصر وثروتها وقطاعها المصرفي والمالي.

لكن في السر، يوافق هؤلاء على بيع البنوك وشركات الإسمنت والأسمدة والمطاحن والأغذية والقطاعات الاستراتيجية للأجانب، أو أن هذه كانت عبارة عن مواقف مبدئية ووطنية حقيقة لهؤلاء المسؤولين الذين رفضوا بيع أصول الدولة للأجانب، خاصة تلك التي تمس بالأمن القومي، وانتهت هذه المواقف برحيلهم عن مواقعهم.

بالطبع كلامي ليس لغزاً ولا فزورة، وتعالوا نطبقه على صفقة بيع بنك القاهرة، وهو واحد من أهم البنوك المصرية التي اعتبرت رمزاً لثورة 23 يوليو 1952، حيث كان البنك هو أول مصرف يتم تأسيسه عقب قيام الثورة ورحيل المحتل البريطاني.

في عام 2007 أعلنت حكومة أحمد نظيف وبشكل مفاجئ البدء في إجراءات بيع بنك القاهرة، وهو ما أثار ضجة قوية في ذلك الوقت، رغم أن البنك كان يمر ساعتها بحالة تعثر شديدة بسبب هروب كبار المتعاملين معه للخارج، وتوقف رجال أعمال، حصلوا على قروض بمليارات الجنيهات، عن سداد المديونيات المستحقة عليها، كما كان البنك يعاني من ضخامة حجم الديون المتعثرة لديه بسبب الظروف الصعبة، التي كانت تعاني منها القطاعات الاقتصادية المتعاملة معه، خاصة السياحة والمقاولات والبناء والتشييد والصناعة.

والغريب أن قرار بيع بنك القاهرة جاء بعد تأكيدات حكومية بأن بنك الإسكندرية سيكون أول وآخر بنك حكومي سيتم بيعه للأجانب، كما جاءت الخطوة أيضاَ رغم استقدام الحكومة فريقاً مصرياً، كان يعمل بأحد البنوك الأميركية، لإدارة البنك الحكومي وانتشاله من حالة التعثر التي يمر بها.

وعقب الإعلان عن قرار بيع بنك القاهرة في 2007 حدث هجوم شديد على الحكومة بسبب القرار، وتابع بعضنا الحملات الشرسة التي قادتها الصحف الحزبية والخاصة، بل والقومية، على حكومة أحمد نظيف، التي كانت متحمسة للبيع، وفي وقت لاحق عرفنا أن جمال مبارك هو الذي كان متحمساً لبيع البنك لأجانب، وأن الحكومة كانت مجرد واجهة تتلقى الأوامر وتنفذها لا غير.

ساعتها، علمت من مصادر رسمية رفيعة المستوى أن المشير، محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع في ذلك الوقت، عارض بشدة قرار الحكومة بيع البنك الحكومي لبنوك أجنبية، وأنه لولا موقف المشير الحازم ونهره أحمد نظيف شخصيا خلال اجتماع لمجلس الوزراء، لتم تمرير الصفقة.

وللخروج من هذا المأزق، أعلنت الحكومة في صيف عام 2008 تأجيل عملية بيع بنك القاهرة، بحجة عدم تلقي عروض مغرية من البنوك العربية والأجنبية الراغبة في الاستحواذ على ثالث أكبر بنك في البلاد.

 ومن ساعتها تم إغلاق ملف بيع بنك القاهرة عقب دمجه في بنك مصر، إلى أن خرج علينا اليوم، الأحد، أحمد كوجك، نائب وزير المالية للسياسات المالية، ليعيد سيناريو 2007 ويعلن عن معاودة تنفيذ خطة بيع بنك القاهرة وتكليف المجموعة المالية، هيرميس وبنك إتش.إس.بي.سي، البريطاني، لتقديم المشورة في طرح حصة من البنك للمستثمرين في البورصة.

ما الذي تغير حتى تعاود الحكومة بيع ثالث أكبر بنك في البلاد؟ وما الذي حدث حتى تعيد الحكومة مرة أخرى صفقة اعترض عليها الجميع بحجة مساسها بالأمن القومي المصري وأموال المودعين؟ وهل كان موقف المشير طنطاوي الرافض بيع مزيد من البنوك للأجانب هو موقف يعبر عن المؤسسة العسكرية كاملة أم موقفاً شخصياً؟

هل بيع البنوك للحصول على عدة ملايين من الدولارات يتم توجيهها لوقف تهاوي الجنيه، مقابل الدولار، سبباً كافياً للتضحية بواحد من أكبر البنوك المصرية؟ أم أن هناك بنوكاً خليجية ما زالت تراهن على الفوز بواحد من أهم البنوك مساهمة في تمويل التجارة الخارجية لمصر ومشروعات السياحة والبنية التحتية؟ وهل هناك في السلطة مَنْ يدعم هذا الاتجاه؟

والأهم ألا يكفي سيطرة الأجانب على أكثر من 35% من القطاع المصرفي المصري؟ أم أن البعض يريد أن يرفع النسبة لأكثر من 50% وبعدها نسأل لماذا يحول هؤلاء مليارات الدولارات للخارج؟

المساهمون