بورصة لندن تخسر أسهم شركات أوروبية كبرى في أولى تحديات الانفصال

06 يناير 2021
حي المال البريطاني في لندن
+ الخط -

تواجه بورصة لندن، ثامن أكبر بورصة في العالم، تحديات ضخمة خلال العام الجاري، بعد انفصال بريطانيا وخروجها من عضوية الاتحاد الأوروبي. إذ خسرت البورصة جزءاً من تجارة الأسهم الأوروبية، كما تواجه بعد أشهر خسارة تسوية المشتقات المالية الأوروبية، إن لم تتمكن الحكومة البريطانية من الوصول إلى ترتيبات مالية جديدة مع الاتحاد الأوروبي بشأن تجارة الخدمات المالية.

فاتفاقية بريكست التي قننت العلاقات التجارية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بعد الخروج من العضوية، وبدأ العمل بها منذ الأول من يناير/ كانون الثاني الجاري، لم تتضمن تجارة الخدمات المالية، وإنما فقط تضمنت فقرة تشير إلى مناقشة موضوع الخدمات المالية بين الطرفين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سريان اتفاق بريكست. 

ورغم ارتفاع مؤشرات "فوتسي 100" و"فوتسي 250" و"فوتسي 350" التي تقيس أداء بورصة لندن في تعاملات العام الجديد التي بدأت يوم الاثنين، إلا أن البورصة خسرت جزءاً من وزنها لصالح البورصات الأوروبية.

وحسب أرقام شركة رفينيتيف اللندنية للبيانات المالية، غادرت صالات التداول في بورصة لندن يوم الاثنين، بداية الأسبوع، أسهماً أوروبية قيمتها 6 مليارات يورو إلى البورصات الأوروبية.

كما تحول تداول أسهم شركات أوروبية كبرى من بورصة لندن إلى بورصات أوروبية، من بينها بورصات أمستردام وفرانكفورت وباريس. من بين هذه الشركات، التي تحول تداول أسهمها من لندن إلى أوروبا، مصرف "دويتشه بانك" الألماني ومصرف "سانتاندير" الإسباني وشركة توتال الفرنسية.

ويذكر أن نحو 30% من أسهم الشركات الأوروبية كان يتم تداولها في بورصة لندن قبل سريان اتفاق الانفصال أو "بريكست".

وهو ما يعني أن بورصة لندن ستفقد جزءاً من وزنها السوقي للبورصات الأوروبية. ويقدر حجم القيمة السوقية لبورصة لندن، أي قيمة الأسهم المتداولة للشركات المدرجة فيها وتتم التجارة بها، بنحو 3.13 ترليونات دولار، مقارنة بقيمة الأسهم الأوروبية للشركات المدرجة ببورصة "يورو نيكست" البالغ حجمها نحو 3.85 ترليونات دولار، وذلك حسب بيانات شركة "ستاتيستا" البريطانية التي نشرتها في أكتوبر/تشرين الأول.

وحسب هذه البيانات، فإن إجمالي القيمة الرأسمالية أو السوقية لبورصات الأسهم العالمية تقدر بنحو 89.5 ترليون دولار خلال العام 2020. وبينما تحتل بورصة لندن المرتبة الثامنة، تحتل بورصة "يورو نيكست" المرتبة السادسة.

ويرى خبراء أن ترتيب البورصة البريطانية سيتراجع بعد خسارة جزء من الأسهم الأوروبية خلال العام الجاري، ما لم تتمكن الحكومة البريطانية من تعزيز موقع حي المال البريطاني عبر اتفاقات الشراكات التجارية الجديدة لبناء الفضاء التجاري، وما لم تحدث عمليات تنسيق قوية مع البورصات الأميركية ضمن اتفاقية الشراكة التجارية المتوقعة مع الولايات المتحدة، والتي ستشمل الخدمات والإجراءات المالية.

ويقدر حجم البورصات الأميركية بنحو 41.17 ترليون دولار، من بينها 28.19 ترليون دولار لبورصة نيويورك و12.98 ترليون دولار لبورصة ناسداك. وبالتالي فإن أية ترتيبات تنسيقية في الخدمات المالية ستصب لصالح تعزيز مركز لندن المالي، وبالتالي ستعزز مركز بورصة لندن في أوروبا.

 

ويرى خبراء أن مثل هذه الترتيبات ستضغط على أوروبا لإعادة النظر في "نظام تكافؤ الإجراءات"، الذي تطالب به الحكومة البريطانية وترفضه دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن. ونظام "تكافؤ الإجراءات" في الخدمات المالية، في حال جرت مناقشته خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، سيكون بديلاً لنظام "جواز المرور التجاري" الذي توقف العمل به منذ سريان اتفاق الانفصال البريطاني عن الكتلة الأوروبية في بداية الشهر الجاري.

وكان نظام "جواز المرور التجاري" يسمح لمصارف حي المال البريطاني وشركاته بالمتاجرة بالخدمات المالية، مثل عمليات القروض وإصدار السندات وبيع وشراء الأدوات المالية من دون الحاجة إلى إذن مسبق.

ويرى الرئيس التنفيذي لمنصة "أكويس إيكسجينج"، التي كانت تتخصص في تداول الأسهم الأوروبية في لندن، السيدير هاينز، أن "مدينة لندن خسرت تجارة الأسهم الأوروبية بعد الانفصال".

وهنالك مخاوف من أن يشجع ذلك بعض الشركات المدرجة بالبورصة على إدراج أسهمها في البورصات الأوروبية.

على صعيد سوق المشتقات المالية الأوروبية التي تتخصص لندن في تسويتها ولديها خبرات غير متوفرة في البورصات الأوروبية، فقد سمح الاتحاد الأوروبي للبورصة البريطانية بتسوية المشتقات الأوروبية حتى الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران المقبل. ويبلغ حجم سوق المشتقات الأوروبية التي تتم تسويتها ببورصة لندن 680 ترليون يورو. والمشتقات المالية تعني المضاربة على تحركات أسعار الأدوات المالية الرئيسية في المستقبل، وبالتالي هي رهانات وعمليات تحوط في السلع وأسعار الفائدة.

أما بالنسبة لمصارف حي المال والمصارف البريطانية التي أنشأت وحدات مصرفية في أوروبا خلال الأعوام الماضية تحسباً لبريكست قاس بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، يقول رئيس مصرف "نات ويست" البريطاني، هاوراد ديفيز، لقناة "سي أن بي سي" الأميركية، إن "المصارف وضعت احتياطات قبل اتفاق بريكست وفتحت وحدات لها بدول الاتحاد الأوروبي، ولكن عدم اليقين يتواصل حتى الآن".

وأضاف ديفيز: "حتى الآن، لا نعرف كيف ستكون الترتيبات التجارية الأوروبية التي ستحكم تجارة هذه الوحدات المصرفية الجديدة للمصارف البريطانية في أوروبا، وربما تكون هنالك حدود لتجارة هذه الوحدات بالخدمات المالية الأوروبية".

ومنذ الاستفتاء البريطاني (2016) وحتى نهاية العام الماضي، هربت من بريطانيا أصول مالية تقدر بأكثر من 1.5 ترليون دولار، وفقاً لتقديرات شركة "أيرنست آند يونغ" اللندية لتدقيق الحسابات، كما هاجرت العديد من شركات التأمين والصناديق إلى مركز المال السويسري في زيورخ.

على صعيد عقارات حي المال البريطاني، قال تقرير شركة "جى جى أل" اللندنية، أن حي المال البريطاني شهد خلال العام الماضي  2020، ارتفاع معدل المساحات المكتبية غير المشغولة ، كما توقع أن تتواصل تحديات عقارات المكاتب.

ووفق صحيفة "فايننشال تايمز"، ارتفع معدل مساحات المكاتب غير المشغولة من 5.5% في العام 2019 إلى 6.5% في العام الماضي 2020، أو ما يعادل 9 ملايين قدم مربعة.

ولكن الانخفاض كان سيكون أكبر لولا عامل حجز الشركات للمكاتب ترقباً لتراجع موجة كورونا وعودة الموظفين خلال الربيع المقبل. كما تراجعت كذلك أسعار الإيجارات المكتبية خلال العام الماضي.

يذكر أن المساعدات التي قدمتها الحكومة البريطانية لشركات حي المال خلال العام الماضي ساهمت كذلك في خفض نسبة الإشغال المكتبي.

ومن المتوقع أن يلعب عدد وحجم الشركات المالية التي سترحل من حي المال البريطاني إلى أوروبا دوراً في معدل الإشغال وأسعار إيجار بنايات حي المال البريطاني. كما توقع خبراء أن توقف شركات الإنشاءات والتطوير العقاري خططها لإنشاء بنايات جديدة خلال الأعوام المقبلة بسبب عدم اليقين.

في هذا الشأن، قالت شركة "غلوبال إس دبليو إف"، إن إقبال صناديق الاستثمار الحكومية على العقارات، خاصة المكاتب والفنادق، تراجع في لندن خلال العام الماضي 2020 إلى أدنى مستوياته منذ 8 أعوام، بسبب أزمة فيروس "كورونا" وعدم اليقين بشأن "بريكست".

وبالتالي فهنالك العديد من القطاعات التجارية والمالية والاستثمارية التي ستواجه تحديات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري.

المساهمون