أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليمات لحكومته بوقف قبول المدفوعات بالدولار واليورو ثمناً للغاز الطبيعي الروسي، على أن يتم حصر المدفوعات بالروبل، فيما ستوضح الحكومة والبنك المركزي الروسي آلية تنفيذ القرار في غضون أسبوع، وتقوم شركة "غازبروم" النفطية بعدها بتعديل العقود وفقاً لذلك.
وهذا يعني أن ثمن تسليم شحنات الغاز الروسي بالعملة الأجنبية فقد معناه حالياً، وإجراء بوتين أضحى موجهاً ضد عدد كبير من الدول، بينها جميع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا، وسنغافورة وكوريا الجنوبية وسويسرا، والتي ستضطر للدفع بالروبل الروسي، كرد فعل مباشر على تجميد الأصول الروسية في الغرب.
وبشأن ذلك، قال الخبير الاقتصادي آرون ساهير، لشبكة "إم دي آر" الإخبارية الألمانية، إن بوتين يحاول في المقام الأول دعم العملة الروسية التي تعرضت لضغوط شديدة، لافتا إلى أن ذلك كان "خطوة ذكية" من قبله لإلغاء العقوبات المفروضة على موسكو.
وشرح ساهير أنه بات على ألمانيا مثلا الآن شراء الروبل من البنك المركزي الروسي، وهذا يتعارض في الواقع مع العقوبات المالية الغربية، لكنه مؤشر على أن الرئيس الروسي يحاول فرض إنهاء الحصار المالي.
ومن وجهة نظر الخبير المالي ساهير، بوتين يترك عمليا "للغرب فرصة التعامل مع المركزي الروسي، وهذا ما سيترجم باستقرار سعر صرف الروبل"، مضيفا أن "البنك لا يستطيع بيع الروبل ما دامت الحسابات الروسية مجمدة، ومن ناحية أخرى، يريد بوتين من الغرب شراء الروبل".
وعن الآثار التي يمكن أن تتركها هذه الخطوة على الأسواق، توقع ساهير أن تكون هناك "زيادة سريعة" في أسعار ما يسمى بعقود الغاز الآجلة، أي ارتفاع الأسعار مستقبلا بشكل كبير مرة أخرى.
من جهة ثانية، توقع ساهير، الذي يرأس مجموعة الأبحاث السيادية النقدية في "معهد هامبورغ للأبحاث"، أن توقف روسيا عمليات التسليم ما لم يدفع ثمن الشحنات بالروبل.
وعما إذا كان قرار بوتين الدفع بالروبل سيسرع قرار فرض حظر شامل للطاقة على روسيا، قال ساهير إنه يصعب تقييم ذلك.
وعن أهداف بوتين بأن تدفع فواتير الغاز بالروبل وليس الدولار أو اليورو، أشارت شبكة "إم دي آر" إلى أنه "على الرغم من الحرب العدوانية في أوكرانيا، تواصل ألمانيا ودول أوروبية أخرى شراء النفط والغاز الروسي على نطاق واسع، وإمدادات الطاقة لا تزال معفاة من عقوبات الاتحاد الأوروبي، والمطلب بوقف واردات الطاقة من روسيا من أجل وقف تمويل حرب بوتين مثير للجدل".
وأكدت أن "هناك جدلا بين بعض الاقتصاديين بأن النفقات الحالية للحرب لا تدفع بالعملة الأجنبية، ولكن في المقام الأول بالروبل للأجور والأسلحة والذخيرة، التي يتم إنتاجها بشكل حصري تقريبا في روسيا".
وأشارت الشبكة إلى أنه "من الناحية النظرية، يمكن للبنك المركزي الروسي طباعة الروبل بكميات غير محدودة، أو يمكن لبوتين أن يزيد دخل الخزينة عن طريق زيادة الضرائب على سبيل المثال، لكنه بعد ذلك سيواجه التضخم".
في المقابل، أشار خبراء آخرون إلى أنه على الرغم من العقوبات القاسية المفروضة على المركزي الروسي، استقر الروبل مؤخرا بفضل أرباح العملات الأجنبية من تجارة النفط والغاز، ويتعين الآن على شركات الغاز والنفط الروسية استبدال غالبية أرباحها من اليورو والدولار بالروبل على الفور لدعم العملة الروسية، كما يفعل البنك المركزي الروسي في سوق الصرف الأجنبي، لكن لا يمكن حاليا القيام بهذا النوع من العمليات بسبب العقوبات الغربية.
إلى ذلك، اعتبر موقع "دوتشلاند فونك" أنه "بعد قرار بوتين، سيواجه العملاء في الغرب مشكلة، لأنه بات المطلوب تأمين مبالغ أكبر من الروبل لدفع الفواتير، والتي يمكن الحصول عليها حاليا فقط من المركزي الروسي".
و"من الناحية التقنية لن يتغير مسار الأموال إلا بشكل طفيف، إذ لن يتم تحويل اليورو والدولار بعد ذلك مباشرة إلى شركة الطاقة الروسية غازبروم، ولكن إلى المركزي الروسي الذي سيدفع القيمة المعادلة للمبالغ بالروبل، والتي ستحول بعدها لغازبروم".
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي ينس سديكوم، في حديث صحافي، إن "بوتين يجبر الغرب بشكل غير مباشر على الالتفاف على العقوبات، والسبب أن الغرب بالكاد يستطيع التكيف مع هذه الانعطافة دون حفظ ماء الوجه".
والتوقف الفوري عن عمليات التسليم ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصادات الغربية، وفق سديكوم، الذي اعتبر أن "خطوة بوتين يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى توقف شحنات الغاز، وعلى الأقل أصبح الأمر أكثر احتمالية اعتبارا من اليوم".
في المحصلة، الجميع في حالة ترقب لما سيصدر عن المشاورات التي ستحصل في بروكسل خلال اجتماعات رؤساء دول وحكومات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي في الأيام القادمة، لا سيما أنها تسعى لتنسيق رد فعل موحد، رغم أن ألمانيا بقيت، وحتى ساعات قليلة قبل قرار بوتين، تدافع عن استمرار صفقات الطاقة مع روسيا.