بنوك الجزائر: أزمة ثقة تُفشل محاولات احتواء الأموال المكدسة

28 مايو 2022
أموال ضخمة موظفة في السوق السوداء (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

تقف البنوك الجزائرية عاجزة عن امتصاص الأموال المتداولة خارج شرايينها، فبين الأموال المتداولة في الأسواق الموازية وتلك المكدسة في المنازل هناك مليارات من الدولارات التي تسيّل لعاب الحكومة الجزائرية، التي تبحث عن أي مورد مالي من شأنه امتصاص ولو جزء بسيط من تهاوي عائدات النفط منذ ثماني سنوات.

واقع دفع السلطات إلى حث البنوك الناشطة على ايجاد السبل لاستقطاب الأموال "النائمة" في بيوت الجزائريين وتلك الممولة للاقتصاد الموازي، عن طريق طرح منتجات بنكية جديدة من شأنها أن تغري الجزائريين لإيداع أموالهم في البنوك.

من أبزر ما يميز الاقتصاد الجزائري هو حجم الأموال المتداولة خارج القطاع البنكي، وبقي هذا الملف من المحاذير طيلة السنوات الماضية، حيث رفضت الحكومات المتعاقبة مس الاقتصاد الموازي، وظلت تعرفه على أنه "واقع" يجب التعايش معه بالنظر لما يمثله للجزائريين من مصدر رزق.

مبالغ ضخمة

مع إضافة ما يتم تداوله في الاقتصاد الموازي إلى ما يكتنزه الجزائريون من أموال في البيوت، يتبين أن الكتلة النقدية المتداولة خارج أعين الحكومة تكاد تساوي ميزانية الدولة الجزائرية السنوية، وهو رقم يجعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر.

وقال المحلل المالي والمستشار لدى المركزي الجزائري نبيل جمعة إن "حجم ما يتم تداوله في الاقتصاد الموازي يقدر بحوالي 35 مليار دولار إلى 40 مليار دولار، وهو رقم كبير، وهو أكبر بكثير مقارنة بدول الجوار، وتقف الدولة العاجزة عن كبح ارتفاعه، رغم الخطابات الرسمية التي تتعهد في كل مرة بالقضاء على الاقتصاد الموازي".

وأضاف المتحدث نفسه قائلا لـ"العربي الجديد" إن "مدخرات الجزائريين في المنازل بلغت ما بين 25 و30 مليار دولار باعتراف وزارة المالية، أي الحكومة، وبالتالي نحن أمام 60 إلى 70 مليار دولار خارج رقابة الدولة، والمشكلة أن النظام البنكي الجزائري يقف عاجزا عن احتواء حتى الربع، في وقت تعيش فيه المؤسسات البنكية أزمة سيولة دفعت المركزي الجزائري لتخفيض احتياطي البنوك من 12 إلى 2 بالمائة في ظرف سنة ونصف لضخ أموال جديد في شريان البنوك".

محاولات عقيمة

دفعت الأزمة المالية التي تمر بها البلاد منذ منتصف 2014، بالحكومات المتعاقبة منذ تلك السنة، لطرح عدة مبادرات، لامتصاص الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية أو تلك النائمة في البيوت الجزائرية، إلا أن النتائج كانت عكس توقعات الحكومة.

ففي سنة 2016، أطلقت الحكومة أكبر عملية استدانة داخلية في تاريخ الجزائر، بطرح قروض سندية للخزينة العمومية بنسبة فوائد بـ5 في المائة إذا كانت مدة القرض تقدر بثلاث سنوات، وترتفع نسبة الفائدة المقررة للقروض التي تساوي أو تزيد مدتها عن 5 سنوات لتصل إلى 5.75 في المائة، واشترطت الحكومة نفسها أن تكون قيمة السهم الواحد في القرض السندي 50 ألف دينار جزائري (490 دولاراً).

إلا أن العملية التي دامت قرابة 10 أشهر سمحت للحكومة بجمع 5 مليارات دولار فقط، من أصل 30 مليار دولار كان من المتوقع جمعها، وتعود الأموال التي تمت استدانتها لرجال أعمال وشركات عمومية كبرى وأخرى خاصة، ما جعل العملية تسقط في الماء باعتراف الحكومة آنذاك. سنة 2017، وتحت ضغط اشتداد الأزمة المالية، قررت الحكومة إطلاق "مصالحة ضريبة"، تسمح لكل جزائري يدخل أمواله في البنوك المعتمدة دون السؤال عن مصدرها، وبنسبة فوائد تعادل 7 في المائة، إلا أن المحاولة هذه لم تنجح في إغراء الجزائريين لوضع أموالهم في البنوك، حيث استقطبت العملية قرابة 850 مليون دولار فقط.

سنة بعد ذلك، أي في سنة 2018، أطلقت الحكومة سندات دين عام للمرة الثانية، لكن دون فوائد، أي عبر صكوك إسلامية، لتحسس الجزائريين من إشكالية الربى، وتقدر مدة القرض بين ثلاث إلى خمس سنوات، وكانت النتيجة مماثلة للمحاولات السابقة، ما وضع الحكومة أمام حرج كبير.

حاولت الدولة الجزائرية امتصاص الأموال المكدسة والمتداولة خارج شرايين البنوك من خلال الصيرفة الإسلامية، إلا أن هذا الحل أثبت فشله بعد قرابة سنة ونصف من اعتماد الشبابيك الإسلامية في البنوك العمومية والخاصة.

وفي السياق، قال رئيس الحكومة الجزائري الأسبق أحمد بن بيتور إن "الأزمة المالية التي عاشتها الجزائر، دفعت الحكومة للبحث عن الأموال أينما كان، كل في قطاعه، وكان لزاما عليها أن تحاول امتصاص أموال الجزائريين سواء النائمة أو المتداولة في الاقتصاد الموازي، إلا أن خصوصية الجزائر والجزائريين جعلت العملية لا أقول تفشل ولكن لم تأت ثمارها كاملة".

وأضاف المتحدث نفسه قائلا لـ"العربي الجديد"، إن "محاولات استقطاب الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية، جعلت الحكومات المتعاقبة تقف أمام حقيقة مرة، وهي أن الإشكالية هي أكبر من أن تحل بطرح منتجات بنكية سواء كانت إسلامية أو كلاسيكية، والدليل وجود بنوك إسلامية لا تلقى رواجا عند الجزائريين، وبالتالي نحن أمام منظومة بنكية عاجزة عن القيام بدورها، فمن أصل 100 دينار جزائري تخرج من أي بنك في البلاد يعود منها 30 ديناراً فقط، وهذا رقم رسمي وقفت عليه بنفسي".

فقدان الثقة

تشير بعض التقديرات إلى أن 60 بالمائة من الجزائريين يكتنزون أموالهم بالبيوت ويرفضون إيداعها بالبنوك، حيث يفضل هؤلاء اقتناء خزانة الأموال الحديدية التي ذاع صيتها خلال السنوات الأخيرة ووضعها في مكان آمن بالبيت، إذا أضفنا ما يتم تداوله في الاقتصاد الموازي، نجد أن الجزائريين فقدوا الثقة في البنوك، ما جعلهم يفضلون الاحتفاظ بها نقدا، أو التعامل نقدا عوض المرور عبر البنوك.

وإلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي والمستشار لدى الحكومة الجزائرية (2015-2018) عبد الرحمان مبتول إن "الحل لن يكون بفرض التعامل بالصكوك، لأنه يمكن للمواطن عند كل تعامل إيداع المبلغ فقط ويبقي الثروة خارج البنك، الحل يكمن في إيجاد البدائل وازدواجية النظام المصرفي حتى يجد المواطن ضالته لإخراج الثروة المكتنزة".

وأضاف الخبير الجزائري، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن "تهاوي الدينار في الأشهر الأخيرة سيزيد من حدة أزمة الثقة القائمة بين المؤسسات المالية والمواطن. اليوم الجزائريون يتسابقون لتحويل أموالهم إلى الدولار والعملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، خوفا من خسارة الكتلة المالية المملوكة، وهذا التطور رفع من نزيف الأموال خاصة المدخرين في البنوك، حيث إن الدينار قفز من 123 ديناراً إلى 145 ديناراً مقابل الدولار الواحد في ظرف 18 شهرا، وهذا انزلاق تاريخي للعملة الجزائرية".

المساهمون