بنك إسرائيل يحذر من الانزلاق إلى عجز مالي لا تمكن السيطرة عليه بسبب تكاليف الحرب

11 يونيو 2024
جنود إسرائيليون يتمركزون على حدود قطاع غزة، 24 نوفمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إسرائيل تواجه تحديات مالية متزايدة بسبب العجز المالي المرتفع والحرب على غزة، مما يضغط على الموازنة ويهدد بخفض التصنيف الائتماني.
- محافظ البنك المركزي يدعو لتعديل موازنة 2025 لمواجهة العجز المالي الذي قد يصل إلى 8% من الناتج المحلي بنهاية العام.
- العقوبات الدولية وقطع العلاقات التجارية تؤثر سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي، مع توقعات بنمو اقتصادي متدني وضرورة اتباع سياسة مالية مسؤولة.

يواصل العجز المالي في إسرائيل الصعود بصورة مقلقة لصانعي السياسة النقدية في دولة الاحتلال، مطالبين بإجراءات تحول دون انزلاق العجز إلى مستويات لا يمكن التحكم بها عليها خلال العام المقبل، ما ينذر بمزيد من خفض التصنيف الائتماني من قبل المؤسسات العالمية.

وتضغط فاتورة الحرب المستمرة على قطاع غزة على الموازنة العامة، بينما لم تعد معدلات الاقتراض تكفي لتغطية هذه النفقات، وفق تأكيد محافظ البنك المركزي أمير يارون، الذي حذر من أن حالة عدم اليقين الاقتصادي في ضوء استمرار الحرب تزيد الأمور تعقيداً، مشيرا إلى أن هناك حاجة إلى تعديل كبير في موازنة عام 2025 أيضاً في ظل هذه الأوضاع.

ولفت يارو، وفق ما نقل موقع "واينت" الإسرائيلي، إلى أن بيانات العجز التي أفصحت عنها وزارة المالية أعلى بكثير من الرقم المعتمد في قانون الموازنة المعدلة للعام الجاري 2024، مضيفا: " يبدو من البيانات التي نشرها يوم الأحد المحاسب العام في وزارة المالية يالي روتنبرغ أن العجز ارتفع في مايو/أيار الماضي إلى معدل سنوي قدره 7.2%، مقارنة بعجز متوقع قدره 6.6% فقط والذي أقرته الحكومة والكنيست ضمن قانون الموازنة".

وأشار إلى أن هذه البيانات مهمة لدى إعداد موازنة العام المقبل، كونها تقدم رؤية بشأن التطورات المتوقعة للنفقات والإيرادات لعدة سنوات. وأضاف أن "سلامة المالية العامة ضرورية لاستقرار الاقتصاد، ولا تقاس على مدى عام واحد، بل بالتخطيط والتنفيذ لعدة سنوات مقبلة، وهذا التخطيط مهم لاتخاذ القرارات المتعلقة بالموازنة، خاصة في فترة تتسم بالتقلبات المالية، ودرجة عالية من عدم اليقين، مثل الوضع الحالي"، محذراً من الانزلاق إلى عجز لا تمكن السيطرة عليه.

ووفق بيانات وزارة المالية، فإن عجز الميزانية بلغ 10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار) في مايو/أيار وحده. وعلى مدى الأشهر الـ12 السابقة، ارتفع العجز إلى 137.7 مليار شيكل (36.6 مليار دولار) بما يعادل 7.2% من إجمالي الناتج المحلي مقابل 6.9% في إبريل/نيسان الماضي. وترجع الزيادة الرئيسية في العجز إلى ارتفاع الإنفاق على الحرب وتعويضات المتضررين من الأفراد والشركات، لا سيما في المناطق المتاخمة لقطاع غزة جنوباً والشمالية مع حدود لبنان حيث تتواصل الاشتباكات مع حزب الله.

وتشير تقديرات وزارة المالية إلى أن العجز سيصعد إلى الذروة بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، ليتجه بعدها إلى التراجع، إذ يتوقع ديوان المحاسبة، الذي يراقب وتيرة الإنفاق، وكذلك خبراء اقتصاد، أن يصل العجز المالي إلى نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الجاري، وهو ما يقترب من أربعة أضعاف ما كان مقدراً قبل الحرب بنسبة 2.25%.

ووفق الموازنة، فإن الإنفاق المقدر للعام الجاري يبلغ 584.1 مليار شيكل (156.6 مليار دولار)، بزيادة 70 مليار شيكل مقارنة بموازنة الأساس قبل التعديل والمصادقة عليها في مايو/أيار 2023. وفي ضوء هذه البيانات، يتوقع مسؤولون إسرائيليون استمرار العجز في الصعود مقارنة بالتقديرات السابقة للعام المقبل أيضاً، إذ نشر كبير الاقتصاديين في وزارة المالية شموئيل أبرامسون تقريراً قبل أيام، توقع فيه بلوغ عجز الموازنة 5.2%، مقارنة بتوقعات سابقة تصل إلى 3.5%، بينما كان مخططاً قبل الحرب أن يبلغ العجز 1.75% فقط في 2025.

لذلك وصف محافظ بنك إسرائيل المركزي البيئة الاقتصادية الكلية والمالية الحالية بـ"المعقدة"، مشيرا إلى أن الحرب وآثارها لا تنعكس فقط على معدل التضخم وأسعار الفائدة وإنما أيضاً على أعباء ديون إسرائيل في الأسواق، والتي ارتفعت منذ بداية القتال. وأضاف أنه "في ظل هذه الظروف، هناك حاجة إلى سياسة المسؤولية والتحفظ المالي لأن الأسواق وشركات التصنيف الائتماني الدولية تراقبنا من كثب".

كانت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني العالمية قد ذكرت، في تقرير في مايو/أيار الماضي، أن تعافي الاقتصاد الإسرائيلي من تداعيات الحرب سيكون أبطأ من تقديراتها السابقة. وفي تحديث نشرته الوكالة، قدرت أن الحرب الإسرائيلية على غزة تستمر حتى نهاية 2024. وأشارت إلى أن تصعيد الخلافات بين إسرائيل وحلفائها يعرض التعافي من الحرب للخطر أيضاً. وأوضحت أن تدهور العلاقات بين إسرائيل والحلفاء "يشكل خطراً قد يضر بالانتعاش الاقتصادي وثقة المستثمرين".

وتوقعت "ستاندرد أند بورز" ألا يتجاوز النمو الاقتصادي في إسرائيل 0.5% العام الجاري، وهي نسبة متدنية كثيراً عن توقعات الكثير من المؤسسات المالية الدولية، على رأسها صندوق النقد الدولي الذي خفض بالأساس، في إبريل/ نيسان، توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام إلى النصف، مقارنة مع توقعاته السابقة الصادرة خلال يناير/كانون الثاني الماضي، مشيراً إلى أن تقديراته تشير إلى نمو الاقتصاد بنسبة 1.6% خلال 2024، مقارنة مع التوقعات السابقة البالغة 3.1%. وتقل توقعات الصندوق أيضاً عن تلك الصادرة عن بنك إسرائيل خلال وقت سابق من العام الجاري، والبالغة 2% للعام الجاري، مقارنة مع نمو فعلي بنسبة 2% في كامل 2023. كما أبقت وكالة موديز على خفض تصنيف إسرائيل الذي حددته في وقت سابق من هذا العام عند درجة "A2"مع نظرة مستقبلية سلبية في ظل المخاطر الجيوسياسية المرتفعة.

وانكمش اقتصاد إسرائيل بنسبة 1.4% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الجاري. ويأتي هذا الانكماش للربع الثاني على التوالي، إذ جاء بعد انكماش آخر أشد وطأة بنسبة 21.7% في الربع الأخير من 2023. وكان اقتصاد دولة الاحتلال قد نما 2% في كامل 2023، مقارنة مع 6.8% في 2022، ونمو بنسبة 8.6% في 2021، وانكماش بنسبة 1.9% في عام كورونا 2020.

وبحسب وزارة المالية، فإن من المتوقع أن ينخفض عجز الموازنة خلال الأعوام 2025-2027 تدريجياً إلى 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن محافظ البنك المركزي قال إن هذه الأرقام لا تتسق مع الواقع وغير قابلة للتحقق حتى في حال حدوث استقرار بمرور الوقت في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وأشار إلى ضرورة "تشكيل لجنة عامة لفحص موازنة الدفاع" لافتاً إلى أنه سبق أن أوصى بذلك في يناير/كانون الثاني الماضي. وقال: "سيتعين على اللجنة صياغة توصيات توازن بين الاحتياجات الأمنية والاحتياجات المختلفة للاقتصاد"، لافتاً إلى أن استمرار الحرب سنتكون له تداعيات على قطاعات إضافية من الاقتصاد وأكثر كثافة.

وليست نفقات الحرب وحدها التي تثقل مالية إسرائيل وتقلص فرص نمو الاقتصاد، وإنما أيضاً إعلان عدد من الدول قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات. وتتجاوز المقاطعة حدود الحكومات، فقد قطعت العديد من الشركات الكبرى علاقاتها مع إسرائيل، ما دعا موقع "واي نت" إلى التأكيد، في تقرير منفصل، على أن هذه التطورات تحمل تهديدات واقعية للاقتصاد وللإسرائيليين.

وأشار التقرير إلى أن تركيا أول من تسبب في ضرر حقيقي للاقتصاد الإسرائيلي، بعد أن أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، مطلع الشهر الماضي، وقف جميع أشكال التجارة مع إسرائيل، كما قررت كولومبيا، المورد الرئيسي للفحم إلى إسرائيل، الأسبوع الماضي، حظر تصدير هذه السلعة. ولفتت إلى أن الضربة الأقوى تمثلت في إلغاء فرنسا مشاركة إسرائيل في معرض "يورو ساتوري 2024" للأسلحة والدفاع المقرر عقده في باريس في 17 يونيو/حزيران الجاري، وهو ما يمثل ضربة كبيرة لصناعة الأسلحة الإسرائيلية، إذ تتوقف صفقات بمئات ملايين الدولارات وأكثر.

وامتدت التداعيات إلى استثمارات الشركات وعملها، فقد أعلنت سلسلة مطاعم الشطائر والقهوة البريطانية "Pret a manger"، في وقت سابق من الشهر الجاري، أنها تخلت عن خطة لفتح فروع لها في إسرائيل، مستشهدة بحرب غزة باعتبارها حدث قوة قاهرة. كما أعلنت العديد من الشركات الاستثمارية أنها لن تشارك في مناقصات بناء خطوط السكك الحديدية في إسرائيل في الوقت الحالي.

المساهمون