بلدان المغرب العربي: تقشف إجباري في موسم رمضان
إيمان الحامدي
مصطفى قماس
حمزة كحال
اشتركت دول المغرب العربي الثلاث (تونس والمغرب والجزائر) في عدم مقدرة الكثير من المواطنين على تلبية احتياجات شهر رمضان، ما دفعهم نحو التقشف الإجباري، ومقاطعة شراء عشرات من السلع بما فيها الضرورية.
وزادت معاناة الشارع المعيشية رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومات لمواجهة عمليات التلاعب بالأسعار واحتكار الأسواق، في خطوة تستهدف طمأنة المواطنين.
الغلاء والندرة في تونس
يلتقي الغلاء وندرة مواد أساسية قبيل رمضان في تونس، ما يزيد منسوب القلق لديهم من صعوبة تأمين وجبات شهر الصيام، بينما يتوسّع الفقر في البلاد ليشمل أكثر من 900 ألف أسرة أصبحت في حاجة إلى المساعدات الحكومية لتأمين الحد الأدنى من القوت.
وتعيش أسواق البلاد منذ فترة على واقع جديد لم يتعوّد عليه التونسيون، وهو نقص التموين بالمواد الأساسية، ولا سيما منها الخبز والدقيق والسكر والأرز، في وقت يواصل الغلاء زحفه مدفوعا بنسبة تضخم عالية تقترب من 7 بالمائة.
ولا يجد التونسيون حلولا لمواجهة رمضان هذا العام، غير الدخول في تقشف اضطراري والاكتفاء بوجبات غير مكلفة، في توجه نحو تغيير العادات الرمضانية التي تتسم بالتوسع الإنفاقي خلال شهر رمضان لتلبية الشهوات.
ورغم أن التونسيين يواجهون الغلاء منذ سنوات، إلا أن رمضان هذا العام يعدّ الأصعب بالنسبة إليهم، بحسب تقييم المواطن حاتم السعيدي الذي يعتبر أن نقص التموين بمواد أساسية هو السمة الأبرز لشهر الصيام هذا العام.
ويقول السعيدي (47 عاما) في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الرواتب في تونس لم تعد تكفي لأكثر من 10 أيام، نتيجة الغلاء وعدم قدرة السلطات على كبح الأسعار، مرجّحا وجود طفرات جديدة للأسعار خلال شهر الصيام في ظل شح المواد الأساسية التي تحضر بكثافة على موائد التونسيين.
ويؤكد المتحدث أن المعجنات هي الغذاء الرئيسي الأقل سعرا في تونس، وهو ما يفسر الإقبال الكبير على وجبات "المكرونة" والكسكسي والخبز، غير أن هذه المواد لم تعد متوفرة بالقدر الكافي ويزيد اختفاؤها صعوبات جديدة في حياة التونسيين المنهكين بالغلاء.
وتؤكد مؤشرات الاستهلاك العائلي لشهر ديسمبر/كانون الأول الماضي أن أسعار المواد الغذائية باحتساب الانزلاق السنوي، قد ارتفعت بنسبة 7.6%، بسبب زيادة أسعار الدواجن بنسبة 23.3%، وزيت الزيتون بنسبة 21.8%، والبيض بنسبة 15.5%. وطبقا لذلك، يقول المعهد الوطني للاستهلاك إن نسبة التضخم قد سجلت ارتفاعا للشهر الثالث على التوالي.
ويعتبر مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار، رمزي الطرابلسي، أن السوق ستتجاوز النقص في مواد غذائية طازجة خلال أسابيع بعد انقضاء فترة تقاطع الفصول، وهو ما قد يساهم في تراجع الأسعار وارتفاع الكميات المعروضة.
وأكد الطرابلسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن متوسط كلفة سلة غذاء العائلة التونسية المكونة من 4 أشخاص تقدر بـ121 دينارا في الأسبوع، وهي قفة (سلة) تتكون من الغلال والبقول والخضر والحليب ومشتقاته والزيوت واللحوم والأسماك والبيض والسكر والقهوة فقط.
مخاوف ارتفاع الأسعار في المغرب
تتخوف أسر مغربية من تواصل ارتفاع الأسعار في رمضان، في سياق متسم بزيادة التضخم، الذي يفسر في جزء منه بمستوى أسعار المواد المستوردة والوقود.
وتراقب ربات البيوت في الفترة الأخيرة أسعار الطماطم، التي بلغت مستوى قياسيا عندما ارتفعت إلى 12 درهما، قبل أن تنخفض إلى حوالي 8 دراهم.
وانخفضت أسعار الطماطم بعدما تدخلت الحكومة التي دعت المصدرين إلى وقف أو خفض التصدير إلى بعض الأسواق، غير أن الأسعار تبقى مرتفعة نسبيا، حسب التاجر محمد العبدي، الذي يرى أن العديد من الأسر خفضت مشترياتها من تلك السلعة.
وشرعت لجان مراقبة الأسعار والسوق في جميع المدن المغربية في تكثيف نشاطها، للتأكد من امتثال التجار للقوانين التي لها علاقة بحرية الأسعار والمنافسة وحماية المستهلك.
وواصلت أسعار الزيوت ارتفاعها في الفترة الأخيرة، حيث ينتظر أن ترتفع أكثر في الفترة المقبلة، في ظل ارتفاع الطلب عليها في رمضان.
ويحل رمضان في ظل ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ في نهاية فبراير/ شباط الماضي 3.3 في المائة، وهو تضخم يؤكد البنك المركزي أنه مستورد بفعل الزيادات التي شهدتها المواد الأولية والمحروقات في السوق العالمية.
وكانت الحكومة أعلنت أن المخزون من المواد الغذائية كاف لتلبية الطلب في رمضان والأشهر المقبلة، مشيرة إلى أنه إذا كانت أسعار بعض المواد سجلت ارتفاعا ملموسا في الأشهر والأسابيع الماضية نظرا لتقلبات الأسواق العالمية، فإن باقي المواد الأساسية الأخرى، التي تنتج محليا، لم تتغير أسعارها.
ويعتبر نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، محمد العربي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الوسطاء يساهمون في ارتفاع أسعار بعض السلع، كما تؤكد على ذلك الحكومة، ما كان يقتضي إحداث منصات جهوية للتسوق.
ويشير إلى أنه يفترض في الأسر عدم الإقبال على طلب ما يفيض عن الحاجة قبل حلول شهر رمضان، حيث يتوجب الاكتفاء باستهلاك يومين أو ثلاثة أيام الأولى من الشهر الفضيل، حتى تعود الأسعار إلى صوابها.
وتلاحظ المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) أن استهلاك الأسر يرتفع في رمضان بنسبة 16.3 في المائة في المتوسط.
إجراءات لكبح المضاربة في الجزائر
تسابق الحكومة الجزائرية عقارب الزمن لتوفير المعروض الكافي من السلع خلال شهر مضان، وتكثيف حملات طمأنة المواطنين، في الوقت الذي تلوّح فيه بالتصدي للتجار الذين يسعون لتسويق منتجات بأسعار مرتفعة خلال شهر الصيام الذي ترتفع فيه حركية الأسواق ويرتفع الطلب عن المعدلات الطبيعية.
وتقول الحكومة إنها بدأت في تقييم ملف تموين السوق المحلية وتتبع مستوى أسعار المواد واسعة الاستهلاك، وبحث سبل تعزيز التنسيق بين مختلف الهيئات التي تعود إليها حماية المستهلك.
وحسب ما علمته "العربي الجديد" من مصدرٍ حكومي، فإن الرئيس عبد المجيد تبون أمر الحكومة بعقد اجتماعات دورية إلى غاية نهاية شهر رمضان، تضم وزيري الداخلية والزراعة بالإضافة إلى وزارتي التجارة والمالية، وذلك لوضع خطة لضمان وفرة المواد الضرورية، وكبح المضاربة.
وقبيل شهر رمضان المبارك، تعمل الحكومة على طمأنة الجزائريين بتوفر المواد الضرورية، لا سيما المنتجات الغذائية.
وأكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحفيظ هني لـ"العربي الجديد" أنه "تم اتخاذ كامل الترتيبات لتموين السوق الوطنية بالمنتجات الضرورية، مع الحرص على توفيرها بالكميات المناسبة، قصد تمكين المواطن من تمضية الشهر الفضيل في طمأنينة، حيث تم التنسيق مع شُعب البطاطا واللحوم الحمراء والبيضاء لضخ كميات معتبرة من هذه المواد التي تشهد ارتفاعا في الإقبال عليها خلال شهر رمضان".
تسابق الحكومة الجزائرية عقارب الزمن لتوفير المعروض الكافي من السلع خلال شهر مضان، وتكثيف حملات طمأنة المواطنين
من جهته، أكد مدير التنظيم وتطوير الإنتاج الزراعي في وزارة الفلاحة، عبد الحكيم زرواط، أنه "تحضيرا لشهر رمضان الكريم، اتخذت الحكومة جميع الإجراءات اللازمة لتوفير جميع المواد الأساسية، خصوصا الفلاحية منها والغذائية كالحبوب والحليب والخضر والفواكه، بالإضافة للحوم البيضاء والحمراء".
وبخصوص اللحوم، كشف زرواط، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة رخصت باستيراد 4 آلاف عجل قبيل رمضان، ما سيسمح بضخ كمية تقدر بـ 54 ألفا و500 طن من اللحوم الحمراء في السوق الوطنية، ستساهم في ضبط السوق أكثر، وبالتالي جعل اللحوم في متناول الجميع".