بعد صدمات 2022 الاقتصاد العالمي سيدفع الثمن في العام الجديد

28 ديسمبر 2022
نصف السكان في ألمانيا باتت تقتصر مشترياتهم على المنتجات الأساسية حصراً (ينغ تانغ/Getty)
+ الخط -

بعدما كان العالم يتوقع عاماً من الازدهار في 2022، واجه الاقتصاد العالمي هذه السنة سلسلة أزمات من ارتفاع حاد في الأسعار وحرب وزيادة معدلات الفائدة والاحترار المناخي وغيرها، تفاقمت مع الغزو الروسي لأوكرانيا، منذرة بعام قاتم في 2023.

سيبقى عام 2022 في التاريخ عاماً "متعدد الأزمات" بحسب تعبير المؤرخ آدم توز الذي تحدث عن صدمات متباينة تتفاعل معاً لتجعل الوضع العام في غاية الصعوبة.

وأوضح رويل بيتسما أستاذ الاقتصاد في جامعة أمستردام، أنّ هذه الصدمات "تزايدت منذ بداية القرن" مع الأزمة المالية عام 2008 وأزمة الديون السيادية ووباء كوفيد-19 وأزمة الطاقة، ورأى أنّ العالم "لم يشهد وضعاً بهذا القدر من التعقيد منذ الحرب العالمية الثانية".

تضخم مستمر

بعد سنوات من التضخم الضعيف أو حتى المستقر، كان الخبراء يُجمعون قبل عام على أنّ عودة التضخم ستكون مرحلية بالتزامن مع الانتعاش الاقتصادي بعد أزمة تفشي وباء كوفيد. غير أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا والارتفاع الحاد في أسعار الطاقة بدّلا الوضع.

وسجل التضخم مستويات غير مسبوقة منذ السبعينات والثمانينات، دافعاً ملايين العائلات في الدول النامية إلى الفقر، ومهدداً الأسر في الدول الفقيرة بمزيد من البؤس. غير أنه بدأ يتباطأ إلى 10% في منطقة اليورو، في نوفمبر/ تشرين الثاني، و6% في الولايات المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول.

ويمكن أن يتراجع التضخم في الدول المتطورة والناشئة الكبرى من مجموعة العشرين في 2023 و2024، بحسب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

وأوصت المنظمة بمنح مساعدات محددة الأهداف بشكل أكثر دقة لتسوية هذه المشكلة، ولا سيما في فرنسا وألمانيا اللتين اضطرتا إلى معاودة الإنفاق لتخصيص مساعدات للأسر والشركات.

وفي الاتحاد الأوروبي وحده، قطعت الدول وعوداً بمنح هذه الأسر 705 مليارات يورو من المساعدات منذ سبتمبر/ أيلول 2021، بحسب مركز بروغل للدراسات، من ضمنها 264 مليار يورو في ألمانيا حيث يعلن نصف السكان أنّ مشترياتهم باتت تقتصر على المنتجات الأساسية حصراً، وفق تحقيق أجراه مكتب "إي واي".

وقالت نيكول أيزرمان التي تدير كشكاً في سوق عيد الميلاد في فرانكفورت "كل شيء أصبح أغلى، من الكريما إلى النبيذ مروراً بالكهرباء".

وعلى مقربة منها قال بائع آخر يدعى غونتر بلوم "سوف أحترس، لكن لديّ الكثير من الأولاد والأحفاد" الذين ينتظرون الهدايا.

المصارف المركزية شددت سياستها

إزاء هذه الصعوبات، عمد حكام المصارف المركزية المكلفون بشكل أساسي بالحفاظ على استقرار الأسعار، إلى معاودة زيادة معدلات الفائدة وهو أمر حذروا من أنه سيتواصل في 2023.

وفي منتصف ديسمبر/ كانون الأول، خفف مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي رفع معدلات الفائدة. لكنهما أعربا عن عزمهما مواصلة مكافحة التضخم.

غير أنّ هذه الإستراتيجية تشدد الضغط على الاقتصاد من خلال زيادة كلفة الاقتراض على الأسر والشركات، ما يفاقم المخاوف من الركود. والأمر نفسه ينطبق على الدول التي ازدادت مديونيتها بعد الأزمة المالية والأزمة الصحية، وبات بعضها مهدداً بانعدام الاستقرار وصولاً إلى التخلف عن السداد.

وفي دليل على الأجواء الاقتصادية القاتمة، يتّجه مؤشر ستاندرد أند بورز 500 لأسوأ عام له منذ أزمة 2008 المالية.

انكماش وأزمة مناخية في الأفق

ما زال العالم بعيداً عن الركود المعمم العام المقبل، مع توقع نمو بنسبة 2,2% وفق منظمة الأمن والتعاون في الميدان الاقتصادي، و2,7% وفق صندوق النقد الدولي الذي توقع في الأسابيع الأخيرة أنّ ازدياد فرص تسجيل 2% فقط.

لكن المملكة المتحدة دخلت "في ركود" ويعتقد الكثير من خبراء الاقتصاد أنّ ألمانيا وإيطاليا ستتبعانها.

وبالنسبة لمنطقة اليورو ككل، تتوقع وكالة إس إند بي غلوبال للتصنيف الائتماني وضعاً على قدر خاص من الصعوبة في الفصل الأول من السنة وركوداً على مدى العام المقبل، ما يعكس تدهوراً جديداً في الآفاق الاقتصادية بعد التوقعات السلبية التي وردت طوال 2022.

بموازاة ذلك، بدأت القاطرة الصينية تظهر بوادر تباطؤ إذ بات "من المرجح جداً" خفض توقّعات نمو الاقتصاد الصيني للعامين 2022 و2023، بحسب ما قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا في منتصف ديسمبر، متوقعة "بعض الصعوبات" مع تغيير بكين سياستها في التعامل مع الوباء.

وقالت غورغييفا إنّ إنهاء سياسة "صفر كوفيد" سيؤدي إلى "ازدياد أعداد الإصابات، ما سيحمل تداعيات على سير الاقتصاد بشكل سلس".

ورأى رويل بيتسما أنّ "أسوأ الأزمات هي أزمة المناخ التي تتطور ببطء".

وإزاء تزايد الكوارث، تبقى الطموحات محدودة للغاية، وهو ما ظهر من خلال مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب 27" الذي فشل في تحديد أهداف جديدة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.

وشرحت "إس إند بي غلوبال" أنّ "التحوّل في مجال الطاقة في أوروبا سيستغرق سنوات".

كذلك عكست الصعوبة التي تواجهها الدول في التعامل مع الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، بطء عملية التحول. ورأى رويل بيتسما أنه "إذا لم نبذل ما يكفي من الجهود، فسوف نواجه صعوبة على نطاق لم نعرف له مثيلاً من قبل".

(فرانس برس)

المساهمون