لو اجتمعت في السودان العناصر الخمسة التالية، الأراضي الشاسعة الخصبة وهي متوافرة، والمياه المتدفقة من نهر النيل وروافده والأمطار والمياه الجوفية، والثروات الخليجية الضخمة، والأيدي العاملة المصرية الكثيفة والرخيصة، والتقنية الزراعية المتطورة التي يمكن الحصول عليها من الخارج، لتغير وجه العالم كله.
هنا لن تحتاج الدول العربية إلى استيراد حبة قمح وذرة وأرز من الخارج، أو تحتاج لاستيراد كيلو لحم واحد، بل لتحول السودان إلى سلة غذاء حقيقة للعالم لا العرب فقط، سلة توفر كل السلع الغذائية، وتحقق للدول العربية الأمن الغذائي الذي تبحث عنه منذ سنوات، وتوفر أكثر من 80 مليار دولار ينفقها العرب سنوياً على استيراد الأغذية من كل دول العالم وفي المقدمة أميركا وروسيا.
وبدلاً من أن تنفق دول الخليج سنوياً نحو 30 مليار دولار من احتياطاتها النقدية على شراء الأغذية من أسواق العالم، من الممكن أن توجه هذا المبلغ الضخم لخزانة السودان الخاوية وقطاعه الزراعي الواعد، وبالتالي تفيد هذه الثروات الدولة العربية الشقيقة، ومعها يستفيد العرب أصحاب الثروات أنفسهم، إذ يمكن توفير نصف كلفة الواردات، إذ إن كلفة السلع الغذائية المستوردة من السودان تقل قيمتها كثيراً عن تلك المستوردة من مناشئ بعيدة.
ولو أعطى نظام عمر البشير قطاع الزراعة والاستثمار الزراعي جزءاً من وقته وخططه، طوال فترة حكمه التي قاربت 30 عاماً، (جزءاً يعادل نصف ما أعطاه لقمع شعبه وقهره وقتله)، لما عانى الشعب السوداني من أزمات اقتصادية وغذائية وصلت إلى حدّ نقص رغيف الخبز والدقيق في بلد يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي تقدر بنحو 41.8 مليون فدان منها حوالي 1.9 مليون هكتار، أي ما يعادل 4.7 مليون فدان، من الأراضي المروية، خاصة على ضفاف نهر النيل والأنهار الأخرى في شمال البلاد.
ولو أعطى نظام البشير اهتماماً أكبر بمحصول استراتيجي لكل الدول العربية هو القمح، ما أصبحت مصر، الدولة الجارة للسودان، أكبر مستورد للقمح من أميركا وروسيا وفرنسا والأرجنتين وأستراليا وكندا وغيرها، وما اضطرت الحكومة المصرية إلى استيراد قمح فرنسي مصاب بفطر الأرجوت المسرطن، كما جرى في صفقة جرى تمريرها أمس السبت، رغم رفض ميناء سفاجا تفريغها، وما اضطرت السعودية للاستحواذ على نحو 60% من واردات الغذاء إلى منطقة الشرق الأوسط.
ولو حقق نظام البشير الاستقرار السياسي لبلده طوال فترة حكمه لجذب مليارات الدولارات من الاستثمارات الخارجية، التي تبحث عن فرص وأرباح عالية في قطاعات واعدة، منها النفط والتعدين والذهب والاستثمار الزراعي والحيواني وتوسيع تجارة الصمغ، التي لا يُستغنى عنها في أوروبا وأميركا اللتين تستوردان منها ما يزيد عن 200 مليون دولار سنوياً لأغراض الصناعة، علماً بأن الحاجات الغربية مرشحة للزيادة لمواجهة العجز في إمدادات الصمغ العالمية.
تخيلوا أن ثورة السودان الحالية نجحت وأفرزت مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، يقودها نظام ديموقراطي يدرك قيمة الثروات الزراعية والمائية والحيوانية والتعدينية الكبيرة، التي تمتلكها الدولة، والتي قلما توافرت في دولة عربية أخرى.
نظام يدرك أن السودان يعوم على ثروات طبيعية يمكن أن تحول البلاد إلى أكبر مصدر للأغذية في العالم، وخاصة مع امتلاك مساحات ضخمة من الأراضي الصالحة للزراعة، ومياه قلما تتوافر لدولة في القارّة السمراء، وامتلاك أيد عاملة رخيصة، وموانئ على البحر الأحمر، وقرب من الأسواق الأفريقية.
السودان في حاجة إلى نظام يرسي حكم دولة القانون، ويوفر بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات، ويطمئن أصحاب الأموال، ويمنع المصادرات والتأميم، ويشجع القطاع الخاص، نظام لا يعمل على كل الحبال، بل يلعب على حبل واحد هو مصلحة المواطن، وفي حال توفر هذا النظام فإن السودان سينضم إلى الدول الأفريقية الصاعدة ومنها كينيا ورواندا.