بريطانيا مهددة بالشلل ... 50 ألف عامل نقل يستعدون لأضخم إضراب منذ 1989

09 يونيو 2022
إضراب سابق لعمال سكك الحديد (فيكتور سيمانوفيتس/ Getty)
+ الخط -

يحبس سكان بريطانيا أنفاسهم، مع اقتراب موعد "الإضراب الأضخم منذ 1989"، وفقاً للاتحاد النقابي في البلاد، والذي ينفّذه آلاف العمال في مرافق السكك الحديدية.

وتتوقع السلطات أن يواجه الآلاف من الأشخاص فوضى السفر والتنقّل، في نهاية يونيو/حزيران، في حال تم تنفيذ الإضراب في الموعد الذي أعلن عنه اتحاد نقابات السكك الحديدية والبحرية والنقل، أيام 21 و23 و25 يونيو/حزيران الجاري.

فقد أدّى نزاع عمال سكك الحديد والأنفاق في بريطانيا مع الشركات المشغلة للقطارات والحكومة، حول تجميد رواتب الموظفين لعدة سنوات والتخطيط لإلغاء آلاف الوظائف، إلى إعلان ما يزيد عن 50 ألف موظف الإضراب العام، بما في ذلك العاملون في شبكة السكك الحديدية و13 مشغل قطار.

كذلك سيعتصم 10 آلاف عامل آخر بمترو الأنفاق في لندن، في 21 يونيو. وهو ما سيؤدي إلى إغلاق الشبكة بشكل كامل تقريبًا، فيما من المتوقّع أن يكون أكبر إضراب على السكك الحديدية خلال جيل كامل.

وتتعاظم المخاوف من الإضراب، خاصة من حيث تأثيراته على الشحن عبر السكك الحديدية، مما سيؤدي إلى فراغ على رفوف السوبر ماركت ونقص في توفير البنزين، إذ يشارك في الإضراب موظفو الإشارات وعمال الصيانة أيضاً.

في هذا السياق، طالب نواب عن حزب المحافظين، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بأنه يتعين على الوزراء تمرير قانون وعدوا به في بيان المحافظين، للحد من تداعيات إضرابات السكك الحديدية التي تهدد بشلّ الشبكة هذا الشهر.

وكان الحزب قد تعهّد في عام 2019 بإدخال شرط الحد الأدنى من الخدمة أثناء الإضرابات، الذي من شأنه أن يوقف الإضرابات الشاملة مثل تلك المخطط لها في نهاية الشهر الحالي.

سلوكيات مروعة

وقال الأمين العام للاتحاد الوطني للسكك الحديدية والبحرية والنقل ميك لينش في بيان نشره موقع الاتحاد: "واجه عمال السكك الحديدية سلوكيات مروعة، وعلى الرغم من جهودنا القصوى خلال المفاوضات مع السلطات، فشلت صناعة السكك الحديدية بدعم من الحكومة في أخذ مخاوفهم على محمل الجد".

وأضاف أن البلاد تعاني من أزمة تكلفة معيشية، وأنه من غير المقبول أن يفقد عمال السكك الحديدية وظائفهم، أو يواجهوا سنة أخرى من تجميد الأجور، عندما يبلغ التضخم 11.1%، ويتزايد أكثر بحسب التوقعات السائدة. وتابع أنه "ستشرع نقابتنا الآن في حملة مستمرة من الإضرابات الصناعية التي ستغلق منظومة السكك الحديدية".

وردّ لينش على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي وصف الاتحاد الوطني للسكك الحديدية والبحرية والنقل بـ"الأناني وغير المسؤول"، قائلاً في حديثه إلى هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي إنّ "هذه الحكومة خبيرة في الأنانية واللامسؤولية".

في المقابل، حذّر مكتب رئيس الوزراء في بيان، من أن الخطط ستلحق ضررا بالركاب وتسبب اضطرابات. وقال إنه مصمم على جعل السكك الحديدية أكثر كفاءة.

في كل الأحوال، يبدو أنّ كلا الطرفين من مشغلي القطارات واتحاد النقل، لا يزالان يحاولان تفادي الإضراب من خلال المزيد من المحادثات. حيث من المتوقع أن تؤثر الإضرابات على الآلاف من ركاب السكك الحديدية، كونها تتزامن مع العديد من الأحداث الموسيقية والرياضية، بما في ذلك مهرجان غلاستونبري، ومباراة اختبار الكريكيت في إنكلترا ضد نيوزيلندا.

كذلك ستؤثر على بطولة المملكة المتحدة لألعاب القوى في مانشستر، المقررة بتاريخ في الفترة من 24 إلى 26 يونيو، ويوم القوات المسلحة في 25 يونيو.

تمويل الرواتب من الأرباح

وفقًا لوزارة النقل، يبلغ متوسط راتب عامل السكك الحديدية 44 ألف جنيه إسترليني سنويا. هذا أكثر من متوسط الأجر للعاملين الآخرين في القطاع العام، مثل الممرضات (31 ألف جنيه)، والمعلمين (37 ألف جنيه)، والعاملين في مجال الرعاية (17 ألف جنيه).

مع ذلك، قال لينش لقناة "بي بي سي"، الجمعة، إن شركات السكك الحديدية "يمكنها بسهولة تحمّل زيادة في رواتب عمالنا، وهذا يعني فقط أن عليهم تقليص أرباحهم". وأضاف: "إنهم يسرقون الركاب، إنهم يمزقون دافعي الضرائب. الحكومة بحاجة إلى تمويل السكك الحديدية بشكل صحيح، ونحتاج إلى أن تتخلى الشركات عن بعض أرباحها لمنح أعضائنا زيادة في الأجور".

ولفت إلى أنّه على الرغم من زيادة عدد الأشخاص الذين يعملون من المنزل منذ الوباء، فإن الإيرادات وأعداد الركاب تتعافى.

بدوره، قال وزير النقل غرانت شابس، إن جائحة كوفيد "غيرت عادات السفر، حيث انخفضت مبيعات التذاكر بنسبة 25%، وتدخل دافع الضرائب للحفاظ على تشغيل السكك الحديدية بتكلفة 16 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 600 جنيه لكل أسرة".

إلا أن لينش اعتبر أن الاتحاد لا يريد تعطيل آلاف الركاب، "لكن المحادثات مع شركات السكك الحديدية بدأت منذ عامين، في محاولة للحصول على صفقات رواتب. والشركات أرادت إلغاء آلاف الوظائف مع الاستمرار في الحصول على أرباح كبيرة، والمديرون التنفيذيون حصلوا على الملايين من الجنيهات خلال الوباء". وأضاف "أمامنا أسبوعان آخران قبل بدء هذا الإضراب، هناك متسع من الوقت لتقديم المقترحات".

أزمات متراكمة

يعاني البريطانيون في الأساس من مشاكل عديدة، أبرزها الانتظار ساعات في المطارات بسبب الفوضى، وهو ما يترك العائلات أمام خيار طوابير الانتظار الطويلة في المطار أو الإجازات الصيفية المحلية باهظة التكلفة.

ومن المقرر أن تستمر فوضى المطارات في العطلة الصيفية، حيث يؤدي نقص الموظفين إلى الإلغاء والتأخير. وقد تم بالفعل إلغاء العشرات من الرحلات الجوية مرة أخرى يوم الإثنين، بما في ذلك 60 رحلة داخلية وخارجية، باستخدام خطوط طيران "إيزي جيت".

يُضاف إلى ذلك أزمة المعيشة وارتفاع أسعار الطاقة، حيث يتوقع خبراء أنّ سعر لتر البنزين الخالي من الرصاص الذي وصل إلى جنيهين إسترلينيين للمرة الأولى، سيكلف قريبًا 110 جنيهات لملء سيارة. واعتبر بعض المحللين أنه في حال الاستمرار في الإضراب المخطط له للسكك الحديدية سيكون المواطن البريطاني المتضرّر الأوّل.

في هذا الشأن، قال هوو ميريمان، النائب عن حزب المحافظين، رئيس لجنة النقل: "يمكن أن تكون لهذه الإضرابات عواقب وخيمة، في وقت نحتاج فيه إلى إعادة المزيد من الناس إلى السكك الحديدية لتأمين مستقبلها".

ولفت إلى ارتفاع سعر البنزين الجنوني، حيث إن بعض محطات البترول تبيع لترات من الديزل الخالي من الرصاص مقابل أسعار مرتفعة للغاية، وأن تكلفة التعبئة تجاوزت 98 جنيهًا لأول مرة في التاريخ يوم الاثنين.

وازدادت الدعوات التي تطالب الحكومة بالسيطرة على فوضى الوقود المتزايدة، وسط تحذيرات من أن أسعار البنزين عند المضخات ستتجاوز جنيهين للتر في كل مكان بحلول الصيف.

إلى ذلك، قال متحدث باسم الحكومة: "نحن نتفهم أن الناس يكافحون مع ارتفاع الأسعار، وهذا هو السبب في أننا قمنا بأكبر تخفيض على الإطلاق لرسوم الوقود، ونوفر لسائق الشاحنة العادي حوالي 200 جنيه، وسائقي الشاحنات الكبيرة أكثر من 1500 جنيه".

وتعيش بريطانيا توتراً اجتماعياً، حيث أظهرت بيانات حكومية الشهر الماضي، أن مؤشر التضخم بأسعار المستهلكين في بريطانيا ارتفع إلى 9% في إبريل/نيسان الماضي، مسجلاً أعلى قراءة منذ 40 عاماً، مقارنة بـ7% في الشهر السابق له.

ورفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة الرئيسية 4 مرات متتالية، في مسعى لاحتواء أزمة التضخم، التي تجتاح العالم ككل، ليصل سعر الفائدة إلى 1%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2009.

وقال جونسون الذي يواجه أزمة سياسية داخلية، خلال تصريح الشهر الماضي، إن الحكومة لا يمكنها مساعدة الجميع في أزمة تكاليف المعيشة الحالية، وإن عليها أن تظل حكيمة في إنفاقها لتجنب تأجيج دوامة التضخم. ويسهم ارتفاع الأسعار في ممارسة أكبر ضغط على دخل الأسر منذ خمسينيات القرن الماضي على الأقل.

المساهمون