بريطانيا تعلن الحرب على أموال الإرهاب والفساد

28 ابريل 2021
الأموال القذرة تستهدف حي المال البريطاني وعقارات لندن الفاخرة
+ الخط -

أعلنت الحكومة البريطانية الحرب على أموال الإرهاب والفساد والمخدرات عبر تجميد الأصول وحظر السفر على 22 شخصا متهمين بتلقي رشاوى والاحتيال والتلاعب، وذلك في أول استخدام لسلطاتها الجديدة لفرض عقوبات تستهدف الفساد بأنحاء العالم. وشملت العقوبات حظر السفر على 14 شخصاً بينهم أربعة رجال أعمال من دبي، حسب ما ذكرت تقارير بريطانية يوم الإثنين. وكان وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، قد أبلغ النواب بأن العقوبات من شأنها أن تمنع استغلال المملكة المتحدة "كملاذ للأموال القذرة". ولكن هيئات مدنية ترى أن الطريق لا يزال طويلا أمام بريطانيا لمكافحة غسل الأموال في أراضيها، خاصة بعد خروجها من عضوية دول الاتحاد الأوروبي. وبات اسم بريطانيا يرد في العديد من القضايا الخاصة بغسل الأموال في العالم.

ففي إيطالياً مثلاً، بينما تعد المحكمة العليا في إيطاليا لبدء إجراءات أكبر قضايا المافيا الإيطالية بمدينة لاميزيا بإقليم كاتانزرو الجبلي، يتصدر اسم بريطانيا عدة قضايا من دعاوى الاتهام الموجهة لأفراد العصابة الذين استخدموا لندن كمحطة رئيسية من محطات غسل أموال الكوكايين الذي يسيطرون على تجارته في أوروبا.

ومافيا أندرانغتا، التي تعد المحكمة العليا الإيطالية لكشف شبكة تعاملاتها المالية القذرة، في أوروبا حلت محل مافيا "كوزا نوسترا" بصقلية التي ضعفت بعد المحاكمات الشهيرة في العام 1986.
ونقلت صحيفة " ذا غارديان، عن ممثلة الاتهام بالمحكمة العليا الإيطالية، نيكولا غراتيري، قولها إن "أفراد المافيا استخدموا بريطانيا مقرا لاستثمار أموال المخدرات وتبييضها ومن ثم إدخالها في النظام المالي". ولكن المافيا الإيطالية ليست وحدها التي تستغل النظام المالي والمصرفي البريطاني لغسل الأموال، فهنالك مافيا الأوليغارشية الروسية التي جمع أفرادها ثروات طائلة من تفكيك الإمبراطورية السوفييتية وبيع الشركات العامة التي كانت تملكها الدولة للقطاع الخاص. وهؤلاء المليارديرات الذين هبطت عليهم الثروة فجأة كانوا متعطشين لمخالطة الطبقة الارستقراطية الغربية، ووجدوا في مدن مثل لندن وفيينا وجنيف محطات مثالية لتبييض أموالهم وإنشاء شركات واجهة تخدم أهداف التحويلات المالية.

في هذا الشأن، كشف تقرير المخاطر العالية الذي نشره البرلمان البريطاني في ديسمبر/كانون الماضي، أن عصابات الجريمة المنظمة وأموال الفساد لا تزال تستهدف لندن في تبييض هذه الأموال، تارة عبر شراء الشقق الفاخرة والفلل الريفية، وتارة عبر شراء اللوحات والقطع الفنية والتراثية النادرة. كما كشف تحقيق بريطاني صدر في أكتوبر/ تشرين الماضي أن حجم الأموال التي تغسل بحي المال اللندني سنوياً تقدر بنحو  190 مليار دولار.
وفي أعقاب خروجها من عضوية دول الاتحاد الأوروبي، عملت بريطانيا على تشديد إجراءات مكافحة غسل الأموال عبر إدخال تعديلات من بينها تشديد إجراءات التحقق من مصدر المال وتشديد العقوبات. وفي 26 مارس/ آذار الماضي دخلت التعديلات الجديدة على قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيز التطبيق. وشمل القانون الجديد قائمة بالدول عالية المخاطر والتي من بينها غانا وإيران والسنغال والمغرب وسورية وأوغندا واليمن وزيمبابوي وبتسوانا وبوركينا فاسو وبنما والعديد من جزر الأفشور في الكاريبي، كما ضمت أخيراً باكستان للقائمة، وذلك وفقاً لما نشرته "جمعية القانون" البريطانية.
وتستفيد عصابات الجريمة المنظمة من الثغرات القانونية المتوفرة ببريطانيا، خاصة تلك الخاصة بسهولة تأسيس الشركات وغياب إجراءات صارمة تحكم حركة المال واستثماراته، وسهولة التعامل مع مصلحة الضرائب عبر شركات توظيف الثروات الخاصة، وهي الثغرات التي تعمل بريطانيا على سدها تدريجياً عبر إدخال تعديلات على قانون "غسل الأموال وأموال الإرهاب".

وتحبذ عصابات الجريمة المنظمة والساسة الفاسدون بريطانيا على بقية الدول الأوروبية، لعدة أسباب أهمها أن مصلحة الضرائب تتعامل مع أصحاب الثروات الكبرى في بريطانيا بشكل منفرد، عادة يتم ترتيب حساب الضرائب على كبار الأثرياء مع شركات توظيف الثروات التي تمثلهم. كما تجذب بريطانيا الأثرياء عبر الأمان الذي توفره لهم ولعائلاتهم والخدمات المهنية العالية التي تتوفر لديهم من قبل شركات المحاماة والمحاسبة القانونية. على صعيد البنوك التجارية يلاحظ أن المصارف بدأت حملة تشديد إجراءات التعامل في أموال العملات المشفرة، حيث شدد كل من مصرف " ناتويست" و"أتش أس بي سي" من إجراءات التعامل مع أموال العملات المشفرة. وقال مصرف " أتش أس بي سي"، إنه لن يقبل الأموال المحولة من محافظ العملات المشفرة، كما أنه لن يسمح لعملائه بشراء أسهم شركات العملات الرقمية، مثل أسهم "كوين بيز" التي تم طرحها حديثاً في بورصة ناسداك الأميركية.
ولكن على الرغم من هذه الخطوات الكبيرة لمكافحة غسل الأموال، قال ساسة معارضون إن العقوبات مرحب بها لكنها ليست كافية، لأنها لا تستهدف الفساد في الأراضي البريطانية خارج البر البريطاني، والتي يعد الكثير منها ملاذات ضريبية، كما لا تستهدف الأموال القذرة التي تتدفق عبر المراكز المالية في لندن. وبحسب "رويترز"، صدرت الإجراءات التي تشمل تجميد أصول المسؤولين، ومنعهم من زيارة المملكة المتحدة بموجب قانون جديد يمنح الحكومة حق معاقبة الذين تراهم متورطين في أخطر قضايا الفساد بالعالم.

المساهمون