استمع إلى الملخص
- قرار مجلس الوزراء بإلزام الموظفين بالحضور 16 يوماً شهرياً للحصول على "بدل المثابرة" أثار احتجاجات، رغم اقتراح وزير المالية بتخفيض الأيام المطلوبة.
- حوالي 40% من الموظفين نزحوا، ويطالبون بتأجيل قرار الدوام الإلزامي وتقديم مساعدات مالية، مع محاولات للتواصل مع الحكومة لإلغاء شرط الحضور.
في خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان، تعاني فئة واسعة من موظفي القطاع العام من ضغوط غير مسبوقة، بسبب النزوح القسري وانخفاض الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة، ما جعل الحياة اليومية تحدّياً كبيراً لهؤلاء.
وسط هذه الأوضاع، برز قرار مجلس الوزراء الصادر أخيراً، الذي يُلزم الموظفين بالحضور 16 يوماً شهرياً للحصول على "بدل المثابرة"، كعامل جديد يفاقم معاناتهم، لا سيما أن العديد منهم نزحوا إلى مناطق بعيدة عن أماكن عملهم. هذه الأزمة أثارت احتجاجات في أوساط الموظفين ودعوات لإعادة النظر في شروط القرار بما يتناسب مع التحديات القائمة.
وأفاد مصدر مسؤول في وزارة المالية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، بأن وزارة المالية ملتزمة بقرار مجلس الوزراء، مشيراً إلى أن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل قدّم اقتراحاً لمجلس الوزراء لتخفيض عدد أيام الحضور المطلوبة للحصول على بدل المثابرة، إلا أن رئيس مجلس الوزراء رفض هذا الاقتراح.
بينما أثار القرار الحكومي استياء الكثير من الموظفين، لا سيما الذين نزحوا من مناطقهم. وقال علي، وهو موظف من جنوب لبنان في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنه بعد النزوح من قريته الواقعة على الحدود بسبب القصف، اضطر إلى الانتقال مع أسرته إلى بيروت، ما زاد أعباءه المالية بشكل كبير بسبب تكاليف الإيجار والمواصلات. وأضاف علي: "راتبي الأساسي لا يتجاوز 400 دولار، وبعد احتساب تكلفة النقل وحدها، لا يبقى لدي سوى القليل لتغطية احتياجات أسرتي". وأرى أن شرط حضور 16 يوماً للحصول على "بدل المثابرة" يجعل الالتزام بالدوام شبه مستحيل، في ظل الظروف الحالية.
كما تعاني رنا، وهي أم لطفلين، من الانخفاض الكبير في قيمة راتبها بسبب الأزمة الاقتصادية منذ عام 2019 وبعد النزوح من منزلها في منطقة البقاع نتيجة القصف المتكرر، إذ أصبحت تعيش في منزل صغير بعيد عن مكان عملها. وقالت: "حتى مع بدل المثابرة أو راتبين إضافيين، لا يكفي المبلغ لتغطية المصاريف الأساسية، نواجه ضغطاً نفسياً هائلاً بسبب النزوح وعدم وضوح المستقبل".
رواتب ضعيفة لا تغطي تكاليف المعيشة
أما فادي فقد بقي في مدينته صيدا رغم المخاطر، لكنه يعاني من ضعف راتبه الذي لا يغطّي سوى جزء بسيط من تكاليف الحياة اليومية. وأوضح أنه لا يستطيع تحمل تكاليف التنقل إلى بيروت أو المكوث فيها طوال أيام العمل المطلوبة للحصول على البدل، ما يجعله في حالة عجز دائم.
من جانبها، قالت الباحثة والكاتبة الاقتصادية محاسن مرسل إن أضرار الحرب طاولت جميع الموظفين، بخاصة في القطاع العام، لأنهم يعانون من انخفاض في قيمة الرواتب، وهناك تغيرات تطرأ بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، لأن جزءاً كبيراً من الموظفين مهجر بسبب الحرب الإسرائيلية، لكن الأساسيات في الدولة معطّلة للحصول على الأموال ودفع الرواتب للموظفين، والدولة تملك في حسابها قرابة ما يعادل نحو ستة مليارات دولار تملك منه بالعملة الأجنبية حوالي 400 مليون دولار، بينما الباقي بالليرة اللبنانية.
وتابعت مرسل، أن الحالة المالية هذه ستستمر، وهي جراء الوضع القائم في لبنان منذ فترة، ويجب معرفة إذا كانت الدولة تستطيع تحسين أوضاع الموظفين، خاصة بعد الحرب، لأنّ جزءاً كبيراً من النفقات سيذهب إلى المرضى والمساعدات. ورأت أن الدولة ذاهبة إلى مشكلة جديدة في موازنة عام 2025، ولا يمكن تعطيل المؤسسات العامة ذات الطابع الخاص لأنها تُدخل أموالاً للدولة عن طريق الضرائب والرسوم. وأكدت أن نسبة البطالة المقدّرة في الوضع الحالي هي 34%، عدا البطالة المقنّعة.
40% من الموظفين نزحوا من مناطق سكنهم
في هذا الإطار، قال رئيس تجمّع موظفي الإدارة العامة، حسن وهبي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن رواتب القطاع العام مؤمّنة في الموازنة لعام واحد، إلا أنه أشار إلى مشكلة كبيرة إذا ما ربطناها بالأزمة الاقتصادية الراهنة، التي تفاقمت بعد الحرب الإسرائيلية، إذ نزح حوالي 40% من الموظفين من مناطق سكنهم.
وأوضح وهبي أن الموظف الذي لا يزال مستقراً في منزله يتأقلم بشكل أفضل مع الراتب المتدني، مقارنة بالموظف الذي نزح إلى مناطق آمنة، ما رتّب عليه أعباء إضافية، خاصة أن بعض الموظفين غادروا من دون أن يتمكنوا من أخذ ممتلكاتهم معهم.
وأضاف أن الدولة لم تأخذ هذا الوضع بعين الاعتبار، بل طلبت من الموظفين الحضور إلى العمل للحصول على "بدل المثابرة"، إذ كان من المقرر أن يعمل الموظف 16 يوماً، مع تغطية باقي الأيام عبر إجازات، إلا أن الدولة لم تتخذ أي إجراءات بعد الحرب، مشيراً إلى أن وزير المالية قدم اقتراحاً بأن يعمل الموظف النازح ثمانية8 أيام وغير النازح 12 يوماً للحصول على بدل المثابرة، غير أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يوافق على هذا الاقتراح، بل أبقى على حضور 16 يوماً، وفق التعميم رقم 6/ 2024.
وأوضح وهبي أن هذا القرار تسبب في مشكلة بين الموظفين، إذ كانوا يستعدون للإضراب، إلا أن الوضع الراهن، ومع قيام العديد من الإدارات بأعمال إنسانية نتيجة العدوان الإسرائيلي، كوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة البيئة، منعهم من الإضراب. وأكد أن الموظفين النازحين يعيشون حالياً في مراكز إيواء مع عائلاتهم. وأوضح أنه على سبيل المثال "إذا كان موظف يعمل في دائرة مركزية مثل ديوان المحاسبة أو مجلس الخدمة المدنية، ولا توجد فروع أخرى لهذه الدوائر، فكيف يمكن للموظف النازح إلى عكار أن يحضر إلى بيروت 16 يوماً؟ هذا أمر مستحيل في ظل الرواتب المتدنية والوضع الأمني". وأكد وهبي أن رواتب الموظفين لا تتجاوز 600 دولار شهرياً، وتشمل بدل البنزين وبدل المثابرة. وقال إن رئيس الحكومة منشغل حالياً بملف المفاوضات لوقف إطلاق النار، دون الالتفات إلى وضع الموظفين، إضافة إلى غياب الهيئات الرقابية في الدولة، التي يفترض أن تدافع عن حقوق الموظفين، إذ لم تقدّم لهم أي دعم، وأن رئيس الحكومة كان ليقبل اقتراح وزير المالية لولا رفض رئيس مجلس الخدمة المدنية.
مطالب بتأجيل قرار الدوام الإلزامي للنازحين
وأشار وهبي إلى أن ثمّة موظفين نزحوا إلى مناطق بعيدة عن أماكن عملهم، لافتاً إلى تواصلهم مع وزارة المالية لتأجيل العمل بقرار بدل المثابرة إلى نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول. وأكد أنه في الظروف العادية، يلجأ الموظفون إلى الإضراب للمطالبة بحقوقهم، لكن اليوم، مع تدمير جزء كبير من الإدارات في الجنوب والبقاع، بات الموظفون مضطرين للالتحاق بمراكز عمل بديلة في بيروت. ومع ذلك، فإن الموظف الذي يعمل في غير مكان عمله المعتاد غالباً ما يكون أقل إنتاجية، ما يتطلب حلولاً سريعة لتأمين أماكن عمل ملائمة لاستمرار سير العمل.
وشدد على ضرورة مراعاة الحكومة أوضاع الموظفين النازحين، مشيراً إلى أن إحصاءات وزارة المالية تفيد بوجود 400 نازح ضمن 2000 موظف يعملون في الوزارة. وأضاف أن نسبة النازحين في الإدارات العامة تصل إلى حوالي 25%، أي ما يعادل نحو 3000 من إجمالي 10000 موظف. وطالب بتقديم مساعدات مالية للموظفين النازحين، بدلاً من المساعدات العينية فقط، نظراً لأن معظمهم يعيش تحت خط الفقر، مع عدم قدرتهم على استئجار منازل بسبب ارتفاع بدلات الإيجار. وأشار إلى ضرورة صرف بدل المثابرة، الذي لا تتجاوز قيمته 200 دولار، دون أي شروط، واعتباره مساعدةً في ظل الحرب الإسرائيلية.
وتابع قائلاً إن تجمّع موظفي الإدارة العامة يحاول التواصل مع رئيس الحكومة لإلغاء شرط الحضور للحصول على بدل المثابرة خلال هذه المرحلة، بحيث تُوزَّع الحقوق بالتساوي بين الموظفين، معتبراً أن الموظّف القادر على الوصول إلى مكان عمله سيقوم بذلك تلقائياً، باستثناء الموظفين الذين يعجزون عن الوصول بسبب تداعيات الحرب.