بايدن يواجه امتحان تفاوت الدخول وأزمات الطبقة الوسطى بأميركا

26 يناير 2021
الرئيس الأميركي يعتزم زيادة الضرائب على الأثرياء (Getty)
+ الخط -

يرث الرئيس الأميركي جوزيف بايدن تركة ثقيلة من أزمات المال والاقتصاد والتفاوت الطبقي والانقسام العرقي والسياسي التي تزيدها جائحة كورونا تعقيداً، وهي أزمات من الصعب معالجتها في دورة رئاسية واحدة أو حتى دورتين.

وتعود هذه الأزمات إلى عقود طويلة من الفشل السياسي والإداري للحزبين الجمهوري والديمقراطي في إدارة دفة الحكم بالولايات المتحدة، الدولة العظمي التي تقود النظام الديمقراطي والرأسمالي والليبرالي في العالم. وبالتالي يثار السؤال: كيف يمكن لإدارة جو بايدن إصلاح هذا الخراب الذي يضرب الاقتصاد الأميركي ومؤسساته المالية ويهدد بتفتت المجتمع الأميركي؟ 

تختلف سياسة جوزيف بايدن في معالجة أزمات الاقتصاد الأميركي عن سياسة دونالد ترامب، إذ يستهدف بايدن بناء الطبقة الوسطى وتقليص الفجوة في الدخول.وقال بايدن، اليوم الثلاثاء، إن الطبقة الوسطى بنت الولايات المتحدة، داعياً للاستثمار فيها مرة أخرى، كما وقع على أمر تنفيذي لدفع الحكومة لشراء ما هو مصنع في أميركا.

وبالتالي فهو يقدم أفكاراً جديدة مقارنة بسياسة ترامب التقليدية التي تقوم على خفض الضرائب على الأثرياء والشركات على أمل أن تقوم هذه الشركات بعد انتعاشها بزيادة الوظائف المتاحة ورفع الأجور. كذلك استندت سياسة ترامب على تطبيق الحظر والرسوم على الواردات، خاصة من الصين وأوروبا بهدف إنعاش الصناعة الأميركية، وهي سياسة أثبتت فشلها، إذ إنها أدت إلى مزيد من الانقسام الاجتماعي والطبقي والعرقي والسياسي وزيادة العجز التجاري دون أن تضيف شيئاً للصناعة الأميركية.

وظهر فشل سياسة ترامب  في الاحتجاجات العرقية ضد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد في الصيف الماضي واقتحام أنصاره مبنى الكونغرس الأميركي (كابيتول هيل) في واشنطن والزيادة المريعة في تركيز الثروة الأميركية لدى حفنة من الأغنياء، بينما يتزايد معدل الفقر وتنحسر الطبقة الوسطى. 

وترى وحدة الأبحاث في وزارة الخزانة الأميركية في دراسة بهذا الشأن، أن المساواة في الفرص الوظيفية والتوزيع العادل للثروة، تعد من ركائز الاستقرار المالي والسياسي في أميركا.

وتتوقع مجلة بانكر الأميركية، أن تنشئ إدارة بايدن وحدة خاصة لمعالجة عدم المساواة الاقتصادية خلال الشهور المقبلة. في ذات الصدد، يرى اقتصاديون أن عدم المساوة في الدخل، يُعد أحد أسباب تباطؤ النمو الاقتصادي وحدوث الأزمات المالية في الولايات المتحدة.

وحسب ما ظهر حتى الآن، فإن سياسات بايدن الداخلية خلال الأربع سنوات المقبلة، تستهدف القضاء على عدم المساواة في الدخل بين أفراد المجتمع الأميركي وتوسيع وتعزيز حصة الطبقة الوسطى من الثروة الأميركية، ذلك لأن قوة الطبقة الوسطى وتوسيعها هي من ركائز الاستقرار السياسي والحكم الديمقراطي الليبرالي وازدهار النظام الرأسمالي. 

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وبينما تجاهد الولايات المتحدة في المحافظة على موقعها القيادي عالمياً أمام التنين الصيني الصاعد الذي يبحث عن دور في صياغة " نظام عالمي جديد"، تجد نفسها أسيرة لثلاث أزمات رئيسية هي: أولاً، تضخم فقاعة أسواق المال التي باتت تشكل اقتصاداً طفيلياً، لا يعكس الاقتصاد الأميركي الحقيقي. وثانياً، الصراع الطبقي المرعب في تفاوت الدخل، بين فئة قليلة لا تتعدى واحدا في المئة تملك الثروات و90% من الفقراء وذوي المداخيل المنخفضة. والأزمة الثالثة، تآكل الطبقة الوسطى التي تعد الماكينة الحقيقية في صناعة الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي وازدهار النظام الديمقراطي الليبرالي. 

في شأن أسواق المال، تحولت سوق "وول ستريت" من بورصة لتمويل الصناعة والأفكار الجديدة والمساهمة الفعلية في الازدهار الاقتصادي من جهة، وزيادة حصة المواطنين من الثروة الأميركية من جهة أخرى، إلى كازينوهات للمضاربة وصالات شبيهة بصالات القمار، تقتات على طباعة الدولارات التي يضخها بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ويوزعها على المصارف وأصحاب الشركات والأثرياء عبر شراء السندات الفاسدة.

وحسب بيانات شركة سيبلس الأميركية المتخصصة في أبحاث البورصات والأسهم العالمية، فقد كان العام 2020 عام أرباح قياسية للبورصات الأميركية بينما كان الاقتصاد الأميركي يئن تحت جائحة كورونا. حيث ارتفعت القيمة السوقية للأسهم المتداولة في بورصة نيويورك إلى نحو 50.8 ترليون دولار، كما بلغ حجم سوق السندات الأميركية نحو 45 ترليون دولار.

وحسب بيانات سيبلس فقد كسبت البورصة الأميركية أكثر من 13.1 ترليون دولار من الجائحة التي ضربت الاقتصاد الأميركي. وهذا يعني أن سوق المال الأميركية باتت تشكل خطراً على السياسة النقدية والمالية في الولايات المتحدة، وبالتالي أصبحت البورصة من أكبر الأدوات التي تغذي التفاوت الطبقي والاختلال المرعب في الدخول في الولايات المتحدة.

ففي الولايات المتحدة الآن اقتصادان أحدهما، اقتصاد حقيقي يعاني من الركود وارتفاع البطالة وإفلاس الشركات، و"اقتصاد ورقي" يواصل التضخم بسبب تدفقات الأموال المتواصلة من مصرف الاحتياط الفيدرالي الذي ضخ أكثر من 5 ترليونات في الاقتصاد، وهو اقتصاد المليارديرات الذين تزايدت ثرواتهم من جائحة كورونا بنحو ترليون دولار.

على صعيد أسواق المال، لا يتوقع اقتصاديون أن يسعى الرئيس بايدن لكبح النمو الطفيلي لأسعار الأسهم والسندات الأميركية التي باتت قيمتها تقارب 100 ترليون دولار وتعادل نحو 5 أضعاف حجم الاقتصاد الأميركي. وتعتمد أميركا في مركزها كقوة عظمى، إلى جانب الجيش، على نفوذ الدولار والمصارف والخدمات المالية.

لكن البروفسور نيك سارغين المحاضر بجامعة ستانفورد الأميركية، يرى أن بايدن سيرفع الضرائب على الأثرياء ضمن معالجته لأزمة الطبقية المالية وتفوت الدخول. في هذا الشأن، تخطط إدارة الرئيس بايدن لرفع الضرائب على الشركات من 21 إلى 28% كما يخطط بايدن كذلك لرفع الضرائب على الأثرياء، إذ إنه يقترح رفع الضرائب على الفئة الأكثر ثراء في المجتمع الأميركي من 37% إلى 39%.

كذلك فرض ضرائب على أرباح رأس المال وتوزيعات الأرباح على الأسهم بنسب متفاوتة حسب كمية الأرباح. بموجب  هذه الخطة، يتم احتساب الضرائب على الأرباح حتى مبلغ مليون دولار بنسبة ضرائب الدخل العادية، أما بالنسبة لأرباح رأس المال التي تفوق مليون دولار، فسترفع عليها نسبة الضرائب.

ومن غير المعروف حتى الآن النسبة التي يقترحها بايدن وفريقه، ولكن يلاحظ أن بايدن يحظى بدعم الأغلبية في مجلسي الكونغرس. كما يخطط بايدن كذلك لفرض ضريبة ضمان اجتماعي على مداخيل الأفراد التي تفوق 400 ألف دولار في العام. وهذه الإجراءات من شأنها الحد من تراكم الثروة لدى الأغنياء. 

على صعيد دعم الطبقة الوسطى، فإن إدارة بايدن ستسعى لخلق وظائف جديدة ذات أجور عالية في مجالات التقنية والطاقة المتجددة ودعم الطلاب عبر إعفاء ديون الدراسة لطلاب الجامعات وتقديم دعم مالي لتأهيل وتدريب الكوادر الوظيفية لتوسيع الطبقة الوسطى. كما تخطط لرصد 700 مليار دولار لدعم الصناعة والوظائف، وقد أقر بايدن يوم الاثنين، مشروعاً لتشجيع المؤسسات الفيدرالية للسلع والخدمات المحلية.

ما يتجه لاستثمار 300 مليار دولار في البحوث والتطوير التقني. ويذكر أن الصناعة  ضعفت خلال السنوات الأخيرة بسبب هجرة الشركات للإنتاج في الصين والدول ذات الأجور المنخفضة بهدف خفض الكلفة وزيادة الربحية.

وكانت النتيجة تراجع الوظائف الأميركية في الصناعة من 19 مليون وظيفة في العام 1979 إلى 12 مليون وظيفة. وأدى ذلك تلقائياً إلى ضمور الطبقة الوسطى، حسب بيانات مركز "بيو" الأميركي للأبحاث. 

وكدليل على الاختلال المريع في توزيع الثروة بأميركا، تقول مؤسسة راند الأميركية، إنه منذ العام 1975، أي خلال 45 عاماً، تم تحويل 50 ترليون دولار من الثروة الأميركية من الطبقات الوسطى والفقيرة إلى الأغنياء بسبب الأخطاء في السياسات المالية والفساد والفشل المريع في ممارسات النظام الرأسمالي الليبرالي.

أما على صعيد الغبن العرقي والتمييز العنصري الذي تزايد في عهد ترامب، فيسعى بايدن إلى تبني إجراءات تحد من العنصرية التجارية والمالية التي تمارسها المصارف ومؤسسات القروض في أميركا ضد السود والملونين في أميركا.

ويقول تقرير صادر عن مصرف الاحتياط الفيدرالي في الصيف الماضي، إن أصحاب الأعمال التجارية من السود يعانون من أزمة في الحصول على التمويل لأعمالهم التجارية، إذ ترتفع نسبة الرفض لطلبات التمويل كما ترتفع نسبة الفائدة على تمويلاتهم مقارنة بالبيض.

المساهمون