- بايدن يسعى لتوسيع الأمان الاجتماعي بشكل كبير، لكنه يواجه تحديات في تحقيق أهدافه بسبب المعارضة السياسية، فيما يعاني الأميركيون من ارتفاع الأسعار والتضخم.
- حوالي 38 مليون أميركي تحت خط الفقر بنهاية 2023، مع استمرار الجدل حول فعالية السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وانتقادات لغياب الدعم الكافي لتحسين معيشة الفقراء والطبقة العاملة.
مع اقتراب موعد حسم انتخابات الرئاسة الأميركية 2024، وكالمعتاد، بدأت حملة الرئيس الحالي جو بايدن بإحصاء إنجازاته الاقتصادية، في حين شرعت حملة منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب في تذكير الناخبين بالوعود التي قطعها على نفسه ولم يف بها، والتي يأتي في مقدمتها هذه المرة وعوده بالقضاء على الفقر بعد أن باتت بعيدة عن التحقق، وربما دافعة لأصوات بعض الفئات من محدودي الدخل باتجاه منافسه، مرشح الحزب الجمهوري.
وعلى الرغم مما هو معروف تاريخياً، من انحياز مرشحي الحزب الديمقراطي وسياساتهم إلى الفقراء، وانشغال مرشحي الحزب الجمهوري بإرضاء رجال الأعمال وأصحاب الثروات، تشهد انتخابات العام الحالي خروجاً واضحاً عن المألوف، حيث أعرب ناخبون من أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة عن رغبتهم في عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
أليكس، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، قال إنه يعمل في مجال المقاولات، مشيراً إلى أن أجره يقل كثيراً عن متوسط الدخل في أميركا. أكد أن حاله كان أفضل كثيراً خلال فترة حكم ترامب، وأن الضرائب التي كان يدفعها كانت أقل مما دفعه عن عام 2023. وقال لـ"العربي الجديد": "وعد ترامب بالقضاء على الفقر، إلا أن الواقع يقول إنه قضى على نشاط الشركات، ومن ثم الطلب على ما أقوم به من عمل".
وأضاف: "العام الأخير شهد تقليص العديد من الشركات لإنفاقها الاستثماري، تحسباً لدخول الاقتصاد في ركود، في حين أن الأسعار استمرت في الارتفاع. أنفقت تقريباً كل ما أدخرت في السنوات السابقة، والآن أتوسع في الاستدانة عن طريق بطاقات الائتمان".
وتولى بايدن منصبه ووعد بتوسيع شبكة الأمان كما لم يفعل أي رئيس منذ عهد ليندون جونسون، الذي تبنى فكرة "المجتمع العظيم" في حقبة الستينيات، من خلال مجموعة شاملة من التشريعات لمساعدة الاقتصاد على التعافي من جائحة كوفيد.
ولكن على الرغم من سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونغرس حتى العام الماضي، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه التي أعلنها قبل وصوله إلى البيت الأبيض، حيث واجه معارضة من الجمهوريين، الذين حصلوا على تأييد بعض الديمقراطيين مثل السيناتور جو مانشين الذي اعترض على إرسال المزيد من المساعدات النقدية إلى المواطنين، لمساعدتهم على مواجهة التضخم.
ومع ذلك، استفاد معظم الأميركيين من بعض المزايا الاقتصادية خلال فترة حكم بايدن، إذ ارتفعت الأجور، وتراجع معدل البطالة، وزادت ثروات الأسر من الأغنياء. لكن بقي هناك نحو 40 مليون شخص، معظمهم خارج سوق العمل، ممن يعيشون في حالة فقر مدقع.
وعلى الرغم من انخفاض معدل التضخم، ما زالت الأسعار مرتفعة على الكثيرين. ويقول أليكس "تراجع معدل التضخم لا يعني انخفاض الأسعار، وإنما يعني تباطؤ ارتفاعها، واستمرار معاناة أصحاب الدخول المنخفضة". وأظهرت بيانات حكومية رسمية ما سبّبه ارتفاع معدل التضخم خلال الفترة الماضية من مشكلات اقتصادية واجتماعية في الاقتصاد الأكبر في العالم، حيث انعدم الأمن الغذائي، وزاد تشرد الأطفال وفقرهم، منذ عام 2021، حين قام المشرعون بتوسيع شبكة الأمان الفيدرالية لحماية الاقتصاد من الوباء، وكان ذلك من خلال التدابير المؤقتة التي انتهت صلاحيتها قبل أكثر من عام.
ورغم أن الولايات المتحدة تعد أغنى دولة في العالم، تشير الإحصائيات الرسمية فيها إلى وجود ما يقرب من 38 مليون (11.5% من عدد السكان) من الفقراء، وذلك في نهاية عام 2023. وتم تطوير الطريقة الرسمية لحساب مستويات الفقر في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين، ولكن لم يتم تحسينها كثيراً منذ ذلك الحين. ويؤكد بعض المحللين أن الحكومة تبالغ في تقدير مستوى الفقر في الولايات المتحدة لأنها تدخل بعض الفئات في عداد الفقراء، رغم أنهم في أجيال سابقة لم يعدوا منهم بأي حال.
وكان أعلى معدل للفقر في الولايات المتحدة على الإطلاق هو 22%، وتم تسجيله في فترة الخمسينيات، وتم تسجيل أدنى مستوى له، وهو 10.5%، في عام 2019، أي خلال فترة حكم الرئيس السابق ترامب. ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن تحدد هذه القضايا ساكن البيت الأبيض خلال السنوات الأربع القادمة، إلا أن من المؤكد أن عدداً أكبر من الناخبين يطالب الآن بتخفيض التضخم مقارنة بمن يطالبون ببرامج اجتماعية جديدة شاملة.
لكن طموحات بايدن التوسعية لتعزيز شبكة الأمان ربما لا تساعده كثيرًا، حتى بين المستفيدين المستهدفين. وفي الولايات المتأرجحة مثل ميشيغن، حيث تحتاج حملة بايدن إلى دعم من النساء والأشخاص الملونين الذين ساعدوه على الفوز في عام 2020، أصيب العديد من الأشخاص الذين كانوا يأملون في أن تمنحهم المساعدة الفيدرالية دفعة مادية، بخيبة أمل.
وفي المقابلات التي أجرتها بعض الجهات الإحصائية، لم يكن أكثر من عشرين شخصًا في جميع أنحاء ميشيغن، ممن يعانون في رعاية أطفالهم أو تأمين سكنهم أو سد جوعهم، على علم بخطط بايدن لتوسيع شبكة الأمان. وقال هؤلاء إنهم غير واثقين، على الأقل في الوقت الحالي، بشأن كيفية تصويتهم هذا الخريف.
وقالت سيليندا ليك، خبيرة استطلاعات الرأي الديمقراطية التي عملت مع بايدن في عام 2020، لصحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي: "نسمع هذا في مجموعات التركيز لدينا طوال الوقت: لقد أصبح من الصعب دفع تكاليف الأطفال، وهذا جزء رئيسي من سبب شعور الناس بالتشاؤم". ومن بين أكثر من ست خطط لشبكات الأمان دفع بها بايدن في أجندته الأولية “إعادة البناء بشكل أفضل Build Back better”، لم يكن أي منها مهمًّا على نطاق واسع لكبار المسؤولين الديمقراطيين مثل الجهود المبذولة لتوسيع نطاق رعاية الأطفال.
ويدفع غياب شبكات رعاية الأطفال الآباء إلى الخروج من سوق العمل، مما يلحق الضرر بالاقتصاد عامة ويساهم في استمرار التفاوت لفترات طويلة، ويحرم الأسر الفقيرة من فرصة بدء تعليم أطفالها في وقت أقرب. ويقول منظمو استطلاعات الرأي إن هذه القضية تعتبر قضية رابحة عند الديمقراطيين في صناديق الاقتراع. ويتحدث المساعدون القدامى عن أن خفض تكاليف رعاية الأطفال للآباء من الطبقة العاملة هو مسألة قناعة حقيقية للرئيس.
ومع ذلك، ارتفعت تكاليف رعاية الأطفال خلال السنوات التي مضت من حكم بايدن ارتفاعًا أسرع من معدل التضخم الإجمالي، وكان انتهاء المساعدات المقدمة لمقدمي الخدمات في عصر فيروس كورونا في الخريف الماضي أمرًا مؤلمًا.
وعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن انتهاء المساعدات في ولاية ميشيغان المتأرجحة، سيؤدي إلى إغلاق 1200 مقدم خدمة يخدمون 56 ألف طفل. وتبلغ تكلفة رعاية الأطفال في المتوسط في ميشيغان 12.238 ألف دولار سنويًّا، وفقًا لمونيك ستانتون، رئيسة رابطة ميشيغان للسياسة العامة، وهي مجموعة غير ربحية.
ويمثل هذا حوالي 36% من متوسط دخل الأمهات العازبات في ميشيغان البالغ 34 ألف دولار. وتعتبر رعاية الأطفال غير ميسورة التكلفة إذا كانت تكلف أكثر من 7% من الميزانية السنوية للأسرة.
ويحاول فريق بايدن توضيح أن البيت الأبيض يريد فعل المزيد. وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين للصحفيين في فبراير/شباط إن التوسع في رعاية الأطفال يظل أحد أولوياتها الأكثر إلحاحاً. وشدد الرئيس أيضاً على ضرورة العمل على توفير رعاية أفضل للأطفال، وإقرار الإجازة العائلية مدفوعة الأجر، كما هي رعاية المسنين، في خطابه عن حالة الاتحاد.
ويقول كبار الديمقراطيين في الكونغرس وداخل البيت الأبيض إن إحياء مقترحات شبكة الأمان المحلية التي قدمها بايدن، خاصة في ما يتعلق برعاية الأطفال، ربما تكون أولويتهم التشريعية القصوى إذا فازوا بالسيطرة الكاملة على الحكومة في عام 2025. وعلى النقيض من ذلك، كان ترامب يهدف باستمرار إلى قطع شبكة الأمان خلال فترة ولايته.
وقال توبين ماركوس، مسؤول السياسات في مركز الأبحاث "وولف ريسيرش Wolfe Research" والمستشار الاقتصادي السابق في إدارة الرئيس بايدن في مذكرة نشرها: "يبدو الأمر وكأنه الشيء التالي، بالطريقة نفسها التي كان فيها المناخ هو الشيء التالي. إن اقتصاد الرعاية بصفة عامة هو العمل الواضح غير المكتمل خلال فترة ولايته الأولى".
ورعاية الأطفال ليست المجال الوحيد الذي سعى فيه بايدن إلى توسيع شبكات الأمان بصورة واضحة لكنه فشل فيه. وجعلت إدارته صيغة قسائم الطعام أكثر سخاءً، مما أدى إلى أكبر زيادة في استفادة المواطنين في تاريخ البرنامج، ولكن تم تعويض ذلك من خلال انتهاء زيادة منفصلة في طوابع الغذاء، بالإضافة إلى أسرع ارتفاع في أسعار البقالة منذ أربعة عقود.
وكانت النتيجة أن الأسر الفقيرة التي لديها أربعة أطفال شهدت انخفاضًا في مخصصاتها في مارس 2023 من 939 دولارًا إلى 429 دولارًا، وفقًا لإدارة الصحة والخدمات الإنسانية في ميشيغن. وارتفع معدل الفقر من 7.8% إلى 12.4% لجميع الناس في عام 2022، ومن 5.2% إلى 12.4%، أي أكثر من الضعف، للأطفال.