استمع إلى الملخص
- تراجعت قيمة الاقتصاد السوري بشكل كبير من 67.5 مليار دولار في 2011 إلى 9 مليارات دولار في 2023، متأثرة بالحرب والعقوبات والنزوح، حيث يعيش أكثر من نصف السوريين في فقر مدقع مع تضخم مفرط.
- دمرت الحرب البنية التحتية الأساسية، مما أدى إلى اعتماد البلاد على الواردات، ومن المتوقع أن تستفيد الحكومة الجديدة من رفع العقوبات الدولية لتحسين الوضع الاقتصادي.
أصبح الاقتصاد السوري أمام تحولات مهمة بعد سقوط نظام بشار الأسد، بعدما تعرض الاقتصاد للتدمير الممنهج طوال عقد من الزمن. ويثير الانتقال إلى إدارة جديدة بعد سقوط النظام تساؤلات حاسمة حول المشهد المستقبلي للاقتصاد في سورية، الذي يحتاج إلى الاستقرار السياسي كأولوية لعودة الاستثمار واللاجئين من الخارج.
ووفق تقارير عدة، أعرب رجال أعمال سوريون بارزون عن تفاؤل حذر بشأن إمكانية التعافي الاقتصادي، وهم يبحثون عن دلائل على أنّ الحكومة الجديدة ستعزز بيئة مواتية للاستثمار، وهو أمر ضروري لإعادة بناء الاقتصاد السوري بعد سنوات من الدمار. وأشار وزير الاقتصاد السوري المؤقت، باسل عبد العزيز، إلى أنّ الحكومة تهدف إلى إرساء نظام السوق الحر القائم على المنافسة. ومن الممكن أن يجذب هذا التحول الاستثمارات المحلية والأجنبية اللازمة لجهود إغاثة الاقتصاد السوري وإعادة الإعمار بعد سنوات من الخراب.
وفي الأرقام، تراجعت قيمة الاقتصاد السوري في نهاية عام 2023 إلى نحو 9 مليارات دولار فقط من 67.5 مليار دولار (63.9 مليار يورو) في عام 2011، وهو العام نفسه الذي اندلعت فيه احتجاجات واسعة النطاق ضد نظام بشار الأسد، وأشعلت شرارة الثورة ضد النظام التي حولها الأسد إلى حرب شاملة. ووفق بيانات البنك الدولي، في 9 مايو/ أيار الماضي، فقد احتلت البلاد المرتبة الـ68 من بين 196 دولة في تصنيفات الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بأوروغواي وسلوفينيا.
وبحلول العام الماضي، انخفض الاقتصاد إلى المرتبة الـ129 في جدول التصنيف، بعد أن تقلّص بنسبة 85% إلى 9 مليارات دولار فقط، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. وهذا يضع سورية على قدم المساواة مع دول أمثال تشاد وفلسطين المحتلة. وقد أثر ما يقرب من 14 عاماً من الصراع والعقوبات الدولية ونزوح 4.82 ملايين شخص، أي نحو ما يصل إلى أكثر من خمس سكان البلاد، في ما كانت بالفعل إحدى أفقر الدول بالمنطقة.
ولا يزال 7 ملايين سوري آخرين، أي أكثر من 30% من السكان، نازحين داخلياً حتى ديسمبر/ كانون الأول، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا". وبحسب وكالة رويترز، فإنّ العملة السورية (الليرة) شهدت انخفاضاً غير مسبوق منذ بدء الحرب في 2011، حيث كانت قيمتها حوالي 47 ليرة مقابل الدولار حينها، لكنها تجاوزت حاجز 7000 ليرة بحلول نهاية عام 2023، ثم انهارت إلى 15000 ليرة لكل دولار عشية إطاحة الأسد، في 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ودمّرت الحرب التي افتعلتها قوات النظام البنية التحتية للبلاد، مما تسبب في أضرار دائمة للكهرباء والنقل وأنظمة الصحة والبنية التحتية. وشهدت عدة مدن، بما في ذلك حلب والرقة وحمص، دماراً واسع النطاق. كما تسببت في انخفاض كبير في قيمة العملة المحلية، مما أدى إلى تهاوي القوة الشرائية.
وفي العام الماضي، شهدت سورية تضخماً مفرطاً، وهو تضخم مرتفع جداً ومتسارع، حسبما ذكر المركز السوري لأبحاث السياسات (SCPR) في تقرير نشر في يونيو/ حزيران الماضي، بينما تضاعف مؤشر أسعار المستهلك (CPI) مقارنة بالعام السابق. وقال المركز، إن أكثر من نصف السوريين يعيشون في فقر مدقع، وغير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
ودمّرت الحرب الركيزتين الأساسيتين للاقتصاد السوري، وهما النفط والزراعة. وعلى الرغم من صغر حجم صادرات النفط السورية مقارنة بدول الشرق الأوسط الأخرى، فإنها شكلت حوالي ربع الإيرادات الحكومية في عام 2010. وساهم إنتاج الغذاء بمبلغ مماثل في الناتج المحلي الإجمالي.
ويهتم قادة الأعمال في سورية، بشكل خاص، بكيفية تطور السياسات، في ظل هيكل الحكم الجديد وما إذا كان قادة المعارضة سيدعمون الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية أو يفرضون لوائح أكثر صرامة على الاقتصاد. ومن المتوقع أن تستفيد الحكومة السورية الجديدة من رفع العقوبات الدولية التي كانت قائمة ضد نظام الأسد. وهذه العقوبات قيدت بشدة قدرة البلاد على تصدير النفط. ومع انخفاض إنتاج النفط إلى أقل من 9000 برميل يومياً في المناطق التي يسيطر عليها النظام العام الماضي، أصبحت البلاد تعتمد بشكل كبير على الواردات والمنح والقروض القادمة من إيران وروسيا وغيرها من حلفاء نظام الأسد قبل سقوطه.
ويرى تقرير للمعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية (تشاتام هاوس) في لندن، أنّ إزاحة الأسد قد تجلب الراحة، بل وحتى الرخاء لسورية، وهو ما تأمله الحشود المحتفلة بكل وضوح. وقال التقرير: "تسببت وحشية نظامه والصعوبات الاقتصادية التي أعقبت العقوبات ووضعه المنبوذ في معاناة المواطنين في جميع أنحاء سورية".